تقارير وتقديراتتقدير الموقف

إنقلاب عسكري في النيجر و تداعياته علي الأمن القومي الليبي

تمهيد

بعد أقل من أسبوع  ، من تصريح  قائد قوات الفاغنر ” يفغيني بريغوجين ” من أنه “سيتم التركيز الشديد في المرحلة القادمة على الإنطلاق في التوسع في إفريقيا ” في محاولة روسية لصناعة حلم نفوذها الإفريقي الذي تسعي إلي أن ، يمتد  أفقيا عبر مجموعة  دول  الساحل الخمس- G 5 – ( مورتانيا – بوركينا فاسو – تشاد – مالي – النيجر )، من موريتانيا  علي  سواحل الأطلسي غرباً ، إلى  إريتريا  شرقاً  حيث  سواحل  البحر الأحمر ، مرورا  بدول السودان  وافريقيا  الوسطي  ، ويكون  امتدادًها  الرأسي  شمالاً  علي الساحل الليبي ، ليكون لها منفذا علي المياه الدافئة في جنوب المتوسط ، ولتشكل بذلك حرف ( T ) المقلوب ، في تنافس محموم مع فرنسا ، علي طول مستعمراتها التاريخية.

و لكن ظلت النيجر عقدة الروس في صناعة واستكمال هذه  الخارطة ، نظراً  للتواجد الفرنسي الكبير فيها ، والتي جعلتها مركز  لعملياتها في وسط افريقيا  و المنطقة ، من خلال  إقامتها  لعدد 4 قواعد عسكرية كبري فيها ، إضافة  إلي التواجد الأمريكي بقواعد الخمس إضافة الي موقعين للتعاون الأمني ، أي اكثر من أي بلد في الجزء الغربي من القارة الأفريقية.

ونظراً  للأهمية الأستراتيجية للنيجر بالنسبة لفرنسا خاصة  في مجال استخراج اليورانيوم ، هناك سبب آخر يخص التحالف الوثيق  الذي  يظهره رجل فرنسا ” محمد بازوم ” ، والذي تجسد في مسارعته لإحتضان القوات الفرنسية المنسحبة من  مالي  وبوركينا  فاسو  وأفريقيا الوسطى  ، والتنسيق  العالي مع  السلطات الفرنسية  في مختلف القضايا خاصة في المجال الأمني .

بداية الإنقلاب

شهدت النيجر صباح الإربعاء الماضي  26 يوليو 2023 ، تمرد لأفراد  الحرس الرئاسي قاموا  فيه بإحتجاز الرئيس النيجري ” محمد بازوم  ”  ( في ردة  فعل علي عزل آمر الحرس الرئاسي  في وقت  سابق ) ، بدواعي إصلاحية  وتحقيق  بعض  المطالب ، ثم أعقبه في وقت متأخر من مساء نفس اليوم ، أعلان  عدد من  القادة  العسكريين  والجنود عبر  التلفزيون  الرسمي عزل  الرئيس ” محمد بازوم ” ، كما أعلن عن إغلاق حدود البلاد مع جيرانها  ، وحل  الدستور ، و تعليق  جميع  عمل المؤسسات في البلاد ، وحظر  التجول في كامل البلاد ، وليكون هذا هو الأنقلاب الخامس في تاريخ النيجر الحديث.

في سيناريو  متكرر من العسكر في كل إنقلاباتهم علي السلطة التشريعية والدولة المدنية ، علي أمتداد تاريخ الانقلابات العسكرية في العصر الحديث ، وبذلك  يكون مؤشر  تفاقم  الأنقلاب  أخذ بعداً  خطيراً على  مستقبل الدولة  ومنطقة  الساحل والصحراء التي لم تنفك عن توالي المحطات الانقلابية .

في الإعلان التلفزيوني ،  خرج الكولونيل  ” أمادو  عبد الرحمن ”  وهو مسؤول بالقوات الجوية يظهر خلفه  تسعة  ضباط  بالزي  العسكري  من كبار  أعضاء الحرس الوطني ، والحرس الرئاسي ، بينهم  نائب  رئيس الأركان العامة  وفقا لما  ذكرته  صحيفة ” نيويورك تايمز ” ، قائلا  ” نحن  قوات الدفاع  والأمن ، قررنا إنهاء النظام الذي تعرفونه ” ، وأضاف “يأتي ذلك في أعقاب استمرار  تدهور الوضع الأمني وسوء  الإدارة  الاقتصادية والاجتماعية” ، وقال أيضا ” إن جميع مؤسسات البلاد قد تم تعليقها  ” .

لكن رئيس المجلس  وأعضاءه لم يعلن عنهم حتي كتابة هذا التقرير صباح اليوم 28 يوليو ، مما يزيد الوضع اكثر غموضا، وسط تداول عدة أسماء  يمكن ان تكون  وراء عملية الانقلاب سيعلن عنها لاحقا.

وفي بيان آخر  منسوب للقيادة العسكرية  للقوات المسلحة النيجرية المكونة من رئيس أركان العامة ، ورؤساء أركان الجيوش، عقب اجتماع عقد أمس الأربعاء 26 يوليو 2023  أكدت  فيه انضمامها إلى إعلان  عزل  رئيس الجمهورية ، وأن قرارها  جاء  بدافع من ناحية الحفاظ  على السلامة الجسدية  لرئيس الجمهورية  وعائلته، و لتلافي المواجهة المميتة  بين  القوى المختلفة التي قد تتسبب في حمام  دم ، وتعرض سلامة السكان للخطر من ناحية.

ومن ناحية أخرى ، من أجل الحفاظ على تماسك القوات المسلحة النيجرية، قررت الاشتراك في إعلان المجلس الوطني لحماية الوطن CNSP ، وحذرت هيئة الأركان العامة من أي تدخل عسكري  خارجي أيا كان مصدره ، من شأنه  أن يخاطر  بعواقب  وخيمة ، كما دعت الهيئة ، جميع قوات  الأمن والدفاع  إلى الاستمرار  في التركيز  على مهامهم  والحفاظ على  قدرتهم  القتالية  المعروفة  لمواصلة  مكافحة الإرهاب  والجريمة المنظمة – بحسب ما جاء في بيانهم.

من هم قادة الإنقلاب :

من خلال إعلان الانقلاب والاسماء التي ذكرت وفقا لصحيفة ” نيويورك تايمز ” ، يكون هناك ثلاث قوي عسكرية توحدت علي عزل الرئيس بازوم ، هي الحرس الرئاسي و الحرس الوطني مع رئاسة الأركان  ، وبذلك سيكون هناك أسماء  قوية  يمكن ان تكون علي رأس المجلس العسكري.

ومن بين الضباط اللذين لن يغيبوا -على الأرجح- عن عضوية المجلس العسكري، المرتقب إعلانه – كما صرح بذلك بعض المراقبين – قائد الحرس الرئاسي الجنرال القوي ” عمر تشياني ”  ،  الرجل الغامض كما يطلق عنه والذي برز أسمه  منذ  تحرك الحرس  الرئاسي  لمحاصرة  قصر الحكم ، وهو من ابرز القادة المقربين من الرئيس  بازوم ،  كذلك العقيد  ” إبراه  أمادو  بشارو “، والجنرال ” موسى صلاح بارمو ” – قائد القوات الخاصة ، وقائد الحرس الوطني ” أحمد سيديان “، كما ورد اسم الجنرال ” ساليفو مودي “، رئيس أركان الجيش السابق، الذي أزاحه الرئيس بازوم وعينه سفيرا مؤخرا.

ويرجح بعض المراقبون أن من سيترأس المجلس العسكري الجديد واحد من اثنين ، إما الجنرال” عمر تشيباني” قائد الحرس الرئاسي ، أو الجنرال ” ساليفو مودي ” رئيس الأركان السابق ، ويبدوا ان الأكثر حظا كما ذكر مراقبين هو تسمية رئيس الأركان السابق الجنرال  ” ساليفو مودي” ليكون علي راس المجلس العسكري الحاكم.

فمن هو الجنرال ساليفو مودي : ولد في أكتوبر 1962 ، اكمل دراسته التأسيسة في نيامي ثم ألتحق بالكلية العسكرية في ساحل العاج وتخرج منها عام 1983 ، أنظم إلي  الجيش النيجيري بعد ان اكمل تدريبه العسكري التخصصي في  الكاميرون  وفرنسا  ومدغشقر ، تدرج  في الرتب العسكرية  حتي وصل الي رتبة مقدم عام 1998 ، وعين بعدها قائد للحرس الجمهوري لمدة 10 سنوات ثم قائد للاركان للقوات البرية.

نال الكثير من الاوسمة الوطنية ، وفي عام 2011 اصبح  ملحقا  عسكريا لبلاده في المانيا ، في عام 2018 رقي الي رتبة  جنرال ، وفي عام 2020 عين  رئيس عام  للأركان ،  عام 2023 تمت اقالته من منصبه بعد زيارة له الي مالي ، وبعد   طلبه من الرئيس  بازوم  والحكومة  بضرورة  زيادة  التعاون  مع  روسيا من  اجل  محاربة  الإرهاب ، وتم ترشحه ليكون سفيرا  لبلاده في دولة الامارات لإبعادة من المشهد العسكري  والسياسي في النيجر،  ” فهل عاد الرجل للانتقام ” ؟؟.

تحليل الحدث  وتداعياته علي الامن القومي الليبي

توالت الكتابات التي تحاول أن تغطي الحدث ، وتفترض  وتناقش الأبعاد والتداعيات  المختلفة له ، وفي ذلك وجدنا أننا  في المركز  الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية سنقدم محاولة  لقراءة  الاحداث ونسجل التالي :

  • تجدر الإشارة إلي أن ، بعض التحليلات تمضي إلى تقدير خسارة  فرنسا  لحليف مهم  لها ، ولدولة  فرانكفونية  أخري  علي غرار  بوركينا فاسو ، ومالي ، وأفريقيا الوسطي  ، وذلك  في  تصور  أن الإنقلاب جاء  نتيجة  دعم  وتنسيق  روسي  خفي ، وهو  مايعني  صعود النفوذ الروسي المتنامي في غرب و وسط  أفريقيا  علي حساب  الديك الفرنسي الذي لم يشبع من مناجم اليورانيوم النيجرية  .
  • وهذا لا يعني ، عدم وجود  تحليل  و رأي  أخر  مخالف ،  ينفي أي احتمالية  لوجود دور  روسي  في الانقلاب،  وأن هذه  التحليلات فقط من وحي السياقات السابقة والخيال لا أكثر ، لأن فرنسا و قواعدها  العسكرية المنتشرة علي الأراضي النيجيرية ، إضافة الي الوجود العسكري الأمريكي بعدد من المنشأت  والقواعد العسكرية ، لن يسمحا  بوجود  ضل  لحماقات روسية  أخرى  في  المنطقة،  وخصوصاً  أن النيجر  تعتبر  مركز  لقوات الأفريكوم  في منطقة  الساحل والصحراء ، فلن  يكون  سهلا التفريط  فيها ، وأن خراج  دائرة  الانقلابيين لن يصب إلا في باريس بحكم  الإرتباط  والإنضباط السابق.
  • تهاوي مشروع محمد بازوم ” بوعزوم ” العربي  بالإستمرار  في حكم النيجر  لفترة  ثانية ، وصناعة  دور  و واقع جديد  للنيجر  على المستوى  الإقليمي والدولي في ظل تحالفاته  وتنسيقه مع  الحليف التاريخي فرنسا.
  • انكشاف الحدود  الليبية مع  النيجر على بعد أمني جديد ، يحمل  نذر انفجار  ملفات  أمنية  خطيرة، تتعلق بالارهاب  وملف الطوارق وملفات القبائل العربية ، وملفات التهريب والحرابة  والهجرة الغير قانونية  ، مما يهدد الأمن القومي الليبي خاصة  في الجنوب ، ويؤكد أن  الفوضى باتت  تحاصِر البلد  علي  طول الحدود الجنوبية  ، ولعل  مسارعة  الخارجية الليبية  لإصدار  بيان تدعو  فيه إلى ضرورة  عدم تجاوز  المسار  الديمقراطي في أي تغيير  ينشده  الشعب  النيجري،  لدليل على مستوى  القلق على مستقبل  العلاقات بين  البلدين  ، والآفاق  التي  كانت  ترنو  إليها  الدولة الليبية من علاقاتها مع النيجر بقيادة بوعزوم ،  ومنها سيتم تحديد مستقبل نقل البضائع  بين  مناطق السوق الحرة  بين  البلدين ، والاستثمارات الليبية  الواعدة لرجال الأعمال الليبين في النيجر.
  • وبطبيعة الحال ، فأن إحتمالية  تأثير  ماحصل في النيجر على الجنوب الليبي ، وتحديداً  على قبيلة ” أولاد اسليمان ” ، التي  ينتمي إليها  الرئيس  بوعزوم ، والأننظار  تتجه إلى معرفة  ردة الفعل لديهم، لأن  شواهد الإرتباط الوثيق  ليست محل شك ، كما أن إسهام الحدود الليبية في تغدية مناطق واسعة من شمال النيجر بالسلع  والمواد الغدائية  سوف  يجعلها  تعاني من التأثر الاقتصادي والاجتماعي الشديد ، خصوصاً إذا علمنا أن جزء معتبر  من رجال الأعمال  المسيطرين على نقل  وتجارة  التهريب  للنيجر ، هم من نفس قبيلة الرئيس  بوعزوم.
  • جديرا بالذكر ، فأن نجاح هذا  الإنقلاب  سيكون  الانقلاب  الخامس  في تاريخ البلاد  منذ الاستقلال، ولكن  بفارق  أنه  جاء بعد أول تجربة للأنتقال السلمي للسلطة ،  لذا فإن ماحدث يكرس  ما يتم تداوله  أن  الانتخابات لا تعدو  كونها  مضيعة  للوقت  و هدراً  للمال العام ، طالما  أن  نتائجها  ليست  ملزمة للعسكر ، ويؤكد  القول ، أن العسكر  بالفعل هم  أصحاب القوة والنفوذ السياسي ، وأن الشعب كعادته  مسلوب الإرادة  بوجود آلة الجيش.
  • توجس وحذر شديد للسلطات  التشادية من تداعيات ونتائج  هذا الانقلاب على تشاد  والمنطقة عامة، وتأثير  قضية الهوية  العابرة  للحدود في  دول  الساحل و الصحراء  ، سيكون  منطلقاً  وأرضية  للمزيد من  الفوضى  والقلاقل  التي  مانفكت عن ملازمة الدولة التشادية ، حيث عانت منها مراراً  وتكرارا ، وهذا سيكون  مخطرا اخر علي  الحدود الجنوبية  الليبية ، للإرتباط الاجتماعي بين البلدين.

ردود ومواقف مختلفة

  داخلياً .. بعد تأكيد الأنقلابيين سيطرتهم على الدولة، والاتجاه  لتشكيل حكومة مؤقتة  تحت سطوة مجلس عسكري ، أكد رئيس النيجر ” محمد بازوم “، المحتجز من طرف  الانقلابيين  في نيامي، أنه يرفض التنازل عن المكاسب الديمقراطية التي حققتها البلاد خلال الفترة  الأخيرة ، وقال بازوم  في رسالة عبر  منصة تويتر ، “ستُصان المكتسبات التي  حققت بعد كفاح  طويل ، و كل أبناء  النيجر المحبين  للديموقراطية  والحرية سيحرصون على ذلك” .

فيما  أعلن   وزير الخارجية  بحكومة بازوم ، السيد “هاشم مسعود”  في تغريدة  له على التويتر   ، نفسه رئيسا مؤقتا  للنيجر ، داعيا إلى تعبئة عامة  ضد الأنقلاب ، وناشد جميع  الوطنيين بضرورة  مواجهة  ما وصفها بالمغامرة  التي تحمل  مخاطر  جمة للبلاد.

فيما  خرجت  العديد من  الاحتجاجات  الرافضة  للانقلاب والداعمة  للرئيس المنتخب  ولكنها ُوجهت  بنيران  القوات الداعمة للانقلابيين ، وفي المقابل خروج متظاهرون مؤيدون للجيش والانقلاب ، اقتحام البعض منهم مقر الحزب الحاكم  وقاموا  بحرق  محتوياته.

خارجياً .. عبرت الأمم  المتحدة  ومنظمة “إيكواس” ، رفضها للانقلاب عن السلطة الشرعية المنتخبة ، كما أدانت دول  إفريقية ، إضافة الي دول  فرنسا  والولايات المتحدة  والاتحاد الاوروربي ، الانقلاب العسكري في النيجر، داعية إلى العودة إلى النظام الديمقراطي المنتخب في البلاد.

أخيرا .. لازالت الأحداث  والأخبار  تتوالي من  النيجر  ، في شد وجذب بين  طرفي  النزاع ، كما  أن  ردود  الأفعال لدول المنطقة الرافضه  للإنقلاب تتوالي ، ولكن نعتقد ان هذا الإنقلاب سيستمر في  طريقه  للسلطة، تكرارا  لنفس مشهد الانقلابات العسكرية التي تشتهر به المنطقة ، ولا يكون لردود الأفعال أي دور في منعه او الوقوف ضده ، مع الإنتظار والترقب ، للإعلان عن المجلس العسكري ورئيسه خلال الايام القادمة.

لتحميل الملف إضغط هنا

هذا المحتوى متوفر أيضًا باللغة: English Français Türkçe Italiano

زر الذهاب إلى الأعلى