حراك إقليمي نشط ماذا يعني للأزمة الليبية ومعضلة تشكيل الحكومة الموحدة؟
ورقــة بحثيـــة
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
تشهد المنطقة حراكا إقليمياً نشطاً، يسعى من خلاله الفاعلون الإقليميون والدوليون في الأزمة الليبية لتثبيت أو إعادة تموضعهم حسب استراتيجيتهم وما تقتضيه مصالحهم في ليبيا. وبينما يعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هو الملف الأبرز الذي يتم طرحه في المشاورات بين هؤلاء الفاعلين والمسؤولين الليبيين والمبعوث الأممي، فإن هناك معضلة تسبق العملية الانتخابية وهي مسألة تشكيل حكومة جديدة وموحدة بشكل مؤقت تشرف على الانتخابات، ويبدو أن هذا الحراك الإقليمي يحمل معه مؤشرات على قرب حل هذه المسألة.
وتنقسم المواقف المحلية والخارجية بين داعم لحكومة الدبيبة واستمرارها ومعارض لها مؤيداً تشكيل حكومة جديدة مؤقتة. ويبدو أن هذا الملف كان حاضراً في معظم الحراك الداخلي والإقليمي سواء في: مشاورات باتيلي، جهود نورلاند، زيارة وزير الخارجية الجزائري لطرابلس، زيارة عقيلة صالح لقطر، زيارة وزير الخارجية التركي لطرابلس، وأخيراً زيارة أردوغان المرتقبة لمصر.
ويتمتع عبد الحميد الدبيبة بموقع قوة نتيجة للدعم الإقليمي والدولي له، حيث تدعمه فرنسا وإيطاليا وتركيا وقطر والجزائر والإمارات. هذا الدعم يجعل الدبيبة صامداً حتى الآن في مواجهة الدول الداعية لتشكيل حكومة جديدة موحدة، وهي مصر وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. وبينما تدعم الأولى والثاني هذا الخيار دعماً لموقف حلفائهم في المنطقة الشرقية، فإن الولايات المتحدة ومعها ألمانيا وبريطانيا تدعم هذا الخيار، في محاولة منها لتسهيل وإسراع العملية الانتخابية، بشكل يضمن لها وصول سلطة حليفة تحتوي من خلالها النفوذ الروسي المتصاعد في ليبيا، قبل أن يتحول لمستويات استراتيجية عميقة، تجعل معها من الصعب أي محاولة لاحتوائها أو إنهائها.
وأمام هذه المواقف المتعارضة، يبدو سيناريو تشكيل حكومة موحدة جديدة غير مرجح لصالح ترجيح سيناريو تعديل جزئي في حكومة الوحدة الوطنية، عبر دمج حكومة الشرق المكلفة من البرلمان معها، تحت قيادة عبد الحميد الدبيبة، خاصة بعد دعم هذا الخيار من قبل قوتين إقليميتين فاعلتين في الأزمة الليبية، هما مصر وتركيا. لكن الإشكالية التي ستواجه هذا المسار هي الخلافات المحتملة حول الوزارات السيادية.
فعلى سبيل المثال، لن يقبل حفتر بأن تذهب وزارة الدفاع للمنطقة الغربية، وعلى الأرجح أنها ستكون من نصيب المنطقة الشرقية في مقابل ذهاب وزارة الداخلية للمنطقة الغربية، فضلا عن الصراع على وزارتي المالية والخارجية. وبعد ذلك ستبرز إشكالية أخرى وهي مدى صلاحية وزير الدفاع، هل سيكون له سلطة على كل التشكيلات العسكرية في ليبيا في الشرق والغرب، أم أنه سيكون مجرد منصب شكلي، باعتبار أنها حكومة مؤقتة مهمتها الأساسية الإشراف على الانتخابات؟ كل هذه الإشكاليات لا يستبعد أن تعطل أيضا سيناريو التعديل الحكومي والدمج بشكل قد يضمن استمرار الدبيبة بالتشكيل الحكومي الحالي ومن ثم استمرار الانقسام السياسي والحكومي فترة أطول.
ولذلك، فإن حلحلة هذه الإشكاليات وغيرها ستكون حاضرة في معظم المشاورات واللقاءات بين الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين في الأزمة الليبية في الفترة المقبلة، وبالأخص لقاء الرئيسين المصري والتركي المقبل، والذي قد يمثل تطور حاسم في معضلة الحكومة الموحدة، خاصةً مع إدراك كل الفاعلين أن معضلة الحكومة هي عقبة رئيسية أمام إجراء الانتخابات، بجانب أزمة القوانين الانتخابية.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)