أبعاد الموقفتقارير وتقديرات

درنة الفاجعة

 

درنة : الفاجعة

منذُ عدة أيام مضت وقبل حدوث الكارثة الكبرى درنة 11 سبتمبر 2023م ، وُجهت تحذيرات دولية ومحلية جادة من تحرك عاصفة متوسطية نحو السواحل الليبية، سميت بعاصفة دانيال، وهي قادمة من أوروبا باتجاه جنوب المتوسط بعد أن تسببت في فيضانات وخلفت خسائر مادية فادحة وأضرار كبيرة بالممتلكات والبنى التحتية، في كل من تركيا وبلغاريا واليونان .

وذكر مركز طقس العرب الإقليمي أن العاصفة المتوسطية ” دانيال” تتحرك بكامل قوتها إلى ليبيا، من وسط البحر المتوسط بعدما اكتسبت خصائص استوائية ، وستمر بليبيا ومصر. وكان العنوان الرئيس لهذه العاصفة هطول كميات كبيرة من الأمطار تصحبها رياح قوية بسرعة تصل ل 90 كم في الساعة.

وقد شكلت حكومة البرلمان فريقاً لإدارة الأزمة ، ترأسه رئيس الحكومة ” أسامة حماد ” سميت ” باللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة” ، ولم تشهد هذه اللجنة عضوية خبراء حقيقيين كخبراء الطقس والمناخ، ومهندسين مختصين بالسدود وجيولوجيين قادرين على تقديم استشارات علمية حقيقية. أو مستشارين حقيقيين في إدارة الكوارث والطوارئ والأزمات لهم القدرة علي التقييم والتقدير الحقيقي والواقعي للازمة ، وقد شكل مشير ” خليفة حفتر” قرار بتشكيل غرفة للطوارئ، برئاسة عقيد ” فرج قعيم”.

وقد أصدر ” قعيم ” تعليماته المباشرة والتي تنحصر في أن ” يلزم المواطنون بيوتهم خوفاً من تطاير أسقف الصفيح نتيجة لتأثير الرياح الشديدة “!! ، ولم يشر إلى تعليمات جادة تتعلق بوضع استراتيجية جادة لإخلاء المواطنين الذين يسكنون بطون الأودية  وممرات السيول، والتي من أكبرها وادي درنة، الذي يتجاوز طوله 70 كم ، ومساحة حوض التجميع للوادي 575 كم مربع ، والذي أنشأت به في بداية السبعينيات شركة يوغسلافية سدين، كان قلب السدين من الطين المدكوك، والجوانب من الحجارة والصخور. هما سد البلاد الذي يبعد 1 كم عن قلب المدينة، بسعة تخزينية في حدود 1.5 مليون متر مكعب، وسد أبو منصور الذي يبعد حوالي 13 كم جنوب السد الأول، وهو سد كبير جدًا بسعة حوالي 22.5 مليون متر مكعب، وقد شهد هذا الوادي ستة فيضانات في تاريخه، كان أولها فيضان 1941م، الذي تسبب بخسائر كبيرة للجيش الألماني، وفيضان 1956م ، وفيضان 1959م، والذي كان كارثيًا، وفيضان 1968م، وفيضان 1986م .

ومن البديهي عندما يتعلق الأمر بهطول كميات كبيرة من الأمطار تفوق المعدلات المعهودة ، تنصرف عقول الخبراء ومحللي الأزمات والكوارث الطبيعية إلى الأودية والسدود وساكنيها، وتقييم مدى جاهزية هذه السدود لحجز الكميات الهائلة التي من المحتمل أن تتسبب بها هذه الأمطار في أرض طينية ذات قدرة محدودة على تصريف المياه إلى باطنها، فالتربة الطينية معروف عنها احتفاظها الكبير بالمياه.

وكذلك الأخذ في الاعتبار الحالة الفنية للسدود نتيجة لإنشائها منذ فترات زمنية قديمة ، وهي بحاجة ماسة للصيانة وفق مهندسين وخبراء منذ العام 1992م ، إلا أن ذلك يبدو أنه لم يحدث بالرغم من الميزانيات التي صرفت لإجل ذلك .

وجديرا بالذكر، فأنه وعند الخوض في تحليل الأسباب التي أدت إلى هذه الإدارة الكارثية للكارثة ، لابد أن نأخذ في الاعتبار مجموعة من المعطيات، وهي:

طبيعة الشخصية العسكرية في إدارة الكوارث والأزمات. فالشخصية العسكرية بطبعها اندفاعية تقلل من أهمية الخسائر، وعادة ما تقع فريسة لوهم السيطرة والقدرة على التصرف في الوقت المناسب ، فعدد الآليات والمعدات والجنود يوهمون بها القادة بأنهم قادرين، دون النظر في القدرات النوعية، والاهتمام الفعلي بالتحليل العلمي للأزمة. فيتخذون قرارات تكون نتائجها كارثية. بالذات وأن التقارير التي تقدم لهم عادة ما تكون انحيازية تحفيزية بعيدة عن الدقة والموضوعية.

وقد شهدنا الاجتماع الذي ترأسه المشير ” خليفة حفتر” بحضور رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان “أسامة حماد”، في مشهد سريالي مبتذل يقول رئيس الحكومة للقائد العام ” نحن ننتظر تعليماتكم”.

القبلية والولاء. المحاصصة القبلية حرمت المؤسسات من العناصر والقيادات الكفؤة، فمعيار شغل المناصب والوظائف القيادية يتم على أساس القبيلة والولاء للقيادة. لا على أساس الكفاءة العلمية والخبرة العملية.

عجز مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء المحليين عن مواجهة القرارات التي تصدر عن القيادة العسكرية والأمنية ، رغم ما قد تسببه هذه القرارات من آثار كارثية، بسبب الخوف وحالة القمع والتهم المعلبة الجاهزة ، كل ذلك يؤدي إلى عزوف الخبراء عن تقديم النصح ، واستسلام المكونات المدنية للدكتاتورية العسكرية والأمنية.

أما عن غرب ليبيا، فعندما كانت طرابلس غارقة في الوحل ومياه الأمطار، كان رئيس الحكومة ” الدبيبة ” برفقة وفد رفيع المستوى بحسب وصف الموقع الرسمي للحكومة ، في زيارة رسمية لدولة قطر، وكشفت العاصفة عجز الحكومة ، وضعف البنية التحتية ، حتى تلك التي من المفترض أن تكون حديثة ضمن مشروع ما سمي ” عودة الحياة ” ، رغم إنفاق المليارات من الأموال ، ما يؤشر لفداحة الفساد الذي طال الحكومة.

وأخيرا .. فإن وعي الشعب الليبي  وذاكرته الجمعية ستسجل كارثة درنة ، والمتسبب بها، من سياسيين متصارعين على السلطة حرموا الدولة من حالة استقرار تسمح بتفقد المرافق الحيوية والاستراتيجية للدولة ، وضمان سلامة المواطنين وأمنهم ، وقادة عسكريين سياساتهم ما فتئت تجر الكوارث على البلاد. حتى رأينا وديان برقة تلفظ أبناءها وترميهم في البحر، والبحر بدوره يعيدهم إلى درنة جثث هامدة.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لتحميل الملف من هنا ….

زر الذهاب إلى الأعلى