الإيجاز

قرار إنشاء قوة التدخل والسيطرة : الدوافع والأبعاد

تمهيد ..

تداولت  وسائل  إعلام  ليبية  محلية  مؤخراً  قرار  رقم ( 245 \ 2023 ) ، و الصادر عن مجلس الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية، ممهوراً  بإمضاء  رئيسها المهندس “عبد الحميد الدبيبة” ، بشأن اعتماد الهيكل التنظيمي  وتحديد اختصاصات ” قوة التدخل والسيطرة ” ، وتنظيم  جهازها  الإداري ، واللافت أن تاريخ  هذا  القرار  يرجع  إلى 9 إبريل 2023 ، إلا أنه  لم  ينشر  ولم يتم  تداوله.

وقد جاء  هذا  القرار  في  عشرة   ورقات ، تناولت  الهيكل  التنظيمي  للقوة ، واختصاصاتها، والتي  جاءت  في 17 فقرة ،  حيث جاء  في الفقرة الأولى  تتولى  قوة  التدخل  والسيطرة  تنفيذ  التشريعات  واللوائح و القرارات وما يلزم من تدابير  وإجراءات التي  تكفل  أمن  البلاد وحماية  الأرواح  والأعراض  والممتلكات  وتنفيذ الخطط والسياسات والبرامج  اللازمة  لتنفيذ  التشريعات في مجال  مكافحة  الجريمة  وحفظ  النظام العام  ومكافحة العصابات الإجرامية التي تمتهن الجريمة المنظمة في التهريب  وتجارة المخدرات والأسلحة والوقود  والسرقة “.

وقد تنوعت  الاختصاصات في  باقي الفقرات  ما بين الضبط الإداري والقضائي، والعمل الاستخباري، وحراسة وتأمين المنافذ  والحدود  والسواحل، كما تناول  القرار  مهام آمر القوة  والتي  من  بينها  تمثيل القوة في الداخل  والخارج،  وضم الهيكل التنظيمي  للقوة إدارة  تحت اسم  إدارة  الشؤون  الأمنية، وجعل لهذه الإدارة مجموعة من الاختصاصات من بينها  ، تنفيذ العمليات الاستباقية لإحباط وإفشال أية عمليات إجرامية أو تخريبية، وكذلك رصد ومتابعة الأنشطة المعادية والمشبوهة التي تعرض الكيان السياسي الإداري للمؤسسات العامة للخطر“.

في هذا  القرار  يمكن  ملاحظة  التوسع في  اختصاصات هذه  القوة، ما يعطيها  صلاحيات واسعة  تتداخل مع  اختصاصات أصيلة  لوزارة الداخلية  وإداراتها ، وكذلك اختصاصات المجتمع الاستخباري الليبي ،  والذي  يتكون  من جهاز المخابرات العامة  والأمن  الداخلي  والاستخبارات العسكرية ،  ومن اللافت هنا  كذلك ،  أن صفة من سيكون على رأس القوة هي ” آمر ”  ولم  يستخدم القرار  صفة مدير  ولا رئيس ، ما يجعل القوة  كيان  يجمع  في الخصائص  والصلاحيات ما بين  الدفاع  والأمن   والمخابرات.

ولعل السؤال الأبرز  الذي  يفرض نفسه هنا ، ما الدافع  الحقيقي  لحكومة “عبدالحميد الدبيبة ”  لإنشاء هذه القوة ؟، وما دلالة  التوقيت ؟.

لا يخفى على متابعي الشهد  السياسي  والأمني في  ليبيا  حالة  المناكفة  السياسية بين الفاعلين السياسيين  والأمنيين  والتي  كثيراً  ما  تطورت  لمواجهات  مسلحة  اختلفت في حدتها ، كذلك  مسألة  تغير  الولاءات  بالنسبة  للقادة  الأمنيين والعسكريين ،

وهذا  الأمر يرتب تغير  مفاجئ  في موازين  القوى  لدى الأطراف  السياسية ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع النفوذ والسيطرة.

يبدوا أن هذا الأمر قد دفع ” عبدالحميد الدبيبة ” إلى البحث  عن آلية  تضمن له حلفاء استراتيجيين  هو  من  يصنعهم عبر شرعية يمنحها  لهم  وميزانيات تحت سيطرته.

وفي نفس السياق قد تواترت معلومات حول  قيام  اللواء  ” أسامة الجويلي ”  بعد أن أنضم  إليه  القياديين  أيوب أبوراس، وهيثم التاجوري ،  بتحضيرات يُخشى أنها ستكون موجهة نحو العاصمة ، و ربما هذا ما دفع عبدالحميد الدبيبة إلى التفكير  الجدي في تأمين  بقائه في السلطة ، التي تزداد تحدياتها  يوماً  بعد الآخر.

الخلاصة ..  

إن انشاء  كيانات من  هذا  النوع  شبه العسكرية  موازية للمؤسسات الأمنية  والعسكرية الرسمية للدولة، يعتبر أمراً في غاية الخطورة، ويمثل  تحدياً  كبيراً  للأمن  والاستقرار  في الدولة ، بل وعلى كيان الدولة  والامن القومي لها ، بالذات وأن ليبيا  تعتبر التجربة  الديموقراطية  فيها  لا زالت حديثة ، وذلك لعدة أسباب لعل أهمها ما يلي :

  • إشكالية الدولة المزدوجة: فإن إنشاء كيانات  شبه عسكرية  قوية ، وتمنح لها صلاحيات واسعة ، بشكل مواز للمؤسسات الأمنية والعسكرية  الرسمية ، يعني أن هذه  الكيانات ستكون  بمثابة ” دولة موازية ” داخل الدولة، وهو ما سيضعف  هيبة  وسلطة المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية للدولة، ويقلل من قدرتها على فرض القانون  والحفاظ على النظام  العام.
  • تهديد حقيقي للأمن القومي: فقد تتحول هذه الكيانات الشبه عسكرية إلى تهديد للأمن القومي إذا تم استغلالها في تحقيق أجندات سياسية مصلحية متعارضة مع مصلحة الدولة العليا ، خاصة ضمن حالة الخلط لدى الليبيين بين الدولة  ككيان قانوني وسياسي مستقل ، وبين السلطة السياسية الحاكمة ، مما يزيد من فرص الوقوع في الصراعات  الداخلية  وأنتشار العنف الممنهج.
  • عدم القدرة على المساءلة: غالباً  ما تعمل  هذه  الكيانات  خارج  نطاق  القوانين  والتشريعات  المنصوص  عليها للمؤسسات الأمنية  والعسكرية الرسمية في الدولة ، ونفوذ  هذه  الكيانات  يجعلها  غير خاضعة  لمعايير  الشفافية والمساءلة ، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انتهاك حقوق الإنسان  واستغلال  السلطة  وزيادة  إثراء هذه الكيانات وقادتها.
  • تشكل خطر على التجربة الديمقراطية: قد يكون وجود  هذه  الكيانات عقبة  أمام تطور  الديمقراطية  في الدولة، حيث  قد تؤدي إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية الرسمية ، وتعطيل عملية انتقال السلطة والتداول عليها بشكل سلمي  وشرعي.
  • تعزيز الصراعات الداخلية والانقسامات : فيمكن أن يؤدي وجود  هذه  الكيانات إلى تصاعد  الصراعات الداخلية والانقسامات  في  المجتمع، حيث  يمكن أن  تتمركز  هذه الكيانات حول  مصالح  محددة أو مجموعات دينية أو سياسية ، مما  يؤدي إلى انقسام المجتمع  وزعزعة استقراره.

وهذا كله  ، يتعارض مع فلسفة وجود المؤسسة الأمنية ، التي من أوجب واجباتها هو المحافظة على السلامة العامة والسلم المجتمعي ، بل وتتطلع الشرطة في المجتمعات التي تعتبر التجربة الديموقراطية فيها راسخة ، إلى استقلال الشرطة من الناحية  التشغيلية  والفنية  والاجرائية عن السلطة  التنفيذية .

وأخيرا ، يجب على الدولة الليبية التي تعتبر التجربة الديموقراطية فيها حديثة ، أن تركز على تعزيز  قوة  واستقلالية  المؤسسات الأمنية  والشرطية  والعسكرية  الرسمية ، وتضمن حصولها على التدريب المهني   المعترف به  دوليًا ،  كما  ينبغي أن تعزز  ثقافة الديمقراطية  وحكم  القانون وتشجع  المشاركة  المدنية  والحوار البناء  للمساهمة في تحقيق استقرار  المجتمع  وتعزيز السلم  الاجتماعي ،  والبعد عن  التوسع  في  إنشاء  كيانات أمنية  وعسكرية  موازية  تشكل  خطرا حقيقيا علي  مستقبل الدوله  وكيانها .Top of Form

كما يجب علي الدولة  التركيز علي  تحقيق  مفهوم ” الإدارة المدنية العسكرية ” ، للمساعدة  في  أستعادة  النظام والاستقرار  للدولة ، وتحقيق   مفهوم  الأمن  والسلامة  المجتمعية   للمواطن  والمؤسسات ، كما  أنها  تساعد  بشكل فعال  علي إعادة  بناء  المؤسسات  الأمنية  والعسكرية  علي أسس منهجية متفق عليها دوليا ، ومتربطة بالقوانين والنصوص التشريعية  المعمول  بها  في الدولة .

لتحميل الملف إضغط هنا

 المصدر 

هذا المحتوى متوفر أيضًا باللغة: English Français Türkçe Italiano

زر الذهاب إلى الأعلى