أوراق تحليليةتقارير وتقديرات

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا: الأهمية الجيواستراتيجية لتركيا ومواقف الأطراف الفاعلة

وحــــــــــدة أبحـــــاث الأمــــن القومـــــــي 
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

يمكن القول إن حوض شرق المتوسط ما يزال يشهد حالة متصاعدة من التنافس والصراع بين الدول المطلة وغير المطلة عليه، نظراً لما يمثله من أهمية جيواستراتيجية بالغة. فـ المنطقة غنية بالموارد الطاقوية، وتشكل في الوقت ذاته ممراً حيوياً للتجارة الدولية وخطوط نقل الغاز نحو القارة الأوروبية. وفي ظل هذه المعادلة، أصبح التحكم في ممرات الطاقة وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة عاملاً مركزياً في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.

وفي هذا السياق، شكّلت الاتفاقية البحرية الموقعة بين تركيا وليبيا عام 2019 نقطة تحول مهمة، إذ وفّرت لأنقرة مدخلاً قانونياً لتعزيز حضورها في شرق المتوسط، وفرضت توازنات جديدة لم تكن في حسبان العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين. كما اعتُبرت هذه الاتفاقية رداً عملياً على مشروع خط “إيست ميد” الذي طرحته كل من اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل لنقل الغاز إلى أوروبا، والذي رأته تركيا خطوة تهدف إلى تهميش دورها وإقصائها عن سوق الطاقة الإقليمي، رغم امتلاكها شبكة واسعة من أنابيب الغاز العابرة للحدود.

ومن خلال هذا الاتفاق، تمكنت أنقرة من إضعاف إمكانية تنفيذ المشروع، فضلاً عن تعزيز موقعها في الملف الليبي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، مما منحها أوراق ضغط إضافية ومداخل استراتيجية نحو القارة الإفريقية. ومع ذلك، أثارت الاتفاقية جدلاً واسعاً حول مشروعيتها القانونية، إذ ترى عدة أطراف أنها تمثل تهديداً مباشراً لحقوقها في شرق المتوسط، في حين تعتبر دول أخرى أن تنامي النفوذ التركي في المنطقة، وفي ليبيا تحديداً، يهدد مصالحها سواء في شرق المتوسط أو في إفريقيا.

ومع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة بـ قيادة دونالد ترامب، برزت مؤشرات على تحركات دبلوماسية تهدف إلى تخفيف التوترات في شرق المتوسط، خصوصاً بعد إعادة طرح ملف الاتفاقية التركية – الليبية للنقاش. وفي هذا السياق، أعلنت اليونان عن إحياء مبادرة قديمة لإنشاء منتدى إقليمي يضم الدول الساحلية، بما فيها اليونان، قبرص، تركيا، مصر وليبيا، بهدف مناقشة قضايا متعددة مثل الهجرة، حماية البيئة البحرية، الربط البحري، تقسيم المناطق البحرية، والحماية المدنية. وتعبّر هذه الخطوة عن سعي يوناني لإظهار الاستعداد للحوار وإعادة ضبط التوازنات، بالتوازي مع اهتمام أمريكي متزايد بالمنطقة في محاولة لاحتواء التوترات وتعزيز التعاون الإقليمي.

لتحميل الملف من هنا ….

 

Back to top button