أبعاد الموقفتقارير وتقديرات

أزمة المصرف المركزي.. هل تؤثر في علاقات ليبيا بمحيطها الخارجي والقوى الدولية؟

أبعــــــــاد الموقـــــــف
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

تسبب قرار إقالة محافظ المصرف المركزي الليبي، الصديق الكبير من قبل المجلس الرئاسي في أزمة ضربت أركان المؤسسة المالية السيادية وترتب عليها آثار اقتصادية ومالية ومعيشية لازال يتردد صداها.

تتلخص الأزمة في قرار المجلس الرئاسي مجتمعا بإقالة “الصديق الكبير” وتعيين محافظ جديد وإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي، وذلك بوضع قرار مجلس النواب رقم لسنة 2018 بشأن انتخاب “محمد الشكري” محافظا لمصرف ليبيا المركزي قيد التنفيذ، ليرد البرلمان أن القرار تم إلغائه، ليرد الرئاسي بأن التصويت على إلغاء القرار لم يتم خلال جلسة رسمية مكتملة النصاب.

ثم سارع الرئاسي الليبي في تشكيل لجنة استلام وتسلم بين الإدارتين معتبرا ” الصديق الكبير ” محافظا سابقا والشكري هو المحافظ الجديد، لكن مع اعتذار الأخير عن قبول المنصب إلا بتوافق مجلسي النواب والدولة كلف المجلس الرئاسي نائبه “عبد الفتاح غفار” بالقيام بمهام المحافظ، ثم الدخول إلى مقر المصرف المركزي بالقوة والسيطرة عليه بمساعدة قوات من وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة.

ثم قيام جهات أمنية باختطاف أعضاء في إدارة المصرف تابعين للصديق الكبير الذي دفعت الأخير للفرار خارج البلاد، مقدما شكوى للنائب العام ضد المجلس الجديد واصفا ما حدث بأنه انقلاب.

“استغلال الصديق الكبير للأزمة”

وبينما تتجه بوصلة كل الحلول إلى البحث عن بديل مقبول للصديق الكبير وتشكيل مجلس إدارة تضمن فيه الأطراف المتحكمة في المشهد نفوذها عليه يظهر ” الصديق الكبير ” بشكل شبه يومي ليدلي بتصريحات تحمل تهديدات لـ مناويه وللدولة نفسها ويسلك كل الأبواب ويستميت من أجل إعادته للمنصب.

وبعد فراره من العاصمة، والتي لم يعرف حتى الآن آلية خروجه أو من قام بتسهيلها، استغل الصديق الكبير الأزمة وبدأ يصرح يوميا للصحافة الأجنبية ويقدم صورة مغايرة للواقع بأن هناك انقلاب ضده وأنه شخصيا المستهدف وأن مقر المصرف تم الاستيلاء عليه بالقوى والميليشيات العسكرية، وبعدما تأكد أنه لا أحد يسمع لصراخه لجأ إلى حيل أخرى بعضها يرقى لجريمة في حق الدولة يجب محاكمته عليها ومنها قراره إيقاف اللجنة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ما يصدر صورة للبنوك الدولية أنها ستتعرض للنهب والسرقة حال تواصلت مع الإدارة الجديدة للمصرف، ويغلف الصديق خطواته هذه بشعار “الوطنية” والحفاظ على مقدرات الدولة لكن الهدف الوحيد والواضح له هو تمسكه بالمنصب والضغط على الجميع من أجل إعادته لمنصبه وإن كلف هذا الدولة خزينتها كاملة.

نجح الصديق الكبير في الاستحواذ على المصرف المركزي لأكثر من 13 عاما حتى أصبحت المؤسسة كأنه مسكنه الخاص الذي يملك مفاتيحه وأسراره، والتي بدأ منها الضغط على الجميع والتعامل مع الكل باستعلاء وكأنه رئيس الدولة فالكل يأتيه لمكتبه ولا يذهب لأحد، كذلك عقده اللقاءات مع سفراء ووزراء ورؤساء دول دون تفاصيل عن نتائج ومحاور هذه الاجتماعات ودون تقديم تقرير واحد كونه لا رقيب عليه ولا أحد يجرؤ على محاسبته.

والملاحظ في تصريحات الكبير تفاؤله الكبير بأنه سيكون جزءا من الحل وأنه سيعود إلى عمله حال وقعت الأطراف الليبية اتفاقا لإنهاء أزمة المصرف واستئناف إنتاج النفط، مؤكدا في تصريحات لوكالة بلوم بيرغ، أنه واثق بأنه سيكون جزءا من الحلّ، مشيرا إلى أنّه مستعدّ للعودة إلى العاصمة طرابلس، إذا ما تم توقيع اتفاق بين المجتمعين.

الأزمة ليست في شخص ” الصديق الكبير ” سواء بإقالته أو الإبقاء عليه، لكن الأزمة تتلخص في تأثير الأمر على علاقات ليبيا الخارجية سواء الاقتصادية أو السياسية أو حتى الدبلوماسية.

وفي محاولة لفهم الأمر وتأثيراته على صورة ليبيا واقتصادها في الخارج، وجه المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية عدة تساؤلات لوكيل وزارة المالية السابق وعضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سابقا، مراجع غيث، والذي أكد في تصريحات خاصة للمركز أن ” المشكلة الأساسية في المصرف المركزي ليست في إقالة الصديق الكبير أو الإبقاء عليه لكن جذور المشكلة تكمن في الإنفاق وتنفيذ الموازنة، لذا على المصرف المركزي الابتعاد وعدم التدخل في تنفيذ الميزانية فهذا من سلطة الحكومة، وعليه فقط تنفيذ سياسة نقدية تخدم أهداف السياسات دون النظر إلى ما تريد السلطات، كما أنه على البعثة الأممية والمتصارعين أن يتفقوا أولا على كيفية تنفيذ الميزانية وما هي حصة كل حكومة بعيدا عن الشرعية المفقودة من الجميع والنظر إلى الأمر الواقع”.

وبخصوص الحديث عن إعلان بعض البنوك الدولية إيقاف تعاملاتها مع المصرف المركزي الليبي فالأمر يتعلق بتخوفات هذه البنوك من المعاملات المشبوهة في ظل وجود إدارة مختلف عليها وغير مهنية وضعيفة، وللمعلومة لا توجد بنوك دولية كثيرة تتعامل مع البنوك الليبية منذ مدة لتخوفها من الأمور التي ذكرتها وأغلب عمليات الاستيراد تتم عن طريق المساهمات الليبية وخاصة مساهمات المصرف الليبي الخارجي والمؤسسة المصرفية العربية المعروفة ABC والتي يترأس الصديق الكبير مجلس إدارتها”، وفق تصريحاته التي خص بها المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية.

يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية الأطراف المختصة بهذه الأزمة والشريكة فيها وفي حلها وهم: مجلس النواب، المجلس الرئاسي، المجلس الأعلى للدولة بضرورة الإسراع في وضع حل حاسم ووطني لأزمة محافظ المصرف المركزي بعيدا عن الجهوية والمصالح الشخصية والتمترس خلف شخص ما لمجرد فتحه لخزانة الدولة لدعم جهة بعينها، وضرورة وضع تصور لحل دائم لأزمة محافظ المصرف المركزي بأن تحدد مدة رئاسته مثلا أو يتم التوافق على تغييره كل فترة زمنية محددة حتى لا يظن أحد أنه ورث مبنى المؤسسة المالية وخزانتها.

كما يوصي المركز الليبي البعثة الأممية للدعم في ليبيا بضرورة الضغط على الأطراف سالفة الذكر للوصول إلى حل دائم للأزمة وألا تكون الحلول ترقيعيه ومرحلية، وضرورة توقيع رؤساء هذه المجالس على الصيغة النهائية للمشاورات الجارية بعد حسمها لأزمة المصرف المركزي واستغلال البعثة لحالة الزخم الدولي الداعم لها لمزيد من الضغط على المجالس الثلاث من أجل حسم الأزمات المتسببين فيها والانتقال سريعا إلى تسوية سياسية واستقرار تنتج عنها عملية انتخابية تجدد شرعية هذه المجالس المهترئة والمتجاوزة جميعا لمددها القانونية.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

زر الذهاب إلى الأعلى