أوراق تحليليةتقارير وتقديرات

تطورات المشهد على الحدود الليبية التشادية

تؤطية

تشكل دولة تشاد مسرحاً  لكثير من الأحداث في نطاق دول جنوب الصحراء ، بما يشكله وضعها المضطرب سياسيا وموقعها الجغرافي الواقع بين دول غير مستقرة ، وتغلب عليها الهشاشة الأمنية  ، والتي تسمح بإستغلالها  في إحداث  اضطرابات في مناطق الشمال وماحولها.

ولطالما  كانت  الحدود الجنوبية بين  تشاد وليبيا  مصدر قلق للدولتين ، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع في كليهما، ويشعر كل  طرف أن حدود  دولته  تستغل في التوظيف في زعزعة  الأستقرار من الدولة الأخرى.    والجديد  ماتحدثت به الصحف الأمريكية في  بداية  منتصف العام الجاري ، عن  أن السلطات  الأمريكية  أبلغت  الرئاسة  التشادية أن لديها  معلومات عن  تحركات للفاغنر في الجنوب  الليبي ، تستهدف زعزعة  الاستقرار في تشاد.

حيث  ذكرت  صحيفة ” وول ستريت جورنال ”  في يناير الماضي ، إن  الولايات المتحدة  توصلت إلى معلومات تفيد بأن  مجموعة ” فاغنر ” العسكرية  الروسية  تتعاون مع  مجموعات  تشادية   مسلحة  علي الأراضي  الليبية  لتنفيذ  خطة  للتخلص من رئيس تشاد الانتقالي ” محمد إدريس ديبي ” والاستيلاء  على السلطة.

ونقلت الصحيفة عن  مسؤولين  أميركيين  وأفارقة  وأوروبيين ، أن  واشنطن  أطلعت السلطات في تشاد على تقارير  استخبارية  تفيد بأن  ” الفاغنر ”  تتعاون مع  مسلحين تشاديين لزعزعة السلطة الانتقالية في البلاد ، وربما لقتل الرئيس التشادي.

تأتي  هذه  الأنباء  وسط قلق  يشعر به المسؤولون في تشاد ،  نتيجة محاولات  زعزعة  الاستقرار في الدولة ، وفي  تصريحات نسبت للرئيس التشادي رئيس الفترة  الأنتقالية ” محمد إدريس ديبي ” ، في إشارة  واضحة إلى ماتم  ذكره ، جدد دعوته  لإنتهاج  سياسة  تشمل  كلّ  الأطراف الليبية  لتحقيق سلام  نهائي في ليبيا ، منوهاً إلى أن تشاد  دفعت ثمنًا  باهظًا  بسبب عدم استقرار ليبيا ، وأنه ” شخصياً خسر والده بسبب عدم استقرار الأوضاع في ليبيا “.

ومن المعلوم أن السلطات التشادية  زادت  مؤخراً  من  تكثيف  تحركاتها  الأمنية  والعسكرية  في جميع  مناطق تشاد ، خصوصاً بعد اعلان السلطات التشادية عن إحباطها لمحاولة انقلاب فاشلة  كانت في بداية العام  الجاري ، حيث أعلنت  حكومة  تشاد في  بيان صادر  عنها  في يناير 2023 ، أنها  أحبطت خطة لـ “زعزعة استقرار  البلاد  وتقويض النظام  الدستوري” _ بحسب قولها _ ، وانه  يقف خلفها  مجموعة  مكونة من 11 ضابطا  في الجيش  ممن  وصفتهم بـ”المتآمرين ” ، مما  جعل تشاد  تعيش في حالة من التأهب والأستعداد لأي طارئ  منذ ذلك الوقت.

مالذي يحدث علي الحدود التشادية

بعد أكثر من سنتين من الهدوء النسبي الذي ساد الحدود الليبية التشادية ، يعلن رئيس الفترة الانتقالية لدولة تشاد الفريق “محمد إدريس دبي ”  في حديث متلفز عن قيامه رفقة  عدد من كبار الضباط  في الجيش  بقيادة  قوات كبيرة  متجهة  نحو  الشمال في اتجاه المناطق الحدودية مع ليبيا ، تشمل منطقة كوري 35 ، بهدف تمشيط المنطقة ، وتفقد  كافة  الوحدات العسكرية والمناجم.

في تطور جديد  لأزمة الحكومة مع  فصائل المعارضة  التشادية، حيث شهدت اشتعال وتدهور الأوضاع  في المنطقة  الحدودية الليبية _ التشادية ، بعد أن أعلنت ” فاكت _جبهة  الوفاق  من أجل التغيير ” المعارضة ، يوم الجمعة 18 أغسطس 2023 ، أن ثلاثة من عناصرها  قتلوا ، وأن اربعة آخرين أصيبوا بجروح متفاوتة ، إثر قصف جوي لقاعدتها  الخلفية  ،  شنه الجيش التشادي على أحد  معاقلها  داخل  الأراضي  الليبية ، مما  اضطرها _ بحسب  البيان الصادر عنها _ إلى  إلغاء وقف إطلاق النار  المعلن  عنه من  طرفها  منذ شهر أبريل   2021  ، مبررة  أن السبب  هو  تعرضها  لهجوم  من الجيش ، وطالبت الحركة أنصارها  بالعودة  إلى حمل السلاح  ضد الجيش  التشادي ، وأكدت  أن رد  فعلها  سيكون سريعاً  وغير  مقيد _ بحسب ما جاء في بيانها .

تأتي  الدعوة  إلى حمل  السلاح  ضد  الجيش التشادي ، في الوقت  الذي تهدد  فيه  الفوضى دول الساحل وغرب  إفريقيا ، وتزايد  المخاوف من  شن عمل عسكري إقليمي قادم ضد الدولة المجاورة النيجر ، وينذر الإعلان الذي أصدرته الجبهة ،  بإحتمال  عودة  الأعمال القتالية  الشاملة  بين الحكومة  التي يقودها  الجيش  وفصائل المعارضة التشادية  بقيادة جبهة التغيير  والوفاق  ” فاكت ” ، والتي قاد هجومها  في 2021 إلى  المساهمة  في  صناعة  الحادثة  التي أودت  بحياة  الرئيس ” إدريس ديبي ” بالقرب  من ساحة  المعركة ،  ليتولى ابنه ” محمد إدريس ديبي – كاكا ” السلطة.

والملاحظ هنا ، إن إلتقاط جبهة ” فاكت ” حالة  الهجوم الأخير من الجيش على قواتها بسرعة  إعلانها عن تخليها عن  الإلتزام  بوقف  إطلاق  النار ، الأمر الذي  عده  الكثيرين من المراقبين ،  بإنه عبارة  عن تسويق  متقدم  من الجبهة  ، لمحاولة  الحصول على  دعم  روسي في ظل  تراجع  وتقهقر  المشروع  الفرنسي في المنطقة.

  • عودة حركة CCMSR إلى الواجهة من المستفيد؟

جديرا  بالذكر ، فأن  سياق  هجوم  القوات المسلحة التشادية يأتي بعد تعرض أفرادها  المتوجودين في المناطق الحدودية   الشمالية  مع  ليبيا إلى  هجوم   نفذته  حركة ” CCMSR _ مجلس  القيادة  العسكرية  من  أجل  الجمهورية ” ، ضد  الجيش  التشادي  في  10 أغسطس  الماضي  في  المنطقة  الغنية بمناجم الذهب “كوري بوغودي ”  في منطقة  الشمال التشادي.

تعتبر   الحركة  إحدى فصائل   المعارضة  التي لم   توقع  في حوار  الدوحة ، وكان  لها  تحفظ  على  المخرجات النهائية  للقاء  ،  و التي لم ترتقي إلى مستوى مطالبها _ بحسب وصفها ، وتصنف الحركة  بأنها من  أقوى  وأشرس فصائل  المعارضة  التشادية  المتواجدة  علي الأراضي الليبية ، من  ناحية  العدد والعتاد ، إلا  أنه الفترة  الأخيرة  وبعد انقضاء  الحرب على طرابلس تقلصت مصادر تمويلها ، و التي كانت تتحصل عليها  بمشاركتها في العملية  الحربية  مع طرفي الصراع الليبي ،  ضلت الحركة  تبحث عن  مصادر  تمويل أخري ، مما  اضطر  قادة  الحركة  لبيع  بعض  العربات  والمعدات  العسكرية   لتأمين  مصدر  دخل  يضمن لها  تماسكها  واستمرارها.

بناء عليه .. يوجد مجموعة من التهكنات  تبرر هذه الخطوة الأخيرة من الحركة ، فيحاول  البعض  ربط  الاحتياج  والظروف  التي عانتها  الحركة  ، بحادثة  الهجوم  على القوات التشادية  التي كانت  تؤمن مناجم  الذهب ،  بينما  يذهب آخرون  إلى محاولة   الحركة  جذب  الاهتمام  الدولي  من  جديد  بقدرتها  على المناورة  والحركة  وأنها  نداً  قويا  وحقيقياً   لحركة  ” فاكت”  في مستوى  التأثير  والفعالية ، ولا يستبعد  آخرون  دور  وظيفي  للحركة   طلب  منها  القيام  به  ،  لصالح  تحريك  ملف الجيش  التشادي  ، والذي  يعتبر  في الوقت الراهن  هو  القوة  الرئيسية  في  مجموعة ” إكواس ” ،  والتي  تعد  العدة  لمواجهة  إنقلاب النيجر.

  • هل الطيران الحربي الفرنسي : دخل على الخط النار؟

في سياق  الحدث  الذي يعبر عن تدهور الأوضاع على الحدود الليبية_ التشادية ،  أفادت مصادر في الرئاسة التشادية  لقناة  الجزيرة  بأن  الجيش  قصف مواقع  المعارضة  المسلحة التشادية داخل الأراضي الليبية ،  وتمكن من تدمير مخازن عتاد وأسلحة  تابعة لها ، وذلك بموافقة الحكومة الليبية.

فيما  تتحدث مصادر خاصة  بالمركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية عن أن الطيران  الذي قام  بالقصف  هو طيران  مسير  يخضع  للجيش التشادي.

كذلك  تتحدث  مصادر أخرى ،  أن هناك دوراً  ما  لطيران  جوي  عسكري  يحلق  في أجواء  المناطق  الحدودية  يشتبه أنه ” طيران فرنسي ” ، وتذكر  بعض  المصادر أن  الشروع في تجهيز   قاعدة “الويغ ”  الجوية ،  كان من قبل القوات الفرنسية ،  كبديل لفقد تواجدها  وحضورها  في النيجر .

وفي  نفس  السياق ، تداولت  بعض  الوسائل الإعلامية، نقلا عن موقع ” أفريك ميديا تي في” ، أخباراً تفيد بـ “عزم الحكومة الفرنسية نشر قوات عسكرية في قاعدة الويغ _ الجوية الليبية _ بالجنوب الليبي ،  بغرض دعم التدخل  العسكري الذي  تحضر  له  مجموعة  ” إيكواس ”  في جمهورية النيجر” ، ولم  يخرج ما ذكرته  الوكالة  عما تذكره مصادر أخرى بنفس السياق ، بالرغم من أنه لم يتم تأكيد التواجد الفرنسي  بشكل  رسمي لحد الساعة.

والجدير بالذكر ،  أنه مع  منتصف عام 2022  برز  تزايد  كبير  لنشاط  فرنسي  للحضور  مجدداً  في الملف الليبي،  الذي  باتت  القوى الدولية  أكثر  فاعلية  وتنافسية عليه  ، حيث  نقل موقع ” ليبيا برس” عن مصدر عسكري لم يسمه ، قوله “أن مجموعة من العسكريين  الفرنسيس  وصلوا إلى قاعدة “الويغ” العسكرية بالجنوب الليبي ، بهدف معاينتها، وإعادة  تأهيلها، وإدخالها  للخدمة مجدداً “.

و بالرغم من أن قوات المشير ” حفتر ” لم  تؤكد  وصول  الخبراء  العسكريين الفرنسيين ، إلا أن  هذه  الأخبار جاءت مباشرة  بعد  لقاء  جمع حفتر  بالمبعوث الفرنسي في ليبيا   ، مما  ترك  تساؤلات  حول علاقة هذه الزيارة  بالتواجد  العسكري الفرنسي المزمع في الجنوب الليبي ، والآن  و مع  تطور الأوضاع  صار  الحديث عن أن القوات  الفرنسية  بدأت  فعلياً  في الهبوط في إحدى القواعد في الجنوب الليبي ،  وشرعت في تجهيزه كمركز  قيادة  قريبا من المثلث الحدودي الليبي التشادي مع النيجر.

ولحظة  كتابة  هذا التقرير ،  السفارة  الفرنسية  في ليبيا في بيان  لها على التويتر  ،  تنفي المعلومات الزائفة  _ بحسب قولها _ التي تداولتها  بعض  وسائل الإعلام  وشبكات التواصل الاجتماعي  بشأن  تورط  فرنسا  في  عمليات  عسكرية في ليبيا، ولا يستغرب النفى  الفرنسي لمشاركتها في العمليات التي تجري أقصى الجنوب الليبي  لحساسية اي  إبراز   لتدخل  دولي  في الشأن  الليبي.

والملاحظ هنا  ،  أن  هذا النفي لم  يتطرق  إلى  حقيقة  التواجد الفرنسي في الجنوب الليبي ،  والتجهيز   لإستغلال  قاعدة ” الويغ ” ،  بحسب ما تذكر  بعض المصادر، مما  يعد  إشارة  إلى  أن التواجد  يمكن  أن يكون  مؤكداً.

وحول الدور الفرنسي في  ليبيا  يمكن  الرجوع  إلى التقرير  الذي  أعده  ” المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكري ” في وقت سابق  من هذا  العام  بعنوان ” فرنسا في ميزان الربح والخسارة لمصالحها في ليبيا “، على الرابط https://lcsms.info/?p=14472  ، والذي تناول فيه واستعرض حسابات فرنسا لمتطلبات إعادة تواجدها  في الجنوب الليبي.

  • تحذير روسي يأتي من وفد عسكري رفيع

تطور  المشهد على  الحدود  الليبية _ التشادية _ النيجرية  ،  زادت  من  وتيرة  التنافس  والتدافع  الدولي  تجاه المنطقة ، فيما  كان  التراجع   الفرنسي الصاعق  محل  اهتمام  شديد لدى  دوائر  صنع  القرار  الفرنسية  والدولية  ، ومراكز  الأبحاث  والدراسات الاستراتيجية العالمية ، كان الدب الروسي  يعيد هندسة  وتوظيب وترتيب  القيم  والمتغيرات  التي بذل جهداً خارقاً  في صنعها ، فلم  يكن حضر  استعمال  الأجواء  الجزائرية  في أي  مجهود  لوجيستي  يمكن أن  تقوم  به  فرنسا  ضد  الانقلابيين  في النيجر بعيداً عن هذه الهندسة .

وتعززت  هذا  التنسيق  بزيارة  وفد روسي  شمل  مسؤولين  عسكريين  روس ، بينهم   نائب  وزير الدفاع  الروسي “يونس بك يفكيروف ” إلى  مدينة  بنغازي  يوم الثلاثاء 23 أغسطس الجاري ،  فرضية  استشعار  روسيا  لخطورة  توظيف  الجنوب الليبي في  معادلات  دول الجوار  بالطريقة  التي  لا تخدم  نفوذها  وتوسعها ، وما  تسرب من  تقارير تتحدث عن  محاولات  لتعزيز   فرنسا  لإعادة   انتشارها  في  مناطق الجنوب الليبي ، وسعيها  لتوظيف قاعدة ” الويغ الاستراتيجية ”  في أقصى الجنوب ، لإعادة  ترتيب  إنتاج حضورها  الإفريقي الذي بدأ  يخفت السنوات الأخيرة .

ورغم  أن  الزيارة _ كما  إعلان  عنها _ جاءت  تلبية  لدعوة   المشير ” حفتر ”  شخصيا ً، بهدف  بحث  التعاون  في  مجالي التدريب  وصيانة  الاسلحة  للقوات التابعة  له ، فمن البديهي أن  توضع  الزيارة إعلاميا  في إطار مجال التعاون  الدولي  والعلاقات الرسمية,

و لكن  حديث  الإعلام  الروسي  عن أن الزيارة  ،  تناول  تدارس  تطورات  المشهد في الجنوب  الليبي  ودول الجوار ،  يعطي  دلالة  عما  رشح  من بعض المصادر المقربة ، أن مضمون  الزيارة  يتعلق  بتحذير القيادة العامة  و التي تقدم الجنوب الليبي على أنه  ضمن  مناطق  نفوذها  وسيطرتها  ، من أن  يسمح  للجيش الفرنسي  بإستغلال  المنطقة  والقواعد  الجوية  فيها ، بما  يضر  بمصالح  روسيا ، و بعلاقاتها  البينية التي يحرص المشير “حفتر ” على عدم  انقطاعها مع الروس .

وجديرا  الذكر ، فإن  بعض المصادر _ وكالة ” رويترز ” للاخبار _ ، ذكرت ” أن الوفد قد عقد اجتماعاً مغلقاً مع المشير “حفتر ” تم مناقشة عدة ملفات  تتصل  بالهواجس الروسية  بشأن حدود ليبيا  الجنوبية ، وأن متغير مقتل  القائد الفعلي  لقوات الفاغنر ” بريغوجين ”  لن يؤثر  على بقاء  القوات في ليبيا  ، وأنه  سيتم تعيين شخصية أ خرى  لتقود القوات المتواجدة  في ليبيا ‎،  لأن  الشأن  الليبي  وخصوصاً  المنطقة الجنوبية  بدأ واضحاً  في دائرة  استراتيجيات الأمن  القومي الروسي.

  • مواقف ليبية وتطورات ميدانية

أن  وضع   الجنوب الليبي _ بشقيه الغربي والشرقي _ لا يختلف  عنه  اثنان  بأنه  اصبح  ملفا   صعباً  وغير  طبيعي، حيث  أن القوات  التشادية  تقترب من الحدود الجنوبية بحجة مطاردة المعارضة التشادية ، فيما تعيد  قوات المشير ” حفتر ” تنظيم  صفوفها  وتعمل على  دعم  قواتها  بالجنوب تحت _ دعاية إعلامية ضخمة _ وهي الدفاع عن الجنوب  والاستعداد  لكل  الاحتمالات _ كما أعلنت وسائل الاعلام التابعة لها.

كذلك و في  ظل  تطور  الأحداث  كان ” موسى الكوني ” نائب  رئيس المجلس الرئاسي ، حريصاً على القيام  بزيارة رسمية إلى إنجامينا ، في بداية أغسطس الجاري ،  للمشاركة في الاحتفال بالذكرى ( 63 ) لاستقلال جمهورية تشاد، وتبادل الطرفان فيها استعراض تطورات المنطقة والمواقف الدولية حيالها ، وتضمنت التباحث حول الملفات المشتركة  المتحركة  ومن  ضمنها ملف  تأمين  الحدود  بين  البلدين ، حيث بحث الوفد  الأمني  الذي رافق الكوني  مختلف  المواضيع  التي تهم هذا الملف.

و كذلك ، يمكن  الربط  بين  ما قام  به  الرئيس ” محمد دبي ”  بقيادة   قواته  تجاه  الحدود  الليبية ، وعدم  بروز  موقف  ليبي  واضح  تجاه  هذا التحرك و ما يحدث في الجنوب ،  بأنه يعكس استئناساً  وتفهماً  من  قبل المسؤوليين  الليبيين  لما  يمكن أن يقوم  به ” محمد دبي ” من  أجل  التضييق على المعارضة التشادية.

و الجدير  بالذكر ، وبحسب  وكالة ” نوفا ” الإيطالية ، أن  جبهة  التغيير  والوفاق   المعارضة  التشادية  المعروفة  اختصاراً بـ” فاكت ” ، اتهمت حكومة  الوحدة الوطنية  بالسماح للجيش التشادي  بقصف مواقع  لها داخل الأراضي الليبية ، حيث قال  ” محمد جاكو ” أحد  قادة  الجبهة ، ” إن  المجلس العسكري الحاكم في تشاد حصل على الضوء الأخضر من حكومة الوحدة الوطنية الليبية لاستهداف مواقع المعارضة التشادية  الواقعة في جنوب ليبيا “، مضيفاً أن ” هذه الخطوة  تمثل تهديداً خطيراً  للسلام في المنطقة  ككل ،  و لن تمر دون رد فعل حاسم من الجبهة “_ بحسب ما نقل الوكالة الايطالية.

تجدرالإشارة هنا ، إلي أن  ما ورد  على لسان الرئيس التشادي ” محمد ادريس دبي” ، فإنه يمهل قوات المعارضة  وخصوصاً حركة ( CCMSR ) ، وجبهة ( FACT )  سبعة أيام فقط   من  أجل تسليم أسلحتهم وتخليهم عن مبدأ القتال ، أو سيتم  محاربتهم  ومطاردتهم  داخل الأراضي الليبية !!! .

وفي المقابل  لا يزال الغموض مستمراً حول تمركزت قوات الفاغنر في المنطقة الجنوبية ، رغم أن بعض المصادر  تذكر أن الفاغنر  تتحرك على  طول الحدود الليبية والتشادية.

في المقابل  فأن التطورات الميدانية الأخيرة ، المتعلقة  بالقيادة  العامة  لقوات المشير ” حفتر ” ،  تقول إنها  أطلقت عملية  أمنية لإخلاء أكثر من 2000 وحدة سكنية _ العمارات الصينية _ بمنطقة ( أم الأرانب ) التي كان يسكنها عدد  كبير من عناصر  المعارضة  التشادية  وعائلاتهم ،  وقد تم ترحيلهم إلى جهة لم تسميها ،  وسط رفض واستهجان  شديد من قبل  ممثلين عن  مكون التبو في المنطقة ، و سيتم  العمل على التأمين  الدائم ، حتى  تعود الشركات العاملة  على هذا  المشروع  لتُسلم هذه الوحدات  للأسر الليبية المالكة  بحسب قانون الدولة  الليبية _كما صرح  قادة العملية.

وبالفعل  وصل آمر غرفة عمليات القوات  البرية  بالقيادة  العامة ” صدام حفتر ” رفقة  آمر  قوة  عمليات الجنوب “المبروك سحبان ” إلى الحدود الليبية التشادية ، للإشراف على العمليات العسكرية الموسعة التي ستطلقها وحدات القوات التابعة للمشير حفتر ، لتطهير المنطقة من العصابات المسلحة وضبط الأمن  ، وتأمين الحدود ، ومكافحة الهجرة ، وفق ما ذكره  الناطق بإسم القيادة  العامة  أحمد المسماري في تصريح له.

وفيما  تؤكد  المصادر  الميدانية ،  على أن قوة  عتادها   مايقارب من ( 400 ) آلية  عسكرية  من لواء _ 128 ، قد وصلت  فعلياً  إلى منطقة أم الأرانب في اليومين الماضيين ، حيث يغلب عليها _ عدم الإنضباط  والإلتزام بقواعد الاشتباك _ حيث باشرت بحملات  إخلاء  وتمشيط ، لا تخلو من عمليات سطو  ونهب للممتلكات  _ بحسب مصادر  من التبو_  في المنطقة و التي تقع  فبما  يعرف بالشركة   الصينية ، يستندوا  في  ذلك على وردود تعليمات من جهات قيادية،  بضرورة  القيام  بحملات  تفتيش  وتدقيق  على الأسلحة  والعربات المسلحة ، وتقوم بمصادرة ما يأتي في طريقها ، على أنها غنائم للجيش.

فيما يعبر آخرون على أن ، ما تقوم به  القوات القادمة  من  الشرق هو حدث غير مسبوق  منذ  ثورة  فبراير لتصحيح  الأوضاع  في المنطقة  الجنوبية  والمناطق  الحدودية _ كما تعبر قياداتها في إعلامها الموجهه_  ، وأن هذا  يخدم  استقرار المنطقة  بشكل كبير ، و الحديث المتداول  الآن ، بأن هذه القوة التي علي رأسها ” صدام حفتر ” ستتوجه بكل آلياتها  إلي الحدود الليبية _ التشادية.

فيما  تتحدث المصادر في المنطقة الغربية عن تحركات لقوات الكتيبة _ 603 ، التابعة للمنطقة العسكرية الوسطي  بقيادة ” محمد الحصان ”  ، للمشاركة  في  العمليات العسكرية  القتالية علي الحدود  الجنوبية  الليبية، وتربط  المصادر  بينه وبين العقيد ” مراجع المقرحي ” قائد  اللواء  طارق  بن زياد  في   المنطقة الجنوبية، لقيادة الغرفة العسكرية  المشتركة  في المنطقة.

وقد  خرج   المسماري  المتحدث  بإسم  القياد العامة ، ليعلن  عن توجيه  ضربات جوية  للمجموعات المسلحة  الأجنبية  على الحدود الليبية _ التشادية ، مع  قيامها  بإستطلاع  جوي  دائم  عبر مظلة جوية  فوق  مناطق العمليات العسكرية.

وفي هذا  الأطار ، فأن  البعثة  الأممية عن  طريق  المبعوث  الاممي ” عبدالله باتيلي ” ، تعلن  قلقها  من تطورات الأوضاع  في الجنوب ، وقد  بدأ يشعر  بالقلق  نتيجة  ما تشهده المنطقة من أحداث  ، واحتمالية  تأثير ذلك  على المشهد السياسي في ليبيا .

وحديثه  عن  بعض  الجماعات المسلحة من تشاد و التي اتخذت من  بعض  المناطق الحدودية  بين  ليبيا  والسودان   بيئة عمل  لتزيد من أعمالها  وأنشطتها ، وأن  الجيش التشادي  منذ  أيام أصبح  يلاحق  تلك الجماعات  ، ثم حديثه عن الفاغنر  ، والذي أكد في بيانه على تواجد الفاغنر على الأراضي الليبية  ،  إلا أنه لا يملك  بيانات  موثوقة حول عددهم أو عتادهم  وما إلى ذلك .

كل ذلك هو استشعاراً  منه  لحقيقة إختلاط  الأوراق  وما  يمكن أن  ينتج عن  هذا  التنافس الدولي  “الروسي _ الفرنسي _ الأمريكي” ، للهيمنة  علي المنطقة ، ثم تطرق  إلى أن  هناك  آثار غير  مباشرة على ليبيا ، بسبب الأوضاع  في  السودان كذلك ، ويقول أن المنطقة  الحدودية بين البلدين كانت مفتوحة على عدد من الجماعات  المسلحة  والمرتزقة  والجماعات الإجرامية.

الخلاصة…

  • حقيقة أن البيئة الجنوبية توفر للمعارضة التشادية مجالاً خصباً لتنظيم صفوفها  وتهيئة  نفسها للقيام بأدوار عدائية داخل الأراضي الليبية من جهة ، وتجاه دولة تشاد التي دأبت على  السعى لإحداث تغيير في السلطة فيها من جهة أخري.

وأن وجود المشير “حفتر” وسيطرته على الجنوب لم يمنع تلك المعارضة من الاستمرار في نشاطها العدائي، بل أن هناك علاقات لحفتر مع المعارضة  التشادية ، وقد استخدمها في جل عملياته العسكرية  منذ بداية عمليته التي سماها _ الكرامة _  ومنذ الإعلان علي إنقلاب ابريل 2014.

يمكن كذلك القول ،  أن هناك  علاقات متميزة بين الطرفين ، من حيث الاستخدام  والتمويل  والمنح ، وهو ما لا يدركه  الكثيرين ، حيث يتم تسويق المعارضة التشادية على أنها  شأن يخص القوى والتشكيلات المسلحة في المنطقة  الغربية والجنوبية  فقط ، وإذا تم حصول إشتباك أو خلاف بين قوات حفتر في المنطقة الجنوبية وفصائل المعارضة التشادية ، فإن ذلك و بحسب مراقبين غالباً ما يكون بسبب التنافس للهيمنة على أسواق وممرات تهريب الوقود والمخدرات ، او مناطق مناجم الذهب ، و يكون أي تغير محتمل في العلاقة بينهما ، نتيجة ترتيبات جديدة يفرضها التنافس الاستراتيجي  بين الدول الكبرى في المنطقة.

  • مستوى الحضور الروسي في ليبيا أصبح اليوم حقيقة وواقع ، مما جعل الحكومة الروسية تهتم بمتابعة شؤون  ليبيا  الحدودية  مع دول الجوار ، وهو ما لم يكن كذلك قبل سنوات قليلة ، وبذلك تنتقل  روسيا  إلى مرحلة  الفعل  والتأثير  المباشر ، بعد أن كان التواجد في عمق الجنوب الليبي حلماً استراتيجي.
  • الجنوب الليبي وحدوده  مع  دول  الجوار ، بات  ميدان  تصارع   وتنافس  دولي ، لذلك  فإن  لعبة التوازن الإستراتيجي التي قد تقتضيها المصلحة الوطنية والامن القومي في التعاطي مع الفواعل الدولية  بخصوص  الملف الليبي  ،  يقتضي عدم  اتخاذ مواقف حادة ومتطرفة حيالها ، وتحتاج  إلى ميزان دقيق  لكل خطوة  ممكن أن  يقدم عليها  المسؤولين  وصناع  القرار في الدولة الليبية ، و محاولة استثمار  التنافس الدولي  لمزيد من المكاسب الوطنية ، خصوصاً في الوضع  الإنتقالي الذي تمر به الدولة الليبية.
  • مراقبة ومتابعة ردود أفعال القوى والتشكيلات المسلحة الليبية  المختلفة ، والتي  تنطلق من خلفيات اجتماعية وعرقية  وجهوية  حيال  ما يجري  في دولة   تشاد او  دول الجوار الحدودي ، أمر مهم  وحيوي  يقع  مسؤوليته علي أجهزة  الدولة  الرسمية ، خاصة  ” المؤسسات الاستخبارتية  ومسؤولي الامن القومي ” في ليبيا ، للعمل علي منع   توظيف بعض الدول  لهذه  القوي  والتشكيلات والعمل من خلالها   لزيادة  نفوذها  وتوسيع  مصالحها  على حساب  الدولة  الليبية ،  وضرورة  وضع  حد لتواصل أي _ أجسام غير رسمية _ مع المجتمع الدولي  ، لأنها  لا تعبر  عن سياسة  الدولة  الخارجية.
  • الأنباء التي  تفيد  بأنه  من  المحتمل  جداً أن  رئيس  تشاد ” محمد كاكا ” وقواته   المدعومة  بطائرات  مسيرة  فرنسية ، سيعقد  لقاء مع ” صدام حفتر ”  في  المنطقة  الحدود  المشتركة  المعروفة ” بكوري بوغدي ” ، ليعبر ذلك عن مستوى  التضييق  المستهدف هذه  المرة  للمعارضة  التشادية ، و يبدوا  أن  هناك   ترتيبات وحسابات دولية  يتم  ترجمتها في الجنوب الليبي.
  • امتعاض مكون التبو مما  يحصل في مناطق  نفوذهم من  طرد لفصائل المعارضة  التشادية ، سيكون له  تداعيات  يجب أن  يدركها  المسؤول الليبي ، وأن خسارة  المعارضة  التشادية لمناطق  استقواء     كانت مناسبة  لتنظيم  وترتيب  صفوفها ، سينقلها  إلى خانة ردود الفعل التي قد  تخلق الفوضى، بسبب  الفراغ  الأمني  مرحلياً  إلى حين  بسط  الدولة سيطرتها  وهيمنتها  على كافة الجنوب الليبي.
  • تحرك بعض الكتائب والقوات العسكرية من المنطقة الغربية للمشاركة في تأمين الجنوب ، يعكس مستوى من التنسيق والترتيب التي تتحقق في الآونة الأخيرة من خلال لجنة ( 5+5 ) ، واللقاءات التي تتم منذ فترة بين مسؤولين من المنطقة الغربية والشرقية .
  • البعد عن الدعاية الإعلامية البعيدة عن الواقعية ، والتي لا تعبر واقعيا عن أمكانيات المؤسسة العسكرية في البلد كما  تدعيها  القوات  التابعة للشرق ، لان جنوب ليبيا والمناطق الحدودية تحتاج الي إمكانيات وقدرات واعداد ليست بالقليلة ، فالمنطقة تحتاج الي تنسيق وترتيب مع دول جنوب الصحراء ، وتفعيل إتفاقيات الحماية المشتركة للحدود البينية ، كذلك تفعيل اتفاقيات ليبيا مع المجتمع الدولي خاصة دولة إيطاليا.

وأخيرا.. المعارضة التشادية ، واقع وحقيقة تاريخية ملموسه ، وهي مشكلة تمس الأمن القومي الليبي ، وان حلها يحتاج الي تظافر جهود المسؤولين في الدولة الليبية مع نظرائهم في دولة تشاد برعاية إقليمية – دولية ، ويكون بالتنسيق والترتيب البيني ، والعمل  علي  إيجاد  برامج  إجرائية  تنفيذية  ، والبحث عن الحلول المناسبة  لإستيعاب هذه  التشكيلات والفصائل المسلحة وإعادتها  إلي دولة المصدر _ تشاد  ، لإنها تشكل خطر محدق بالدولتين و المنطقة علي السوا.

وجديرا  بالذكر ، فقد كانت هناك أكثر من  تجربة  ناجحة  للعودة  الطوعية لإهم فصائل المعارضة التشادية العسكرية  بعد  نجاح  اتفاق  الدوحة في 2022 ، كذلك كانت هناك _ قبل اتفاق  الدوحة _ تجربة  واعدة  وهي  عودة  الفصيل الاقوي والأهم  في المعارضة التشادية ” المجلس العسكري لإنقاذ تشاد وقائده ” محمد حكيمي ” الذي انسحب بقواته وعاد الي بلده تشاد ، ليتم  إعلان إدماجه في الجيش  التشادي  ، وإعطاه رتبة ومكانه عسكرية مناسبة له ، وبذلك تم الإعلان ان حل وانتهاء اهم فصيل عسكري للمعارضة التشادية علي الأراضي الليبية.

نوصي .. المسؤوليين وصناع  القرار  والمهتمين  في الدولة الليبية ، أخذ أزمة تواجد فصائل المعارضة التشادية  او السودانية  او غيرها   بعين الاعتبار  والجدية ، و لتصبح  هذه  الازمة ” قضية أمن قومي ” لها الأولوية  في  أيجاد  الحلول  المناسبة ، وليتم  وضع  الخطط  والاستراتيجات  واوراق السياسات المناسبة  لإدارة  هذه  الازمة  بكل كفاءة وأنتاجية ، و بمشاركة المراكز البحثية  والمهتمين  والبحاث والمختصين.

لتحميل الملفات من هنا ….

هذا المحتوى متوفر أيضًا باللغة: English Français Türkçe Italiano

زر الذهاب إلى الأعلى