مستقبل الإنتخابات في ليبيا..بعد إقرار قانون الإنتخابات من البرلمان
وحدة الدراسات والابحاث
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
تمهيد:
لا يزال الوضع في ليبيا يشهد انقساماً سياسياً وسط العديد من المشاهد المعقدة فأصبحت العملية السياسية في ليبيا تشكل خطراً عليها وعلى أمنها القومي، حيث يستمر العديد من الساسة والعسكريين التنافس على السلطة، وعلى مقدرات الدولة الليبية، ويتجلى تفاقم المنافسات في العلاقة المعقدة بين السلطات في الشرق والغرب، حيث اتسم هذا الصراع بالمنافسة الشرسة بين أبرز الشخصيات على الساحة الليبية، فاندلعت اشتباكات مسلحة بين القوات العسكرية المتنافسة فأصيب وقتل العشرات من الأشخاص.
استمرارا لمسلسل الاستقطاب والانقسام السياسي بين مكونات المجتمع السياسي الليبي، أعلن مجلس النواب الليبي (برلمان طبرق) برئاسة عقيلة صالح بتاريخ 1 نوفمبر 2023 قانوناً جديداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية، ينص على إجراء الانتخابات في موعد أقصاه 240 يوماً من تاريخ إصدار القانون، مما سيؤدي إلى اتساع فجوة الخلاف بين مكونات السلطة في ليبيا، ويرجع ذلك إلي عدم إشراك سلطات الغرب الليبي في وضع هذا القانون الذي يشوبه العوار الدستوري بسبب بعض مواده التي صممت خصيصاً للجنرال خليفة حفتر، والذي سنتطرق إليها جزئياً في هذه الورقة.
لذلك فأننا في هذه الورقة، ولكي نتعرف على مستقبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية فمن الضروري التعرف بقراءة مفصلة عن حالة الصراع السياسي الحاد الذي تعيشه الدولة الليبية حيث سنتناول مجموعة من العناوين المهمة والتي توجهنا لمعرفة مناط الداء وسبل العلاج من خلال العناوين الآتية:
1- قراءة في حالة الصراع بين السلطات الليبية وتأثيرها على مستقبل الانتخابات.
2- التداخلات الخارجية وتأثيرها على الدولة الليبية.
3- الانتخابات الليبية وحالة الانقسام.
4- سيناريوهات مشهد الانتخابات الليبية ومستقبلها.
لم يحرز الحوار بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أي تقدم حتى الآن، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن بعض السياسيين والعسكريين الليبيين لديهم مصلحة في تأجيل الانتخابات، في هذه الأثناء تستمر لعبة عض الأصابع بين الجنرال خليفة حفتر ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة حول عائدات النفط، حيث هدد الجنرال خليفة حفتر أكثر من مرة بعمل عسكري ضد طرابلس إذا لم يصبح توزيع عائدات النفط أكثر ملاءمة لتوقعاته.
قراءة في حالة الصراع بين السلطات الليبية وتأثيرها على مستقبل الانتخابات
هشاشة الوضع الأمني وتأثيره على الانتخابات
الأوضاع الأمنية في الساحة الليبية لها تأثير عميق على عملية الاستقرار والسير نحو انتخابات شفافة ونزيهة، ولكي نستطيع فهم معوقات أجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، وجب توضيح مدى هشاشة الحالة الأمنية سواء في الشرق أو الغرب الليبي، لذلك سنتطرق في التالي إلى أهم حدثين امنيين واخرهم وقعوا في معسكري السلطة في الغرب والشرق الليبي، كمؤشر وقياس واضح للتعرف على مدى هشاشة الوضع الأمني في ليبيا.
(1) اشتباكات طرابلس أغسطس 2023
في الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2023، تسببت الاشتباكات المسلحة في طرابلس في مقتل ما لا يقل عن 55 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين، حيث بدأ القتال في 14 أغسطس/آب 2023 في الضواحي الغربية لطرابلس، بعد أن ألقت قوات الردع الخاصة التابعة لعبد الرؤوف كاره القبض على العقيد محمود حمزة، قائد اللواء 444، والتي تعتبر كإحدى الأضلع الثلاثة للقوية المسيطرة على طرابلس بعد أن قاوم محاولات تصفيته لأكثر من محاولة، وهي نفس القوات التي اشتبكت وتدخلت في الصراع العسكري الذي وقع في طرابلس في مايو 2022.
حيث تدخل العقيد محمود حمزة لفض الاشتباكات، وقام باصطحاب فتحي باشاغا وتأمين خروجه من العاصمة دون أن يمسه سوء، ولاحقا استقال الأخير من رئاسة الحكومة المكلفة من برلمان طبرق في مايو/أيار 2023.
لكن الموقف المحايد للعقيد محمود حمزة في الصراع بين عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، ورفضه الانخراط في القتال لم يرق للبعض، لكنه أثار إعجاب كثير من الليبيين، وزادت شعبيته لدوره بحقن الدماء بعد سنوات من الاقتتال.
في السابق تم دمج قوات العقيد محمود حمزة _اللواء (444) تحت قيادة اللواء عبد الباسط مروان، قائد المنطقة العسكرية الوسطى في (طرابلس) _ سابقا، وتحت قيادة وزارة الدفاع الليبية وبأمرة وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة.
وتعمل قوات الردع الخاصة (جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب) كهيئة شرطية في العاصمة وتسيطر على مطار معيتيقة الدولي، والأحياء المحيطة به.
بعد يومين من الاشتباكات التي حدثت، أعلنت قوات الردع الخاصة (جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب) أن وساطة عبد الحميد الدبيبة مكنت من التوصل إلى اتفاق للإفراج عن محمود حمزة قائد اللواء (444)، لذلك هدأ القتال، لكن مازال لواء (444) فاعلاً رئيسياً في الغرب الليبي.
لكن بعض التحليلات تتحدث أن عبد الحميد الدبيبة يستخدم اللواء 444 لتعزيز سيطرته على أهم المؤسسات الحيوية في العاصمة، مما يثير معارضة قوات الردع، التي لا تريد التنازل عن الأرض لقوات منافسة.
للحديث عن أهمية الوضع الأمني في الغرب، وجب علينا التطرق على أهم القوي العسكرية الموجودة في وسط العاصمة طرابلس، لكننا لن نتطرق لباقي القوات العسكرية في الغرب الليبي نظراً لكثرتها، ولأن مناط الحديث الان عن الاشتباكات التي حدثت في أغسطس 2023 في العاصمة طرابلس وهم:
• قوات الردع الخاصة (جهاز مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب) بقيادة عبد الرؤوف كارة.
• جهاز دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة).
• اللواء 444 محمود حمزة.
حاول عبد الغني الككلي (غنيوة) إزاحة العقيد حمزة من المشهد الأمني بالعاصمة في 2021 لكنه فشل، كما حاول عبد الرؤوف كارة إنهاءه من المشهد أيضا وأخفق هو الآخر في 2023، ما يجعل قائد اللواء 444 عنصرا أساسيا في معادلة السلم والحرب، وفق خريطة النفوذ والسيطرة الجديدة في الغرب الليبي.
على أية حال تشير هذه الحادثة إلى أن التنافس على السلطة في الغرب الليبي يشكل مصدراً لانعدام الأمن، وسبق أن لاحظت بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في ليبيا أن عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي واختفاء المواطنين والشخصيات العامة تخلق “مناخا من الخوف ” في ليبيا، مما يشكل معوقاً لقيام انتخابات في الغرب الليبي في ظل وضع أمني هش وصراعات قد تؤدي الي اشتباكات مسلحة في أي وقت على النفوذ والسيطرة العسكرية.
(2) عودة المهدي البرغثي لـ بنغازي
في ليلة الجمعة 6 أكتوبر 2023 حدثت اشتباكات مسلحة بين قوات خليفة حفتر وجماعات تابعة لقبيلة موالية لوزير الدفاع السابق المهدي البرغثي، وجاء ذلك على خلفية اعتقال الأخير من قبل قوات طارق بن زياد بقيادة صدام حفتر، حيث استمرت الاشتباكات لعدة ساعات في حي السلماني مقر إقامة البرغثي.
فبعد سبع سنوات، عاد البرغثي إلى مدينة بنغازي بالشرق الليبي، بعد مشاورات واتصالات واسعة من شخصيات قبلية في شرق ليبيا مع قيادة حفتر، التي توعدت بعدم المساس به وبأنه لم يعد مطلوباً لديها، حيث قامت قوات طارق بن زياد التي يرأسها صدام حفتر باستدعاء البرغثي على خلفية وجود عدد من المسلحين المرافقين له.
أن دخول البرغثي برفقة عدد من المسلحين إلى بنغازي شكّل خطراً على حفتر، لكن في الواقع لم تكن المخاطر منحصرة في المهدي ومسلحيه الذين تم القضاء عليهم خلال أقل من ساعتين من وصول المهدي إلى منزله في حي السلماني بالمدينة وإلقاء القبض عليه داخله، لكن ما حدث في المدينة بعد ألقاء القبض على البرغثي والتي استمرت لمدة أربعة أيام في عزلة تامة عن العالم وسط احتقان وتوتر أمني، يجعلنا نتساءل لماذا كل هذه الإجراءات الأمنية؟
أن الواقع الذي يخشاه خليفة حفتر ليس البرغثي في حد ذاته، ولكن قبيلة البراغثة والعواقير والمغاربة والعبيدات وغيرهم.
ففي الحقيقة خليفة حفتر يدرك أن هذه القبائل لن تنسى انها من صنعته، حيث كان أبنائها الثقل الحقيقي لقواته، هذا غير النفوذ والثقل الاجتماعي في المنطقة الشرقية قبل أن يعتمد على فاغنر والمرتزقة الافارقة، حيث واجهة مساعدة هذه القبائل له بالنكران، وإقصاء أبنائها من المناصب لصالح تعزيز نفوذ أولاده وأسرته في المواقع والمناصب العسكرية في قواته، بل وفي دوائر صنع القرار السياسي والأذرع الاقتصادية.
فرغم الهدوء الذي يسود بنغازي بعد القبض على البرغثي ومقتل أبنه أبراهيم على يد قوات خليفة حفتر، هذا لا يمنع احتدام الصراع مستقبلا، وخشية حفتر من انتفاضة شعبية، وما يعزز هذه الرواية ما حدث أيضا في مدينة درنة من انتفاضة شعبية، بعد كارثة الاعصار وانهيار السدين ضد خليفة حفتر.
ورغم حدة الإجراءات والقيود الأمنية وحالة الترهيب والقمع التي تقوم بها قوات حفتر، لكن حالة التضارب في تصريحات رموز أركان حفتر، ولغتهم المرتبكة حيال توصيف ما حدث في واقعة المهدي البرغثي تثير الريبة، حيث أكد رئيس حكومة الشرق أسامة حماد، أن البرغثي استغل تراخي الإجراءات الأمنية في البوابات، ومر برفقة عدد من أنصاره المسلحين وبصحبة أرتال من حملات الإغاثة الشعبية القادمة من غرب البلاد باتجاه المناطق المنكوبة في الشرق، و أكد وكيل وزارة الداخلية في الحكومة ذاتها فرج قعيم، بعد أقل من ساعتين، أن البرغثي تسرّب عبر الصحراء بطرق ملتوية ليدخل إلى بنغازي خفية، وبدعم مالي ومخابراتي محلي وخارجي!! .
وجديرا بالذكر، أنه بينما يتنافس القادة الليبيون للسيطرة على المؤسسات، يتفاقم الاتجار غير المشروع بالبشر والانتهاكات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، حيث أثبت تقرير حديث عن الاقتصادات غير المشروعة في ليبيا، وأن الجيش العربي الليبي التابع لحفتر، متورط بشكل متزايد في الاتجار بالبترول والمخدرات والبشر.
ومن ذلك، ما كشفه تحقيق مشترك أجرته “دير شبيغل” و”إلبايس” عن دور قوات حفتر في غرق سفينة المهاجرين في بيبلوس باليونان، والتي تسببت في مقتل حوالي 600 شخص في يونيو/حزيران 2023، فكتيبة طارق بن زياد و”الضفادع البشرية ” التابعة للبحرية الليبية في الشرق على وجه الخصوص، يُزعم أنهم متورطون في الاتجار بالمهاجرين وطالبي اللجوء، وكلاهما تحت سيطرة حفتر وابنه صدام.
فقد أصبحت كتيبة طارق بن زياد، التي اتهمتها منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى مرارًا وتكرارًا بارتكاب جرائم حرب، ومن بينها أمور أخرى، منها أنها مسؤولة أيضًا عن منع المهاجرين، ومراقبة الحدود بعد اتفاقيات غير رسمية بين حفتر والحكومات الأوروبية، وهذا يشير إلى أن كتيبة طارق بن زياد تستفيد مرتين، مرة من تهريب المهاجرين و أخري من مراقبة الحدود البحرية.
وفي غرب ليبيا تنقسم السيطرة بين عدة جماعات مسلحة ومتنافسة، والتي اكتسبت احتكارات شبه مستقرة في قطاعات مختلفة، حتى أننا يمكن ان نطلق عليها بعقد “كارتل”، وذلك لحصول بعض قادتها على مناصب مهمة في المؤسسات الليبية، وتقاسمهم للسلطات الأمنية والعسكرية والاقتصادية فيما بينهم، كما في حالة وزير الداخلية عماد الطرابلسي في الغرب.
أن واقعة الاشتباكات التي حدثت في أغسطس 2023 في طرابلس، وواقعة الاشتباكات المسلحة في مدينة بنغازي في أكتوبر 2023، إضافة الي الانفلات الأمني والاشتباكات المسلحة التي تظهر من حين الي اخر، تشير لمنحي خطير تسير له الأوضاع الأمنية في ليبيا، مما يجعلها مهدداً خطيراً لعدم تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في المستقبل القريب نتيجة حالة الهشاشة الأمنية التي تشهدها الساحة الليبية.
الصراع السياسي ومستقبل الانتخابات
يتجلى الصراع على السلطة بين السياسيين الليبيين في العمليات السياسية الجارية تحت ضغط المجتمع الدولي لتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، حيث يواصل أبرز السياسيين في المشهد السياسي الليبي محاولة كسب الوقت لزيادة نفوذهم، وهم يعلمون أنهم لا يتمتعون بدعم شعبي كبير ولا يريدون المخاطرة بخسارة السلطة في انتخابات ديمقراطية.
حيث كان مجلس النواب الذي يقع مقره في طبرق شرق ليبيا، والمجلس الأعلى للدولة الموجود في طرابلس، يتفاوضان اسمياً بشأن تنظيم الانتخابات وغالباً ما كانا في الأصل يعرقلان بشكل أو بآخر أقامت الانتخابات.
بعد فشل آخر للمفاوضات بين المؤسستين المتنافستين، وهو ما حدث في المغرب في يونيو/حزيران 2023، من خلال لجنة (6 + 6)، تحرك الحوار بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة السابق خالد المشري، بشكل مفاجئ نحو هدف جديد، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة كشرط مسبق لإجراء الانتخابات.
في البداية رحبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالاقتراح، لكن تشكيل حكومة وحدة جديدة ليس بالتأكيد عملية سياسية سهلة التنفيذ، و لكن يبدو أن الاقتراح كان بمثابة تكتيك آخر لتأخير الانتخابات، فضلاً عن محاولة غير مقنعة للإطاحة بـ عبدالحميد الدبيبة من منصب رئيس الوزراء، حيث أنه في الأسابيع التالية للاقتراح أصبح خالد المشري وصالح ينتقدان عبدالحميد الدبيبة بشكل متزايد، ثم أعلن حفتر أيضًا أنه يؤيد مقترح الحكومة المؤقتة.
لقد اتخذت الأحداث في ليبيا منعطفًا آخر في أغسطس 2023، عندما انتخب المجلس الأعلى للدولة رئيسًا جديدًا له، هو محمد تكاله، الذي أطاح بـ خالد المشري من السلطة والذي كان يقود هذه المؤسسة منذ عام 2018.
حيث تمثل هزيمة خالد المشري غير المتوقعة من خلال تصويت داخلي في المجلس الأعلى للدولة انتصارا قصير الأمد لـ عبد الحميد الدبيبة، فقد أصبح خالد المشري أحد منتقدي سياساته الرئيسيين في صفوف المؤسسات الغربية، ومع خروجه من المشهد بدأت المحادثات بين المجلس الأعلى حيث عادت دعوة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لتشكيل حكومة وحدة إلى نقطة البداية.
ربما لعب رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد الدبيبة دورًا مهمًا خلف الكواليس للإطاحة بـ خالد المشري من قيادة المجلس الأعلى للدولة، وفقًا لبعض التحليلات مع ذلك ينبغي التأكيد على أن محمد تكاله الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للدولة في الماضي قدم دعمه لمنافس لدود آخر لرئيس الوزراء الحالي، وهوه فتحي باشاغا.
على كل الأحوال فإن تغيير رئاسة المجلس الأعلى للدولة يحتاج إلى فترة تعديل قبل استئناف المفاوضات مع مجلس النواب، وبالتالي فإن احتمال إجراء الانتخابات في عام 2023 قد انتهى بشكل نهائي، وحتى أنه عملية تشكيل حكومة وحدة جديدة يبدو صعباً على المدى القصير.
في هذا السياق، فإن موقف عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق لم يعد يبدو جيداً كما كان في الماضي، فهناك الآن شكوك حول طبيعة العلاقة بين عقيلة صالح وخليفة حفتر، على الرغم من، أنهما حلفاء اسميا لكن بعض المؤشرات تؤكد ان هناك حالة خلاف قوية بينهم حول السلطة.
تشير هذه التطورات إلى أن المشهد السياسي الليبي لا يزال مائعاً وعرضة للانتكاسات السريعة، بالتوازي مع ذلك يتواصل الحوار غير الرسمي بين عبدالحميد الدبيبة وخليفة حفتر، والذي يضم المحاورين الرئيسيين للطرفين ابن شقيق الدبيبة (إبراهيم)، وأحد أبناء خليفة حفتر (صدام)، وبوساطة دولة الإمارات، حيث أدى هذا الحوار في يوليو/تموز 2022 إلى اتفاق ضمني حول تقسيم عائدات النفط بين سلطات الشرق والغرب، بالإضافة الي تغيير رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.
ففي السابق، منع خليفة حفتر بشكل متكرر صادرات النفط من الشرق إلى الغرب للضغط على طرابلس، حيث سمح الاتفاق بين عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر بالسماح الكامل لصادرات ليبيا من النفط، مما أتاح فترة من النمو الاقتصادي القوي والاستقرار النسبي، لكن خليفة حفتر شكك مؤخرا في الاتفاق مع طرابلس، بحجة أن توزيع عائدات النفط لم تكن عادلة بما فيه الكفاية.
وفي 3 يوليو/تموز 2023، هدد الجنرال خليفة حفتر باتخاذ إجراء عسكري جديد إذا لم تقم سلطات الغرب بإنشاء ” لجنة مالية عليا ” للإشراف على توزيع عائدات النفط بحلول نهاية أغسطس 2023، بالفعل بعد ثلاثة أيام قررت سلطات طرابلس بأمر من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إنشاء اللجنة المالية العليا التي طلبها حفتر، وتضم الهيئة الجديدة أعضاء من المؤسسات الليبية الرئيسية، بما في ذلك مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وحكومة طرابلس، لكنها حتى الان لا يوجد لها أي مخرجات فعليه على أرض الواقع.
لكن التوترات لم تهدأ حيث أثار اختطاف وزير المالية السابق في 11 يوليو/تموز 2023 بعد وصوله إلى مطار امعيتيقة، احتجاجات في اثنين من حقول النفط الرئيسية في ليبيا، وكلاهما يخضع لسيطرة قوات حفتر، والوزير السابق هو فرج بو مطاري الذي كان أحد المرشحين المحتملين لرئاسة البنك المركزي الليبي، ويبدو أن احتجازه وما ترتب عليه من إغلاق للنفط، مرتبط بالخلافات حول احتمال تعيين رئيس جديد للبنك المركزي حينها. على أية حال أدى إطلاق سراح بو مطاري في 16 يوليو/تموز 2023 إلى استئناف العمل في حقلي الشرارة والفيل النفطيين.
في تطور مهم آخر، قام حفتر بتعيين ابنه صدام لرئاسة فرقة جديدة قوية في الجيش الليبي المتواجد في الشرق، والتي تم تشكيلها من اتحاد بعض المفارز العسكرية الرئيسية الموجودة مسبقًا، حيث عززت هذه الخطوة قوة عائلة حفتر في شرق ليبيا.
في الوقت نفسه، أعلن البنك المركزي الليبي عن إعادة توحيده بعد ما يقرب من عقد من الانقسام، وكانت السلطات في شرق ليبيا تستخدم بنكا مركزيا موازيا مقره في بنغازي منذ عام 2014، حيث وافقت السلطات المتنافسة في شرق وغرب ليبيا على إعادة توحيد الفرعين، والذي جاء بعد عملية استمرت 19 شهرًا أشرفت عليها شركة المحاسبة ديلويت والتي يقع مقرعها في لندن عاصمة المملكة المتحدة.
لقد حافظ البنك المركزي في طرابلس على مسؤولية توزيع عائدات النفط بين مؤسسات الدولة المختلفة على مر السنين، وتشير إعادة الشمل مع فرع بنغازي إلى تخفيف الصراع بين عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر، حيث تحول محافظ البنك المركزي الليبي، الصديق الكبير، إلى رقم صعب في المشهد السياسي الليبي منذ عام 2011، إذ تغير الكثير من المسؤولين في البلاد سواء على مستوى رؤوس الدولة الليبية المنقسمة، أو على صعيد رؤساء ومديري مؤسسات وشركات حيوية في البلاد وكان آخرهم الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، حيث خلفه فرحات بن قدارة، لكن بقي الصديق الكبير على رأس المصرف المركزي للمؤسسة المالية الليبية الأهم على الإطلاق، والتي يسميها البعض بيت مال البلاد.
حتى وإن كان إعادة توحيد البنك المركزي تمثل تطوراً إيجابياً على ما يبدوا، فإن الحوار بين الدبيبة وحفتر له حدود واضحة، إذا أثبت الاثنين عدة مرات أنهما قادران على الاتفاق على قرارات مؤسسية، تهدف إلى تسهيل توزيع عائدات النفط، لكن من غير المرجح أن يتمكنا من التوصل إلى حل وسط لتشكيل حكومة وحدة يكون فيها دور لكليهما، ومن الواضح أيضًا، أن خليفة حفتر سيكون مستعدًا لإسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، إذا سمحت الظروف له لذلك.
ومن ثم فمن المرجح حدوث تغييرات مهمة أخرى على الساحة السياسية الليبية في الأشهر المقبلة، في سياق المنافسات والمفاوضات لتشكيل حكومة مؤقتة جديدة، وفي ضوء الانتخابات المحتملة، وإن كان من غير المرجح أجرائها.
التداخلات الخارجية وتأثيرها على الدولة الليبية
إن الأزمة السياسية في ليبيا ليست أزمة داخلية بحتة، بين حكومة اتخذت من العاصمة طرابلس والغرب الليبي مكانا لها، وحكومة انبثقت من البرلمان الليبي (طبرق)، ومدعومة من المشير خليفة حفتر وقواته العسكرية، اتخذت من بنغازي والشرق الليبي مكانا لنفوذها.
ففي يونيو 2021 كان هناك تصريح مهم للأمين العام للأمم المتحدة خلال مؤتمر صحفي في بداية انعقاد مؤتمر ” برلين 2″، حيث قال أنطونيو غوتيريش: ” الانتخابات أهمية قصوى بالنسبة لليبيا “، داعيا السلطات الليبية إلى توفير البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات في موعدها، كما حث الأمين العام للأمم المتحدة على إفساح الفرصة لكل الليبيين للمشاركة في الانتخابات بنزاهة وحرية، مطالبا مجلس النواب الليبي بتوضيح الأسس التي ستقام عليها الانتخابات العامة، واعتماد مشروع الميزانية العامة، كما شدد أنطونيو غوتيريش على ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا.
إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة إنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا يدلل أن دور التدخلات الخارجية سوء الإقليمية منها أو الدولية، ذات أهمية قصوى وتأثير مباشر في ازدياد حالة الانقسام السياسي التي تشهدها الساحة الليبية، وبالأخص عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
إن ليبيا هي في الأساس لازالت تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يعني أنها تحت إشراف مجلس الأمن، ومجلس الأمن فيه خمس دول لهم حق الفيتو وهم من يقررون.
قانونيا لا شيء يتحرك في ليبيا إلا بإذن دولي وبموافقة مجلس الأمن، وأن من أدخل أزمة ليبيا إلى مجلس الأمن هي فرنسا التي تمتلك حق الفيتو، حيث حركت مجلس الأمن وخرجت منه بقرار صوتت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وامتنعت كل من الصين وروسيا عن التصويت وهما يمتلكان حق الفيتو أيضا، وكذلك ألمانيا امتنعت مع أنها لا تملك حق الفيتو.
بالتالي فإن أي حل لأزمة ليبيا لا بد من أن يمر على مجلس الأمن، فلا مصر، ولا الإمارات ولا السعودية، ولا قطر، ولا تركيا، ولا الجزائر، يستطيعون التدخل الرسمي لحلحلة الأزمة الليبية إلا عن طريق تدخل غير مباشر تحت مظلة العمليات الاستخباراتية والدعم السري لأطراف الصراع في ليبيا.
كما أن أزمة الغاز في شرق المتوسط، كانت الشرارة التي جعلت تركيا تتدخل بسرعة وتوقع اتفاقها البحري والأمني مع حكومة الوفاق التي تمتلك الشرعية الدولية، وتركيا لا تريد ألا يمر الغاز إلى أوروبا دون أشرافها برا أو بحرا.
في اليوم السابق لتحطم الطائرة الذي أودى بحياة يفغيني بريغوزين، زعيم مجموعة فاغنر كان نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، في ليبيا للقاء حفتر، وبحسب وكالة رويترز، قال المسؤول الروسي للجنرال الليبي إن رجال مجموعة فاغنر سيبقون في ليبيا تحت قيادة جديدة، ولذلك كان ينبغي أن يظل بصمة روسيا في ليبيا دون تغيير، فأنه وبحسب أكثر من شاهد عيان، فإن العسكريين الروس بلا شك حاضرون وبقوة في قاعدتي براك والجفرة، وتستمر المقاتلات الروسية في تنفيذ طلعات جوية في سماء الجنوب الليبي بكل اريحية.
لذلك فمن المرجح أن يتكيف الهيكل العسكري لمجموعة فاغنر مع الظروف الجديدة ويستمر في العمل إلى جانب قوات خليفة حفتر، لان لروسيا مصالح سياسية واقتصادية مهمة في ليبيا، بسبب الموقع الاستراتيجي لليبيا الواقعة في شمال إفريقيا، والذي يتيح لروسيا إمكانية الحفاظ على وجود عسكري على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وقواعد تشغيل للدعم اللوجستي لعمليات المرتزقة الروس في مالي وبوركينا فاسو وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، ويدفع المشير حفتر تكاليف تواجدهم بالدولار.
لذلك فإن هذا الأمر بالنسبة لروسيا خيار استراتيجي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وحالة الحصار الدولي على روسيا، حيث يسمح له التواجد في ليبيا التحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها.
كما لا تزال الإمارات العربية المتحدة، التي سبق لها أن قدمت التمويل وأشكال الدعم الأخرى لشركة فاغنر في ليبيا، مركزًا اقتصاديًا وماليًا مهمًا لغسل الأموال وتجارة الذهب والماس الذي يحصل عليها المرتزقة الروس في إفريقيا لصالح دولة الامارات.
من ناحية أخرى لا تزال الولايات المتحدة تبدي القليل من الاهتمام بليبيا، ولا يزال تهديد الإرهاب الدولي بالنسبة لها مخفضًا من ليبيا، كما لا تنوي إدارة بايدن المشاركة في التوسط في العملية السياسية.
لكن مؤخراً أكدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، على أهمية إجراء انتخابات ديمقراطية، ثم أضافت أنه لتحقيق هذه الغاية نحن منفتحون على دعم تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة، يكون هدفها الوحيد قيادة ليبيا نحو انتخابات حرة ونزيهة “، ويشير هذا الموقف أن واشنطن ستؤيد استبدال عبد الحميد الدبيبة في الحكومة الجديدة في طرابلس في حالة التوافق على تشكيل حكومة موحدة.
كما لا يزال عبد الحميد الدبيبة يحتفظ بدعم تركيا بعد إعادة انتخاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو/أيار 2023، كما اتخذت تركيا عدة إجراءات تشير إلى الرغبة في تعزيز وتوسيع العلاقات مع طرابلس، وفي الوقت نفسه تبدو اهتماما بتعزيز المصالحة مع السلطات في شرق ليبيا، حيث تعمل تركيا على تطوير المصالح التجارية مع طرفي النزاع، كما شارك نائب وزير الخارجية التركي ومجموعة من الشركات التركية في مؤتمر أعمار درنة، والتي دعت له حكومة الشرق الليبي بقيادة أسامة حماد.
تسير هذه السياسة جنبًا إلى جنب مع تقارب تركيا مع الإمارات ومصر، كما أن القاهرة وأبو ظبي اللتان دعمتا عسكريًا في عام 2019 محاولة حفتر الاستيلاء على طرابلس بالقوة، تحافظان اليوم على علاقات جيدة مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.
لكن لا تزال السياسات الخارجية لدولة الإمارات ومصر من ناحية، وتركيا من ناحية أخرى بشأن ليبيا بعيدة عن التوافق، لكن التوترات بينهم على الساحة الليبية قد انخفضت بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل بضع سنوات.
كما أن لمصر دور إقليمي ليس بالضئيل في ليبيا، ففي مشهد كارثة درنة شاهدنا التحركات العسكرية لقوات الجيش المصري على الأرض الليبية، بالإضافة للدعم العسكري واللوجيستي لقوات الجنرال خليفة حفتر، وحيث كان النظام المصري الحالي، سبباً رئيسيا في استمرار حالة الصراع العسكري بين الشرق والغرب الليبي، بسبب دعمه لأحد طرفي الصراع.
بالإضافة أن عدم وجود رؤية سياسية مصرية لإيجاد حالة توافق حقيقية بين أطراف الصراع الليبي، ورغم ذلك يوجد بعض الاستثناءات، وهو استضافة القاهرة لطرفي الصراع على الأراضي المصرية أكثر من مرة، والتي كانت أخرها استضافتها بتاريخ 7 نوفمبر 2023 لحوار سياسي بين محمد تكاله رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (طبرق)، بشأن التوافق حول قانون الانتخابات التي أصدره مجلس النواب في 1 نوفمبر 2023، مما يجعلنا نستنتج أن الدور المصري يركز بشكل رئيسي على المصالح المصرية في ليبيا، والدليل أنه رغم النفوذ المصري في الشرق الليبي إلا أنه لم يستطيع الضغط على حليفة خليفة حفتر للوصل لحالة توافق مع سلطات الغرب الليبي حتى الإن.
وفقاً لما تم ذكره، يمكننا القول إن المشهد السياسي الليبي وعملية إجراء الانتخابات من عدمها في ليبيا، مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتدخلات الخارجية الإقليمية منها والدولية، ولذلك وجب التنويه أن حالة الانقسام، وعدم التوافق السياسي، في ليبيا مرتبط بطبيعة التدخلات الخارجية.
فمعسكر الشرق بقيادة خليفة حفتر تدعمه قوى رئيسية خارجية، وهي (مصر، الأمارات، الأردن، روسيا، فرنسا، الصين)، أم معسكر الغرب الليبية فتتداخل فيه مجموعة من الدول وهي (تركيا، إيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والجزائر).
كما أن تبادل الأدوار والمواقف للدول الخارجية بين معسكري السلطة في ليبيا، يستند في الأساس على الحافظ على مصالح هذه الدول داخل التراب الليبي، لا لمصلحة الدولة الليبية حيث لاحظنا تغييراً في العديد من المواقف لبعض الدول بين دعم سلطات الشرق في بعض الأحيان، ودعمها لسلطات الغرب الليبي أحياناً أخرى، ويتضح من ذلك أن مصالحها السياسية والاقتصادية هي ذات الأولوية لا مصلحة الدولة الليبية.
ولذلك يجب أن نطرح سؤالاً مهماً، هل يستطيع المجتمع الدولي حل الأزمة السياسية في ليبيا…؟؟ أم أن التدخلات الخارجية الإقليمية منها والدولية تريد ترسيخ الوضع القائم للحفاظ على مصالحة ونفوذها داخل التراب الليبي؟
التهديديات الديمغرافية وتأثيرها على نتائج الانتخابات الليبية
لا تنفصل التحولات السياسية التي تشهدها ليبيا عن التغير في التركيبة الديموغرافية للمجتمعات القاطنة فيها، فخلال السنوات الماضية برزت عمليات إخلاء لسكان من مناطقهم، ونقلهم إلى مدن وبلدات أخرى وتوطينهم ليحمل آخرون ولاءات مختلفة عن سكانها الأصليين.
حيث انعكس ذلك في جملة من المؤشرات التي تتمثل في توطين العناصر الموالية للميليشيات في الكثير من المدن الليبية، واستهداف الأغلبية السكانية من المجتمعات المتضررة في المدن، مما تسبب من إطالة أمد الصراع، وتخوف النازحين من العودة إلى مناطقهم الأصلية.
لقد تركت الأزمة الليبية بصمات سلبية على مدن وقرى الشرق والجنوب الليبي، أكثر من نظيراتها في الغرب على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في الشق الأخير، إذ تعرضت التركيبة الديموغرافية في هذه المناطق لتغييرات خطيرة بسبب عوامل كثيرة، أبرزها تدفق المهاجرين الأفارقة والصراعات القبلية المشتعلة في تلك المناطق.
لقد شكلت الحرب في السودان وعدم الاستقرار الذي أعقب الانقلاب في النيجر تهديدًا آخر لاستقرار ليبيا، وفقًا لبيانات للأمم المتحدة.
كما تلوح الأحداث في تشاد أنه قد يكون لها تأثير على ليبيا، حيث أعلنت الجماعة المتمردة المعروفة باسم الجبهة التشادية للتغيير والوفاقFact عن انتهاء وقف إطلاق النار في أغسطس 2023، مما أدى إلى استئناف الاشتباكات المسلحة بين الجيش التشادي، والمعارضة التشادية المتواجدة في الجنوب الليبي على طول الحدود الليبية.
كما أعلن الجيش الليبي التابع لخليفة حفتر، أنه شن ضربات جوية ضد المعارضة التشادية في جنوب ليبيا، وأعلن أنه لن يسمح بعد الآن للجماعات أو الفصائل المسلحة باستخدام الأراضي الليبية لشن هجمات ضد الدول المجاورة.
لكن لا يزال هناك فراغ كبير في السلطة في المناطق الصحراوية الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة في الجنوب الليبي.
كما أن الشكاوى من التغيير الديموغرافي المتسارع في المدن والمناطق الشرقية والجنوبية زادت بوتيرة ملحوظة في السنوات الأخيرة، لدرجة أن بعض السكان هجروا مناطقهم وتركوها للوافدين الجدد من القارة الأفريقية، وخصوصاً من الدول المحاذية لليبيا من الشرق والجنوب مثل، مصر وتشاد والنيجر ومالي، والذين تسبب قدومهم بأزمات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة والأمثلة على ذلك كثيرة.
لكننا سنتطرق لمثال قد يتبعه تحليلاً آخر، سيصدرها المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية حول تأثير التغيير الديموغرافي على نتائج الانتخابات الليبية في حالة انعقادها، في ظل الوضع الحالي دون تدقيق السجلات الانتخابية، واستبعاد الذين حصلوا على الجنسية الليبية بالتزوير أو بقرارات سياسية غير توافقية، من أحد أطراف الصراع الليبي في الشرق أو الغرب.
المثال الذي نريد ذكره حول تهديدات التغييرات الديمغرافية على مشهد الانتخابات الليبية هو ما حدث في مدينة مرزق جنوب ليبيا، والتي عانت وما زالت تعاني أكثر من غيرها من الزحف البشري الآتي إليها من الدول الأفريقية المحاذية لليبيا.
ففي بداية عام 2016، قتل مدير السجل المدني، ومدير منظومة السجل على يد مجهولين، نسبهم أهالي المدينة إلى الوافدين الأفارقة، بسبب تصدي المغدورين لمحاولات تزوير شهادات الميلاد ومنح الجنسية لهؤلاء المهاجرين، حيث شهدت المدينة عملية نزوح ضخمة لمعظم سكانها الأصليين، الذين بلغ عددهم 30 ألف نازح ومهجر، علماً أن التعداد السكاني لهذه المدينة الصغيرة بحسب آخر الإحصاءات في ليبيا لا يتجاوز 44 ألف نسمة فقط.
إن عملية التغيير الديموغرافي التي تشهدها المدن الليبية وخصوصا في الجنوب والشرق، سيكون لها تأثير مباشر على نتائج الانتخابات الليبية في حالة انعقادها.
لذلك وجب التنويه أن الأزمة السياسية الليبية بها العديد من الإشكاليات، ومن الضروري حل تلك الإشكاليات قبل الذهاب للانتخابات حتى تكون معبرة بشكل فعلي عن إرادة الليبيين.
الانتخابات الليبية وحالة الانقسام
لا تزال ليبيا منقسمة سياسيًا وإقليميًا بين السلطات السياسية المتنافسة، حيث تخضع طرابلس وغرب البلاد لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة ويدعمها المجلس الأعلى للدولة.
ويقع شرق البلاد ومناطق كبيرة من وسط وجنوب ليبيا اسميًا تحت قيادة حكومة موازية ومجلس النواب في طبرق، وهو الهيئة التشريعية الليبية المكونة من مجلس واحد، لكن في الواقع يبقى الرجل القوي في هذه المناطق هو الجنرال خليفة حفتر.
ولقد كان الاتفاق الضمني الذي تم التوصل إليه بين الطرفين في يوليو 2022 على أساس تقاسم عائدات النفط، قد أدى إلى فترة من الهدوء النسبي والنمو الاقتصادي السريع لكن مازالت أوضاع البلاد على المحك.
لقد علق الليبيون والمجتمع الدولي، آمالا كبيرة على الانتخابات الرئاسية الليبية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021 لإنهاء الحرب والانقسامات التي تشهدها ليبيا منذ ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي، حيث كانت ستكون هذه الانتخابات الرئاسية الأولى في تاريخ ليبيا، وقد تقدم لخوضها 98 مرشحا، وكانت ستجرى دورة ثانية في حال لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 بالمئة من الأصوات في المرحلة الأولى.
ووفق المفوضية العليا للانتخابات حينها، فإن عدد المسجلين الذين كان لهم حق الإدلاء بأصواتهم يبلغ 2,8 مليون شخص، من إجمالي عدد سكان ليبيا الذي يناهز أكثر من سبعة ملايين نسمة.
وقبل ان نتحدث عن نتائج الانتخابات في حالة أجرائها، لابد من التعرف على المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، والذي أعلنوا على الترشح في انتخابات 24 ديسمبر 2021، ومازالت هذه الشخصيات هي المطروحة بقوة، في حالة التوافق على القواعد الإجرائية لانعقاد الانتخابات من قبل الفرقاء السياسيون وهم:
1- خليفة حفتر:
يراهن على ورقة الأمن ويتهمه خصومه بالسعي لإقامة دكتاتورية عسكرية، هو الجنرال الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا، وأجزاء من الجنوب بقوات عسكرية تتبعه مباشرة، عين نفسه قائد عاما للجيش العربي الليبي، يلقى دعم مستمر من الامارات ومصر وروسيا بشكل كبير، يُعرف بالرجل القوي في شرق ليبيا.
أعلن المشير خليفة حفتر 77 عاما ترشحه للانتخابات الرئاسية في 16 نوفمبر 2021. علق في 22 سبتمبر 2021 مهامه العسكرية رسميا، كقائد عام للجيش الليبي بالشرق وتسليمها لـ “رئيس أركانه ” عبد الرازق الناظوي، قبل موعد الانتخابات الذي كان مقرر حينا بـ3 أشهر تمهيدا للترشح للانتخابات، عملا بما ينص عليه القانون الانتخابي الذي يسمح له بالعودة إلى مهامه السابقة في حال لم يُنتخب.
ورغم التشكيك في عدم إمكانية ترشحه لأنه يحمل جنسية دولة أجنبية وهي الولايات المتحدة الامريكية، ليس لديه حزب سياسي، لكنه يتمتع بنفوذ عسكري وأمني كبير في شرق البلاد.
تخرج من الأكاديمية العسكرية ببنغازي، وتلقى تدريبا عسكريا في سبعينيات القرن الماضي في الاتحاد السوفياتي السابق، وشارك في الانقلاب الذي أطاح بنظام الملك إدريس السنوسي، وقاد القذافي إلى السلطة عام 1969،
قاد حفتر القوات الليبية في الحرب ضد تشاد (1978 -1987)، لكنه أسر في إحدى المعارك، قبل أن يعلن انشقاقه عن نظام القذافي ويطلق سراحه، منحته واشنطن حق اللجوء السياسي على أراضيها حيث انضم إلى المعارضة الليبية.
برز من جديد في بداية ثورة 2011، حيث عاد إلى ليبيا في مارس 2011 بعد عشرين عاما قضاها في المنفى، واستقر في بنغازي، قاد معارك عسكرية خلال الثورة، ضد جماعات تابعة للقذافي أولا، ثم ضد جماعات جهادية، ثم ضد قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني السابقة في ليبيا التي تشكلت عام 2015، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر 2020، مع هذه الحكومة التي كان يترأسها فايز السراج، يُرجع نجاحه العسكري إلى الدعم غير المعلن الذي تلقاه من دول أجنبية، مثل الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا.
يتهمه خصومه بالسعي إلى إقامة دكتاتورية عسكرية، وبارتكاب جرائم حرب وانتهاكات أخرى في مدن بنغازي ودرنة والعاصمة طرابلس في هجوم قواته الذي استمر 14 شهرا على طرابلس قبل أن يتم إحباطه في يونيو 2020.
2- سيف الإسلام القذافي:
الذي قدم نفسه سابقاً لمنصب الرئاسة في 14 نوفمبر 2021 على أنه خليفة والده، وتم استبعاده من قائمة المرشحين على خلفية أحكام قضائية ضده، لكنه سرعان ما عاد إلى السباق إثر حكم قضائي صدر يوم 2 ديسمبر.
يعتبر القذافي (49 عاما)، أحد المرشحين المثيرين للانقسام في البلاد، حيث ينظر له عدد من الليبيين الذين لا يزالون يدينون بالولاء لوالده، كرمز جديد ” لوحدة البلاد”، يمكنه أن يقودها على غرار أبيه، فلديه شعبية ليست بالقليلة، كما أن شعبيته تتزايد بعد ما ألت اليه ليبيا بسبب الحرب الاهلية وحالة الانقسام وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
اعتبرته حكومات كثيرة في فترة حكم والده وجها مقبولا وصديقا للغرب، حيث كان أحد أبرز أركان نظام والده ووريثا محتملا للحكم آنذاك، اعتقل في نوفمبر 2011 في منطقة الزنتان خلال ثورة 17 فبراير بعد أيام من مقتل والده، وصدر في حقه بليبيا عام 2015 حكم غيابي بـ “الإعدام”، رميا بالرصاص، لدوره في قمع الثورة ضد والد.
اختفى لمدة طويلة وبقي بعيدا عن الأنظار حتى بعد إعلان إطلاق سراحه في عام 2017 وفقا لقانون “العفو العام” المثير للجدل الذي أصدره البرلمان الليبي، لكنه مازال مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية، لتورطه بارتكاب جرائم حرب لقمع الثورة، كما أن مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه لا تزال سارية.
يقدم نفسه خلال هذه الانتخابات على أنه خليفة والده معمر القذافي، حيث ظهر يوم ترشحه مرتديا الزي والعمامة البنية، وهو الزي الذي كان يشتهر بارتدائه والده على الدوام، ويحظى بشعبية كبيرة وسط من يحنون للماضي وبعض المسؤولين السابقين في الجماهيرية الليبية، بالإضافة إلى العشائر والقبائل التي ظلت موالية لعائلة معمر القذافي، خاصة في مناطق ومدن الجنوب الليبي.
3- عبد الحميد الدبيبة:
رئيس الوزراء الحالي، ووزير الدفاع، والذي أعلن عام 2021 عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية.
ولد الدبيبة في مدينة مصراتة غرب ليبيا عام 1958، لديه قاعدة شعبية كبيرة، حيث تمكن الدبيبة من إحداث تغييرات في الوضع المعيشي للمواطن، منذ أن تولى منصبه في 16 مارس 2021، ضمن سلطة انتقالية مؤقتة مهمتها الأساسية قيادة البلاد إلى الانتخابات، ومن أبرز إجراءاته، دعم الشباب المقبل على الزواج بمنحة نحو 8 آلاف دولار لكل زوجين، وزيادة رواتب المعلمين لأكثر من الضعف، فضلا عن تحقيق استقرار أمني نسبي في مدن الغرب الليبي.
4- فتحي باشاغا:
هو وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة، وكان منافسا للدبيبة في انتخابات ملتقى الحوار السياسي في فبراير/شباط 2023، ويعتبر باشاغا شخصية قيادية ومؤثرة في الغرب الليبي، على الصعيدين العسكري والسياسي.
من مواليد مصراتة عام 1962، وتخرج في الكلية الجوية برتبة ملازم، ثم استقال عام 1993، وعمل في التجارة، وعقب اندلاع ثورة 17 فبراير 2011، التحق بالمجلس العسكري في مصراتة، وفي 2014 انتُخب لعضوية مجلس النواب عن مصراتة، لكنه قاطع المجلس بسبب خلافات سياسية.
لكن حظوظه الجماهيرية في الغرب قد ضعفت، بعد تحالفه مع مجلس النواب الليبي في طبرق، وقيادته لحملة عسكرية لقوات مواليه له في منتصف 2022، للسيطرة على طرابلس واسقاط حكومة عبد الحميد الدبيبة، بعد تعيينه رئيس للوزراء من قبل مجلس النواب الحالي، وبدعم من خليفة حفتر، لكن لم تنجح حملته العسكرية في الغرب حيث تمت هزيمة القوات الموالية له من قبل القوات التابعة لحكومة الدبيبة.
5- عقيلة صالح:
رئيس مجلس النواب الليبي ويعرف عنه دعمه لحفتر، حيث أعلن عقيلة صالح (77 عاما ) ترشحه للانتخابات الرئاسية يوم 17 نوفمبر 2021، درس القانون العام في بنغازي، ترأس عام 2014 مجلس النواب الذي تسلم السلطة التشريعية من المؤتمر الوطني العام، لا ينتمي إلى حزب سياسي، قاعدته الشعبية قبلية بالأساس وهي قبائل شرق ليبيا، عُرف بدعمه للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ولعملياته العسكرية، صادق صالح في سبتمبر 2021 على نص قانون الانتخابات الرئاسية، والذي قال منتقدوه في حينه، إنه تم بدون عرضه للتصويت في البرلمان، وإنه صمم على مقاس المشير حفتر، ما تسبب في توتر سياسي كبير.
فرضت عليه عام 2016 عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد أن رفض وهو على رأس البرلمان في طبرق، الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، رفعت عنه العقوبات في وقت مبكر عام 2020، مع إحراز تقدم في عملية السلام التي أفضت إلى تشكيل حكومة وحدة جديدة وتحديد مسار يقود إلى إجراء الانتخابات.
سيناريوهات مشهد الانتخابات الليبية ومستقبلها
وفقاً للمعطيات السابق ذكرها، فسنضع مجموعة من السيناريوهات، يعقبها المتوقع في حالة تم التوافق بين طرفي الصراع الليبي في الشرق والغرب، على عقد انتخابات رئاسية وهي:
الأول: تشكيل حكومة وحدة وطنية “تكنوقراط”
أن تشكيل حكومة وحدة وطنية “تكنوقراط” من الصعوبة بمكان تحقيقها، لكنها مطروحة في ظل الضغط الأممي على تشكيلها، رغم رفض سلطات الغرب على تشكيلها، فأن وجود حكومتين فعليتين، أحدهم معترف بها دوليا بقيادة الدبيبة، وأخرى لم يعترف بها دوليا بقيادة حماد، وتلقى دعما من الجنرال خليفة حفتر، والبرلمان الذي انبثقت منه.
لكن أذا تحقق هذا السيناريو، وتم التوافق بين سلطات الشرق والغرب الليبي، على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة شخصية محايدة، للأشراف واتمام عملية الانتخابات الرئاسية، ستواجه ليبيا أزمة حقيقية، في حالة التسليم بنتائج الانتخابات وتتمثل في مسارين مختلفين وهما:
1- فوز مرشح مع معسكر الغرب الليبي في الانتخابات الرئاسية
– فاذا سلمنا أن الانتخابات أجريت بنزاهة وشفافية، فأن حالة الانقسام الأمني والعسكري، ستكون عائق على أداء مهام أي مرشح من معسكر الغرب الليبي، ففي الشرق يسيطر عسكريا وأمنيا قوات تابعة لـ خليفة حفتر، ففي حالة إعلان فوز مرشح من الغرب الليبي، سيتم الاعتراض عليه وعدم أدائه لصلاحيته القانونية والدستورية، نظرا لحالة الاستقطاب الحاد الموجود في الشرق الليبي.
– أن وجود مليشيات مسلحة تتبع لشخصيات سياسية وعسكرية ليبية في الشرق، من السهل توجيهها لرفض الانتخابات، وعدم الاعتراف بنتائجها، وبالتالي انعدام صلاحية أي رئيس قادم من الغرب الليبي.
– كذلك وجود مجلس النواب في الشرق الليبي، بقيادة عقيلة صالح، والذي أعلن مسبقا عن ترشحه في الانتخابات التي كان من المقرر عقدها في عام 2021، يجعل منه عائقاً كبيراً في الاعتراف بشرعية رئيس منتخب من غرب ليبيا.
لأنه وبعد أن يتم انتخاب مجلس نواب جديد، يفقد على أثره عقيلة صالح صلاحياته التي أعطيت له من موقعه في مجلس النواب الحالي، فمن المرجح ان يرفض عقيلة التسليم الاثنين، بحجة عدم شرعية البرلمان الجديد، مستندا الي البند رقم 4 في المادة رقم 6 في الفصل الثاني من قانون الانتخابات، والتي تقول أذا لم تصح الانتخابات الرئاسية، فأن الانتخابات التشريعية في حكم العدم.
2 – فوز مرشح مع معسكر الشرق الليبي في الانتخابات الرئاسية
– لقد صدر بتاريخ 1 نوفمبر 2023 قانون جديد للانتخابات البرلمانية والرئاسة والذي صدر في الجريدة الرسمية، والذي نشرت بأمر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والذي يحتوي على قانون رقم 27 لسنة 2023م بشأن انتخاب مجلس الأمة، والقانون رقم 28 لسنة 2023م بشأن انتخاب رئيس الدولة، وبعد الاطلاع عليه وجد أنه به العديد من المواد الغير الدستورية، والتي ترسخ بما لا يدعى مجالا للشك أنها فصلت خصيصا للجنرال خليفة حفتر والتي ومنها:
1- المادة 15 في الفصل الخامس، ” شروط وإجراءات الترشح ” البند رقم 3 ينص على: ” لا يحمل جنسية أية دولة أخرى، إذا ترشح للجولة الثانية من الانتخابات” ورغم غموض هذه الفقرة، لكن وفقاً لفهمها فأن يسمح لمن يحمل جنسية دولة أخرى غير الليبية الترشح للانتخابات الرئاسية، ولكن أذا دخل للمرحلة الثانية من الانتخابات فيجب عليه التنازل عن جنسيته الأجنبية لاستكمال عملية الانتخاب، جاء ذلك في حين أن شروط الترشح لمجلس النواب في المادة رقم 17 في الفصل الخامس وفي البند رقم 2 الذي ينص على : ” أن يكون ليبيًا مسلماً، وألا يكون حاملا لجنسية دولة أخرى”.
2- ما يؤكد أن القانون الصادر من مجلس النواب تفصيلا لخليفة حفتر ما نصت عليه المادة رقم 17 في الفصل الخامس من قانون الخاص بشأن رئيس الدولة، والذي ينص في البند رقم 2 من المادة رقم 17 على الاتي : ” يجب على المترشح المتأهل للجولة الثانية أن يقدم إلى المفوضية خلال أسبوعين من إعلان النتائج النهائية للجولة الأولى إقراراً كتابياً مصدقاً عليه من محرر عقود يفيد عدم حمله جنسية دولة أجنبية، أو إفادة مصدقاً عليها من سفارة الدولة المانحة تثبت تقديم طلب التنازل النهائي عن جنسيتها، إذا كان ممن يحملون جنسية أجنبية، وتقوم المفوضية بتمكين بقية المترشحين من الاطلاع على المقدمة لها بهذا الشأن”
3- أما البند الـ 5 من المادة 17 في الفصل الخامس تنص على الاتي: “يعد المترشح للانتخابات الرئاسية – سواء كان مدنيا أو عسكريا – مستقيلا من وظيفته بقوة القانون بعد قبول ترشحه، وفي حال عدم فوزه في الانتخابات يعود إلى سابق وظيفته”.
– وفقاً للمواد السابق ذكرها في القانون الذي أصدرها مجلس نواب طبرق أنه قد أعد تفصيلا لـ خليفة حفتر، حيث أنه يحمل الجنسية الامريكية بجانب الليبية، ومن الواضح أنه لا يريد التنازل عنها ألا بعد التأكد من فوزه في الانتخابات الرئاسية، عند دخوله للجولة الثانية من الانتخابات، كما ذكر في البند الثاني من المادة 17 في قانون شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة.
– العوار الثاني واضح في المادة 17 في البند رقم 5، والذي ينص انه: “من حق أي مرشح عسكري أن يعود لوظيفته السابقة في حالة عدم فوزه في الانتخابات”.
وبالتالي إذا فاز مرشح أخر سواء كان من غرب ليبيا أو شرقها أو جنوبها، سيكون هناك منافس قوى له لا يمكنه من أداء مهامه، وهو خليفة حفتر، الذي يرأس القوات المتواجد في الشرق، والذي ينص القانون الجديد ” بحقه للعودة لمنصبه العسكري السابق في حالة عدم فوزه”، وبالتالي سنعود من جديد لحالة الانقسام بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب.
وجديرا بالذكر، فإذا سلمنا انه حدث توافق فعلي بين سلطات الغرب والشرق والجنوب، على قاعدة الانتخابات والتسليم بنتائجها، وتم اختيار مرشح وفقاً لانتخابات ديمقراطية شفافة فأن نتيجة هذه الانتخابات ستسفر عن احتمالين لا ثالث لهم:
هو أما ان تذهب ليبيا لدكتاتورية رئاسية، كما في حالة تونس وتسلط قيس سعيد على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والمبرر أنه جاء بالانتخابات، وسيحدث ذلك لعدم امتلاك الدولة الليبية مؤسسات تشريعية تحاسب الرئيس.
اما الاحتمال الثاني وهو فوز مرشح بخلفية عسكرية، ستتحول ليبيا لدكتاتورية عسكرية شبيها بالحالة المصرية بعد صعود السيسي للحكم.
وهذا الامر من عيوب ربط الانتخابات الرئاسية بالتشريعية في ان واحد، قبل اختيار نظام الحكم الذي يختاره الشعب عبر دستور توافقي معتمد ومتفق عليه.
الثاني: عقد انتخابات في ظل وجود حكومتين في الشرق والغرب
– نظرا لحالة الانقسام السياسي والعسكري والاجتماعي في ليبيا، فإذا تمت الانتخابات، فأن ليبيا ستواجه حالة شرسة من الانقسام أكثر مما هو قائم، مما قد يؤدي الي إعلان فوز مرشحين أحدهم في الغرب الليبي، والأخر في الشرق الليبي، نتيجة انعدام الحيادة وشفافية الانتخابات، حتى لو تمت تحت أشراف دولي.
فالشرق الليبي يسيطر عليه خليفة حفتر بقدراته العسكرية والاستخباراتية الكبيرة ونفوذه القوي في المجتمعات القبلية، وهنا ذكرت خليفة حفتر لأنه أعلن مسبقاً عن ترشحه، وبما أنه يتمتع بثقل سياسي وعسكري في شرق ليبيا، فمن المؤكد أنه سيعلن فوزه بالانتخابات، وبأنه قد حظي على النسبة الأكبر من الأصوات، وربما ستتم عمليات تزوير الانتخابات لعدم وجود مؤسسات مجتمع مدني شفافة تشرف على العملية الانتخابية.
كما سيعلن عبد الحميد الدبيبة المرشح الأكثر حظاً في الغرب بالفوز بالانتخابات، لما يتمتع به من شعبية كبيرة في الغرب، كما انه رئيس للوزراء ويملك كل مفاتيح الفوز بالانتخابات عمليا.
ونظراً لان هذا السيناريو من أضعف السيناريوهات لكنه مطروح في ظل الخلاف حول تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة موحدة لليبيا، ومع إصدار برلمان طبرق بتاريخ 1 نوفمبر 2023 قانوناً جديداً للانتخابات البرلمانية، فمن المتوقع أن يصدر المجلس الأعلى قانوناً هو الأخر، في حالة أصرار برلمان طبرق على تنفيذ عملية أجراء الانتخابات.
الثالث: استمرار حالة الانقسام السياسي وعدم عقد الانتخابات
يعد هذا السيناريو في ظل متابعتنا للوضع السياسي الليبي بما فيها من حالة استقطاب حادة بين معسكري السلطة في الشرق والغرب الليبي، فالغرب لديه حكومة معترف بها دوليا برئاسة الدبيبة، كما لديه مؤسسة المجلس الرئاسي الليبي برئاسة محمد المنفى، ويقوم المجلس الرئاسي بدور رئاسة ليبيا حيث مثلها في المحافل الدولة، كما لدى سلطات الغرب المجلس الأعلى للدولة، والذي يرأسه محمد تكاله ويقوم بدور استشاري لبرلمان طبرق نظريا.
أما الشرق الليبي، فلديه حكومة برئاسة أسامة حماد، المعين من قبل برلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح، والذي يقوم هو ومجلسه بسن القوانين لحكومة الشرق، كما يوجد المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش العربي الليبي _ كما يسميه، وهو حاليا يعتمد نفسه بمثابة الرئيس الفعلي للشرق الليبي، وبالفعل له الدور الأكبر بجانب عقيلة صالح في التحكم في المشهد السياسي الليبي في الشرق، ورغم انه غير معترف به دوليا لكنه يستقبل في مجموعة من العواصم الخارجية كقائد للجيش العربي الليبي، ويعتبرونه من الفاعليين الرئيسيين في المشهد السياسي في ليبيا.
في ظل هذا المشهد، وحالة الاستقطاب، وعدم وجود قيادة واحد تسيطر على كامل التراب الليبي، فأننا أمام مشهد لا يبشر بعقد انتخابات في المستقبل القريب.
الرابع: وضع قانون توافقي ملزم لعقد انتخابات برلمانية بين قيادات الشرق والغرب
يعد هذا السيناريو طرحا جديداً، يقترحه المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية على قيادات الدولة الليبية، حيث يرتكز هذا السيناريو في حالة تبنيه على:
– عقد انتخابات برلمانية بقانون توافقي بين قيادات الغرب والشرق الليبي على كامل التراب الليبي بأشراف إقليمي ودولي.
– من مهام هذا البرلمان، أعداد دستور للدولة الليبية في غضون عاماً من انعقاده.
– قيام البرلمان باختيار نظام الحكم الذي يناسب الدولة الليبية، سواء كان برلمانياً أو رئاسياً أو فيدرالياً أو شبه رئاسي.
– وضع قانون للانتخابات الرئاسية، في حالة الاختيار ما بين النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي.
– وضع قانون ينظم الجيش الليبي تحت قيادة واحدة، والعمل على ضم ودمج التنظيمات المسلحة تحت هيكل موحد للجيش الليبي، بقيادات مهنية والتي يزخر التراب الليبي بها.
– القيام باختيار رئيس للوزراء، يقوم بمهام السلطة التنفيذية في الجلسة الأولى لانعقاده، ليقوم بتشكيل حكومة مؤقتة لمدة عام، لإدارة شؤون البلاد التنفيذية ولحين قيام البرلمان بدوره بأعداد دستور توافقي، واختيار نظام الحكم، ووضع قانون الانتخابات الرئاسية، أذا تم الاستقرار على النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي.
أما بخصوص السيناريو المرجح في ظل حالة الضبابية التي تشهدها الدولة الليبية هو السيناريو الثالث وهو ” السيناريو الثالث: استمرار حالة الانقسام السياسي وعدم عقد الانتخابات “.
واستدلالنا على ذلك هو اصدار مجلس نواب طبرق لقانون جديد للانتخابات بتاريخ 1 نوفمبر 2023، دون توافق مع سلطات الغرب الليبي، حيث ينص القانون على أجراء الانتخابات في غضون 240 يوماً من تاريخ صدور قوانين الانتخابات وفقاً للتسلسل الآتي:
1- تجرى انتخابات رئيس الدولة من جولتين، يتأهل من خلالها الفائزان الأول، والثاني بأعلى الأصوات الصحيحة للجولة الثانية بصرف النظر عن النسبة التي حققها كل مترشح.
2- تجرى انتخابات مجلس الشيوخ مع الجولة الأولى لانتخابات رئيس الدولة، وتجرى انتخابات مجلس النواب مع الجولة الثانية لانتخابات رئيس الدولة، طبقا للفقرة الأولى من هذه المادة خلال 35 يوما من تاريخ انتهاء الطعون، وصدور الأحكام القضائية النهائية الخاصة بالتأهل للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.
لكن ما جاء في البند رقم 4 في المادة رقم 6 في الفصل الثاني من قانون الانتخابات تثير دهشة وعدم اليقين من اجراء الانتخابات، وتطبيق قانون الانتخابات الذي أقره مجلس نواب طبرق، حيث نصت على أنه ” في حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية لأي سبب كان، تعد جميع الإجراءات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، وانتخابات مجلس الأمة كأن لم تكن “.
ووفقا لذلك فأن حالة الانقسام مازالت مستمرة مما يؤجل عملية انعقاد انتخابات رئاسة، وبرلمانية في المستقبل القريب.
لكن تطرح جملة من الأسئلة حول مستقبل الانتخابات الليبية، هل من الممكن عقدها؟؟ والآلية التي من الضروري اتباعها ؟؟،
لذلك نقترح ” السيناريو الرابع ” والذي يدعو إليه المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، والذي يسعى لإيصاله لكافة مكونات المجتمع الليبي، لمحاولة انهاء حالة الانقسام، وبناء أرضية مناسبة للحفاظ على الدولة الليبية والأمن القومي الليبي، والذي يدعو إلى وضع قانون توافقي ملزم لعقد انتخابات برلمانية بين قيادات الشرق والغرب.