تقارير وتقديرات

تأثير التغيرات المناخية على الأمن القومي الليبي.. “كارثة درنة نموذجاً”

قـــرآءة تفصيليـــة
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

تمر ليبيا بأزمة مُناخية غير مسبوقة، في ظل ضعف استعداد البلاد لمواجهة آثار التغيرات المناخية. على الرغم من التنبؤ بوصول العاصفة دنيال إلى ليبيا قبل وصولها بإيام في سبتمبر 2023، لم تُباشر السلطات المحلية والوطنية إلا باتخاذ إجراءات محدودة قبل وصول العاصفة. ولم تُطبق أي خُطة إخلاء في المناطق المتضررة، مما يُبرز الحاجة الملحة إلى إعداد خطط واستراتيجيات لمواجهة الكوارث وتطوير بنية تحتية قادرة على المقاومة أمام التغيرات المناخية.

كما كشفت الكارثة هشاشة المناطق الساحلية أمام الظواهر الجوية المتفاقمة بفعل تغير المُناخ. وارتفاع مستوى سطح البحر والتغيرات غير المتوقعة في الأنماط الجوية، إلى جانب العواصف العنيفة، التي تشكل تهديدًا للأرواح والممتلكات والبنية التحتية الحيوية على طول الساحل الليبي.

إن الإهمال الواضح للبنية التحتية، والذي تجلى بشكل كبير في كارثة مدينة درنة، ومن بعده ما حدث في مناطق الجنوب الشرقي “العوينات- الكفرة”، والجنوب الغربي “سبها – غات – اوباري ” بعد اقل من عام من كارثة دانيال، يكشف عن عدم منح السلطات أولوية كافية لمواجهة التحديات البيئية وقلة الاستثمار في معالجة القضايا المتعلقة بالتغيرات المٌناخية والأمن البيئي.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم نقص الوعي باتخاذ التدابير الوقائية وتفعيل نظام الإنذار المبكر في تفاقم الأزمات البيئة والتغير المناخي الذي تمر به المنطقة عامة وليبيا خاصة ، وكان من الممكن أن تُنقذ هذه التدابير والاحتياطات العديد من الأرواح لو تم اجراءها وتنفيذها بشكل صحيح.

كما أن التغيرات المُناخية لا تقتصر على الخسائر البشرية والمادية فقط، بل تشمل آثار أخرى كالتصحر والجفاف وارتفاع درجات الحرارة وقلة الموارد المائية. كل هذه التحديات تشكل تهديداً على الأمن القومي الليبي. في ظل وجود تقارير دولية تُشير على أن الأمن البيئي الليبي، أصبح يدق ناقوس الخطر، بفعل هذه الظواهر المُناخية، وهذا يستدعي ضرورة التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة هذه التحديات المُناخية.

التوصيات

يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية بالآتي:

  • يجب العمل على تحديث وصيانة المنشآت والبنية التحتية الحيوية مثل السدود ومحطات معالجة المياه، وبناء مرافق بنية تحتية قادرة على مقاومة الكوارث الطبيعية، من خلال الاستعانة بالشركات الأجنبية الرائدة في مجال البناء المقاوم للكوارث الطبيعية.
  • العمل على إيجاد أو انشاء خطة للاستجابة الطارئة، وهذا يتضمن وضع خطط شاملة للاستجابة السريعة والفعالة للكوارث الطبيعية، بما في ذلك خطط الإخلاء والإغاثة.

ولتطبيق لذلك، يتطلب انشاء مجلس أو مؤسسة لإدارة الكوارث الطبيعية بشكل دائم. تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية بشكل مُباشر، تقوم بإدارة وتنسيق الاستجابة للكوارث والطوارئ الطبيعية والبشرية، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتطوير استراتيجيات وتقنيات للوقاية من الكوارث وتقليل آثارها، والعمل على وضع مهام رئيسة لهذه الإدارة في حال حدوث كوارث طارئة، كالتخطيط والوقاية، والاستجابة السريعة، وتقديم الدعم اللازم للمناطق المتضررة لإعادة الإعمار والتأهيل وأخيراً التوعية العامة، هُنا يجب الإشارة إلى مؤسسة إدارة الكوارث التركية “آفاد”، وفي هذا الصدد، يمكن الاستفادة من التجربة التركية والاستعانة بخبراتها.

ملاحظة: عطفاً على التوصية أعلاه، أثناء إحصاء الخسائر والأضرار التي تكبدتها القطاعات المتضررة، لوحظ أن الدولة الليبية تفتقر لأي مؤسسة مٌختصة في إدارة الكوارث والاستجابة الطارئة، وهذا بحد ذاته يتطلب على المسؤولين، التسريع في تأسيس إدارة كوارث، تحسباً لأي تهديدات مستقبلية.

  • تعزيز دور التوعية بأهمية الأمن البيئي، ويكون ذلك من خلال تنظيم حملات توعية لزيادة معرفة السكان حول مخاطر التغيرات المناخية والسبل المناسبة للتعامل معها، ودعم برامج تعليمية تركز على أهمية حماية البيئة في المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية. هنا يجد الإشارة إلى الاعتماد على منهج الأمننة؛ أي جعل حماية البيئية مسؤولية أمنية يجب التعامل معها على أنها مصلحة أمن قومي.
  • تكثيف الجهود الحكومية لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي، من خلال التنسيق مع هيئات دولية وإقليمية، لتبادل المعرفة والخبرات، بشأن إدارة الكوارث الطبيعية وحماية البيئة، والانخراط المستمر في المبادرات العالمية لمكافحة التغير المناخي وتعزيز التنمية المستدامة.
  • سن قوانين وتشريعات بيئية، تساهم في المحافظة وإدارة الموارد الطبيعية، وتشجيع تطبيق ممارسات الاستدامة في القطاع البيئي، وهذا من شأنه يقلل نسبة التصحر، الناتج عن الزحف العمراني، وكذلك الأمر تقديم الدعم المادي للقطاع الزراعي، الذي بدوره يشجع على استدامة المساحات الخضراء.
  • اتخاذ خطوات تساهم في معالجة إدارة النفايات الصلبة، وتقليل التلوث من خلال تعزيز عمليات إعادة التدوير. بالإضافة لذلك يجب تعزيز الرقابة على مصادر التلوث البيئي بشكل دوري.

الخاتمة  

خلاصة القول، أصبحت فكرة الأمن البيئي تنطوي على قضايا التدهور البيئي، وربطها ضمن المصالح العليا للدولة، فالتغيرات المٌناخية لم تعد تهديداتها تقتصر على البيئية فقط، بل تصل هذه التهديدات إلى زعزعة واستقرار الأمن القومي للدول، والذي يشمل جميع موارد الدولة بكل قطاعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مما يحٌتم ضرورة التعامل مع هذه التهديدات كقضية أمنية.

وفي عالمنا الحاضر وجد أن نسبة الكوارث الطبيعية كالفيضانات والسيول والجفاف والتصحر في حالة من الازدياد، وهذا يتطلب تعزيز قدرات الدولة سواء على المستوى الداخلي والخارجي لمواجهة مثل هذه التحديات.

وهذا ما يمكن رؤيته في الكوارث التي تعرضت لها ليبيا، حيث سوء الإدارة والافتقار إلى استراتيجيات التعامل مع مثل هذه التهديدات البيئية، كلفت البلاد خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة. بالإضافة لذلك تركت مثل هذه الكوارث تحديات تواجه الدولة الليبية على المدى القصير والبعيد، مثل اتساع ظواهر التصحر والجفاف، الذي بدوره يشكل تهديداً واضحاً على الأمن الغذائي، وزيادة معدل الهجرة والنزوح الذي يشكل تهديد على البنية الاجتماعية للبلاد، فضلاً عن ذلك انتشار الأمراض المعدية، الناجمة عن التغيرات المناخية.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

زر الذهاب إلى الأعلى