تقارير وتقديراتتقدير الموقف

الرؤية الإستراتيجية للنظام المصري تجاه الحرب في غزة

وحــــــــــدة الدراســـــــات والأبحــــــــــــاث 
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

تتعامل القيادة المصرية مع الحرب في قطاع غزة باعتبارها أزمة تمس جوهر أمنها القومي، وتتبنى استراتيجية مزدوجة لإدارتها. علناً، تسعى مصر من خلال خطاباً سياسياً ودبلوماسياً يرتكز على ثوابت واضحة، أهمها الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين. أما على الأرض، فتنتهج سياسة ردع عسكري محسوبة عبر حشد قوات غير مسبوق في سيناء، مع الإبقاء على قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل لمنع خروج الأزمة عن السيطرة.

هذه الاستراتيجية لا تهدف للتصعيد، بل لفرض خطوط حمراء وإجبار الأطراف الفاعلة على الاعتراف بمركزية الدور المصري في أي تسوية مستقبلية. يحكم هذا الموقف أربع دوافع رئيسية:

أولها، منع تحول سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين، والثاني، الحفاظ على القيمة الاستراتيجية لمعاهدة السلام مع إسرائيل، والثالث، استغلال الأزمة كفرصة جيوسياسية لاستعادة دور مصر الإقليمي، والرابع، القضاء على سيطرة حماس على قطاع غزة التي يصنفها النظام المصري أنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمون ولذلك يناصبها العداء الكامل.

السيناريوهات والتوقعات

بناءً على التحليل السابق للدوافع والمواقف المصرية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الحرب في قطاع غزة.

السيناريو الأول (مرتفع الاحتمال)

الجمود الممتد وإدارة الصراع 

في هذا السيناريو، يستمر الوضع الحالي من المراوحة الاستراتيجية، وستواصل إسرائيل عملياتها العسكرية منخفضة الشدة في مناطق متفرقة من قطاع غزة، دون تحقيق حسم نهائي، وفي المقابل تستمر الأزمة الإنسانية في التفاقم واستمرار القيود على دخول المساعدات من جانبها، وفي المقابل ايضا، تواصل مصر حشدها العسكري على الحدود كقوة ردع استراتيجي لمنع أي تجاوز للخطوط الحمراء،  وتستمر في دورها المحوري كوسيط دبلوماسي وممر رئيسي للمساعدات الإنسانية، ويمكن أن، يتم التوصل إلى هدن مؤقتة ومتقطعة بوساطة مصرية-قطرية-أمريكية، يتم خلالها تبادل محدود للأسرى والمحتجزين، لكن لا يتم التوصل إلى اتفاق دائم وشامل لإنهاء الحرب.

ينبع هذا السيناريو، مع عدم قدرة أي طرف على فرض شروطه بالكامل، فإسرائيل غير قادرة على تحقيق هدفها المعلن بالقضاء التام على حماس دون تكبد خسائر فادحة وتصعيد إقليمي، وحماس غير قادرة على كسر الحصار بشكل كامل، ومصر غير راغبة على الإطلاق في الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة من خلال فتح المعابر وإدخال المساعدات.

التداعيات على مصر، سيؤدي هذا السيناريو إلى استمرار الضغط الأمني على حدود مصر الشرقية، واستمرار العبء اللوجستي والإنساني المتمثل في إدارة المساعدات والضغط الإعلامي والرأي العام العالمي حول منع مصر لدخول المساعدات.

السيناريو الثاني (متوسط الاحتمال)

توغل إسرائيلي محدود في رفح واحتواء مصري للأزمة

في هذا السيناريو، تقرر الحكومة الإسرائيلية، تحت ضغط من اليمين المتطرف داخلها، تنفيذ عملية عسكرية محدودة زمنياً وجغرافياً في مدينة رفح الفلسطينية، ويتم هذا التحرك بعد التوصل إلى تفاهمات أمنية هادئة وغير معلنة مع مصر، كما ألمحت بعض التقارير بشأن إخلاء المدنيين الفلسطينيين من مناطق العمليات إلى مناطق آمنة أخرى داخل قطاع غزة (مثل منطقة المواصي)، وليس باتجاه سيناء.

إن الدوافع لذلك، هي حاجة الحكومة الإسرائيلية لتحقيق ” صورة نصر ” رمزية من خلال السيطرة على آخر معاقل حماس المتبقية، وتدمير ما تبقى من شبكة الأنفاق.

التداعيات على مصر، سيضع هذا السيناريو مصر في موقف سياسي ودبلوماسي حرج للغاية، حيث ستقوم القاهرة بإدانة العملية علناً وبأشد العبارات للحفاظ على مصداقيتها، لكنها على المستوى العملياتي، ستكثف من إجراءاتها الأمنية والعسكرية على طول الحدود لمنع أي تدفق للاجئين عبر السياج الفاصل بأي ثمن، وسترتفع حدة التوتر العسكري على الحدود إلى أعلى مستوياتها، مع وجود خطر كبير لحدوث احتكاك عسكرية.

السيناريو الثالث (منخفض الاحتمال)

انهيار الحدود ومواجهة محدودة

هذا هو ” السيناريو ” الذي تعمل مصر بكل طاقتها على منعه، في هذا السيناريو، يؤدي هجوم إسرائيلي واسع النطاق وعشوائي على رفح، دون أي تنسيق أو ترتيبات مسبقة لإخلاء المدنيين، إلى انهيار كامل للنظام الإنساني ودفع جماعي لعشرات أو مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو الحدود المصرية، واختراقها بالقوة.

الدوافع ستكون، قرار متعمد من قبل عناصر متطرفة في الحكومة الإسرائيلية، لفرض التهجير كأمر واقع، معتقدين أن العالم ومصر سيقبلان به في نهاية المطاف.

التداعيات على مصر، سيجبر هذا السيناريو القوات المسلحة المصرية على اتخاذ قرار مصيري: إما استخدام القوة المميتة ضد مدنيين فلسطينيين لمنعهم من العبور، وهو ما سيكون له تداعيات سياسية وأخلاقية كارثية على مصر، أو السماح بخرق سيادتها وحدودها، وهو ما يمثل هزيمة استراتيجية، وفي حال حدوث اشتباكات على الحدود لمنع تدفق اللاجئين، قد يؤدي ذلك إلى احتكاك مباشر ومواجهة عسكرية محدودة بين القوات المصرية والإسرائيلية.

مثل هذا التطور سيؤدي إلى انهيار عملي لمعاهدة السلام، لكن هناك معلومات تؤكد استعداد مصر لمثل هذا السيناريو، والدليل العديد من المباني والمخيمات الجاهزة لاستقبال الفلسطينيين والتي تم الاعداد لها منذ بداية الحرب.

 السيناريو الأكثر ترجيحاً ” الأول ”

السيناريو الأكثر احتمالاً هو الجمود الممتد وإدارة الصراع “، في هذا السيناريو، تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية منخفضة الشدة، مع استمرار الأزمة الإنسانية، دون حسم نهائي، وتواصل مصر استخدام ثقلها الدبلوماسي والعسكري لمنع تفجر الأوضاع، خاصة سيناريو التهجير، مع نجاحها في التوصل إلى هدن مؤقتة ومتقطعة، هذا الوضع يبقي الضغط الأمني على مصر، لكنه في المقابل يعزز دورها كوسيط لا يمكن تجاوزه، ويمكنها من تجنب السيناريوهات الكارثية المتمثلة في حرب مباشرة أو تدفق جماعي للاجئين.

لتحميل الملف من هنا ….

 

زر الذهاب إلى الأعلى