تقارير وتقديراتتقدير الموقف

كارثة درنة.. على عاتق من تقع المسؤولية السياسية؟

كارثة درنة.. على عاتق من تقع المسؤولية السياسية؟

تمهيد:

نفت السلطات في شرق ليبيا فرض قيود على الاتصالات في أعقاب الاحتجاجات التي حدثت بتاريخ 20 سبتمبر 2023 في مدينة درنة ضد طريقة تعامل حكومة الشرق مع الكارثة على الرغم من أن الاحتجاجات لم تستهدف حفتر بشكل صريح حتى الآن ، لكن يبدو أن الكثير من الناس ينظرون إلى عواقب الفيضانات بأنها دليل على سوء الحكم والفساد وعدم الاهتمام بصيانة البنية التحتية ، وعدم اتخاذ حكومة الشرق الليبي المكلفة من برلمان طبرق ودعم خليفة حفتر والتي يقودها رئيس الوزراء ” أسامة حماد “.

على مر السنين الماضية راكمت عائلة حفتر الثروة والسلطة من خلال صفقات مبهمة ، دون ضمان الحد الأدنى من الخدمات والبنية التحتية الأساسية للسكان، على سبيل المثال، لم تقم باستثمارات كبيرة لإعادة بناء درنة بعد الدمار الذي سببته الحرب التي اندلعت بين عامي 2016 و2018 . لكن اليوم بعد كارثة الإعصار ( دانيال)، يحاول حفتر تغيير صورته مرة أخرى ، وتقديم صورة إيجابية وفعالة أمام الشركاء الدوليين وبالتعاون مع حكومة غرب ليبيا لإدارة الكارثة.

وفي الوقت نفسه ، تم فتح تحقيق في ليبيا في انهيار سدي درنة وفي الاستثمارات الكبيرة التي كان ينبغي تخصيصها على مر السنين لصيانة البنية التحتية ، وفي الأيام الأخيرة ، أوقفت حكومة شرق ليبيا عمدة مدينة درنة ، عبد المنعم الغيثي ، وجميع أعضاء مجلس المدينة عن مهامهم، متهمة إياهم بتجاهل تقارير عن المخاطر المرتبطة بسوء حالة صيانة السدود كما تم تحويل 16 مسؤولا سابقا وحاليا للتحقيق وتم حبس 8 منهم بقرار من النائب العام الليبي ومنهم.

  • رئيس هيئة الموارد المائية السابق وخلفه
  • مدير إدارة السدود الحالي وسلفه.
  • رئيس قسم تنفيذ مشروعات السدود والصيانة.
  • رئيس قسم السدود بالمنطقة الشرقية.
  • رئيس مكتب الموارد المائية- درنه.
  • عميد بلدية درنه.
  • عضوي مجلس بلدية درنه.
  • مدير مكتب مشروعات إعادة إعمار درنه.
  • رئيس اللجنة الفنية المكلف بتنفيذ مخطط إعمار درنه.

لكن في ظل الرقابة الصارمة على إدارة حفتر لحالة الطوارئ المفروضة في شرق ليبيا ، فمن غير المرجح أن تكشف التحقيقات في الكارثة على عاتق من تقع المسؤولية الحقيقة لهذه الكارثة لكننا في السطور التالية سنوضح هذه الإشكالية.

الأوزان النسبية للفاعلين السياسيين في ليبيا:

ابتداء للتعرف على من تقع المسؤولية في كارثة درنة يجب معرفة نطاق المسؤولية السياسة ، وبصورة مختصرة توجد في ليبيا حالياً بسبب الأوضاع السياسية المعقدة سلطتان منقسمة جغرافيا إلي:

سلطات الغرب : مناطق الغرب الليبي تقع تحت مسؤولية رئيس الوزراء “عبد الحميد الدبيبة” ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية “محمد تكالة” ، ” محمد المنفي” رئيس المجلس الرئاسي الليبي ، تسيطر غرب ليبيا على العديد من مدن الغرب الليبي وتتولى مسؤولياتها السياسية والتنفيذية ، وهي السلطان المعترف بها دولياً كسلطات تمثل ليبيا في المحافل الدولية، لكنها واقعيا تفقد السيطرة السياسية والعسكرية والتنفيذية على مناطق الشرق الليبي.

سلطات الشرق : مناطق الشرق الليبي ، تقع تحت مسؤولية “خليفة حفتر” بمؤسساته العسكرية ، وبرلمان طبرق بسلطاته السياسية ، وحكومة ” أسامة حماد ” ووزرائه بسلطاته التنفيذية والسياسية.

ومن هنا يمكننا القول إن الوزن النسبي لتوزيع السلطات والمسؤولية السياسية والتنفيذية تقع بصورة شبه كاملة على عاتق سلطات الشرق ، ممثلة في ” خليفة حفتر” وأبنائه وبرلمان طبرق وحكومة ” أسامة حماد ” المدعومة منهم، لذلك فإن أوجه القصور في مواجهة كارثة الإعصار (دانيال) تتحملها بصورة شبه كاملة ، مع عدم إغفال المسؤولية السياسية لسلطات الغرب المعترف بها دولياً وضعف تدخلها السياسي لمواجهة الكارثة.

الإعصار دانيال والتحذيرات المسبقة:

كما أسلفنا تقع المسؤولية السياسية والتنفيذية على عاتق سلطات الشرق الليبي ، ولتحديد اطار تلك المسؤوليات يجب توضيح بعض الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة كارثة الإعصار، والتعقيب على مدى جدوها لتجنب وقوعها أو التخفيف من حدتها أو تجنب نتائجها.

في يوم 5 سبتمبر/أيلول 2023 تشكل الإعصار دانيال في البحر الأبيض المتوسط، وفي غضون أسبوع، تطور إلى إعصار ميديكان أو إعصار البحر الأبيض المتوسط ، ووصل نحو السواحل الليبية ودخل اليابسة الليبية يوم 10 سبتمبر/أيلول 2023 .

لكن في يوم 4 سبتمبر/ أيلول 2023 رصد تقرير نشره موقع ويلز أون لاين ، توقعات بحدوث فيضانات كبيرة في اليونان، قد تتطور إلى إعصار شبيه بالإعصار الاستوائي فوق جنوب البحر الأبيض المتوسط بالقرب من صقلية ومالطا أو باتجاه الجنوب ، بالقرب إلى الساحل الليبي ، مما سبق يتضح أن الإعصار ( دانيال) قد تم التحذير منهم قبل دخوله الأراضي الليبية بـ 6 أيام مما يتيح للسلطة الليبية الوقت الكافي لكي تتخذ التدابير المناسبة لجنب هذه الكارثة ، لكن مع حدث لم يكن متناسباً مع حجم المخاطر التي سيسببها الإعصار، وفي هذا السياق وجب سرد مجموعة من الشواهد حتى نستطيع تحديد المسؤولين الحقيقيين عن الكارثة ، لذلك سنستعرض أهم الإجراءات التي اتخذتها حكومة الشرق الليبي المسؤولة سياسياً وتنفيذيا على إدارة مدن الشرق الليبي ، والتي كان من أهمها ما يلي:

  • قبل الكارثة يوم الـ 9 من سبتمبر/ أيلول 2023، أعلن المركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا تحذيرات بشأن التقلبات الجوية ، لكنها اكتفت بدعوة المواطنين لأخذ الحيطة والحذر
  • بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول 2023، أعلن الهلال الأحمر الليبي فرع درنة وبالتحديد الساعة 4:27م تحذيرا لسكان المدينة من سوء الأحوال الجوية واتخذ مجموعة من التدابير لم يكن من بينها أخلاء المنازل بل كان التنويه بتجنب الخروج من المنازل بأي شكل من الأشكال ، لكن في نفس اليوم الساعة 8:40م نشر الهلال الأحمر الليبي فرع  درنة تحذير آخر وجاء نصه كالتالي: ( ننوه على جميع المواطنين القاطنين بالأماكن المعرضة للمخاطر والكوارث الطبيعية والمتوقعة ان تدوم لمدة يومين ، عليه ومنطلقاً من دورنا الإنساني،
  • الرجاء التأكيد على إخلاء هذه الأماكن لكي لا يكون هنالك أي أضرار لا سمح الله ، وعليه وبالتعاون مع المجلس البلدي درنة ، ومديرية أمن درنة وتحت إشراف اللواء 166 مجحفل ، ننوه بأن الأماكن ذات الأولوية في الخطورة هي كالآتي :( كامبو الجبل- كامبو البخاريةمجرى الوادي المقابل لغاية بومسافر – وادي درنة- حي الاصطلات بالساحل الشرقي- حي الزنتان- حي السيدة خديجة ).

لكن يبدو أن الهلال الأحمر عدل من خطته، إذ قام  متطوعون بجولات وسط درنة لدعوة السكان إلى إخلاء منازلهم، بينما حددت المنظمة الإغاثية سبعة أحياء كأماكن عالية الخطورة. يتضح مما سبق التخبط في إدارة الازمة فكيف للسكان أن يقوموا بأخلاء منازلهم ذاتيا بعد قرب ساعات قليلة من اقتراب الكارثة منهم ، وأين دور الأجهزة الأمنية والتنفيذية في عمليات الاخلاء؟.

  • في يوم الـ 9 من سبتمبر / أيلول 2023 أصدرت حكومة ” أسامة حماد “، شرق ليبيا قرارًا بتكليف فيه وزير الداخلية بإصدار تعليماته للحد من التنقل على طول الطرق الساحلية، كما فرضت وزارة الداخلية بقرار من وَزير الدَّاخلية بحكومة ” أسامة حماد” ، اللواء “عصام أبوزريبة” حظرًا للتجوال بدلاً من الأخلاء، وتنفيذًا لتعليمات قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر الذي أمر بتشكيل غرفة طوارئ عسكرية برئاسة ابنه صدام حفتر.
  • بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2023 أصدر رئيس مجلس وزراء حكومة الشرق ” أسامة حماد” القرار رقم (71) لسنة 2023 بشأن تشكيل اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة مكون 16 عضواً برئاسته وبعضوية:
الاسم الصفة
1 السيد/ أسامة حماد – رئيس مجلس الوزراء رئيساً
2 السيد/ عصام أبو زريبة – وزير الداخلية عضواً
3 السيد/ عثمان عبد الجليل – وزير الصحة عضواً
4 السيد/ وزير الموارد المائية عضواً
5 السيد/ سامي الضاوي – وزير الحكم المحلي عضواً
6 السيد/ نصر الدين – وزير الاشغال العامة عضواً

 

7 السيد/ وزير الكهرباء والطاقة المتجددة عضواً
8 السيد/ وزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة ومجلس الوزراء عضواً
9 السيد/ وزير الطيران عضواً
10 السيد/ مستشار الأمن القومي لرئيس مجلس الوزراء عضواً
11 السيد/ رئيس لجنة أعادة الأعمار والاستقرار عضواً
12 السيد/ مندوب عن النيابة العامة عضواً
13 السيد/ رئيس غرفة عمليات القوات البرية بالقيادة العامة عضواً
14 السيد/ رئيس أركان الوحدات الأمنية بالقيادة العامة عضواً
15 السيد/ رئيس جهاز الأمن الداخلي عضواً
16 السيد/ مندوب جهاز المخابرات العامة عضواً

لقد جاء في نص القرار: ” تتولى هذه اللجنة إعلان حالة الطوارئ ، واتخاذ الاستعدادات القصوى لأية تداعيات طارئة قد تحدث، وفقاً للتوقعات الجوية المعلن عنها آنذاك، ويناط باللجنة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والعاجلة بحسب ما قد تتطور إليه الأوضاع ، ولها استخدام كافة الإمكانات وإصدار التعليمات اللازمة حفاظاً على أمن وسلامة المواطن، على أن تكون اللجنة في حالة انعقاد دائم طوال أيام الأزمة. ونص القرار أيضاً على اعتبار سريان عمل اللجنة من تاريخ صدوره “.

كانت قرارات حكومة السيد ” أسامة حماد ” رئيس وزراء الشرق الليبي المكلف من برلمان طبرق والتي أصدرتها العديد من المؤسسات التابعة لحكومته ، والتي كان أهمها تشكيل اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة من أهم القرارات السياسية التي تم اتخاذها قبل وقوع الكارثة بـ 4 أيام، وهو من المعتبر أنه وقت كاف لاتخاذ التدابير وتقدير حجم الكارثة ومدى تبعاتها الكارثية على المواطنين الليبيين في المدن المنكوبة.

إدارة الكوارث والمسؤولية السياسية:

للتعرف على أوجه القصور فيما حدث في مدينة درنة الليبية جراء العاصفة (دانيال)، وجب علينا أولا التعرف على كيفية إدارة الكوارث الطبيعية، لأن إدارة الطوارئ السريعة أو إدارة الكوارث هي قواعد التعامل مع وتجنب المخاطر، وهذه القواعد التي تشمل التحضير لحالات الكوارث قبل وقوعها، والاستجابة للتعامل مع الكوارثعلى سبيل المثال، الإخلاء في حالات الطوارئ، والحجر الصحي، وإزالة التلوث الشامل، وما إلى ذلك فالإدارة الفعالة للطوارئ تعتمد على تكامل شامل لخطط الطوارئ على جميع المستويات الحكومية وغير الحكومية المشاركة.

من المتعارف عليه أن أي لجنة يتم تشكيلها لمواجهة كارثة طبيعية يجب أن تكون لديها الخبرة الكافية لإدارة الكوارث، فإدارة الطوارئ في حالة الكوارث تشمل أربع مراحل والتي أستقر عليها الخبراء وهي على التوالي:

  • التخفيف من حدة الكارثة.
  • الاستعداد للكارثة.
  • الاستجابة للكارثة.
  • التعافي من الكارثة.

التخفيف من حدة الكارثة:

تهدف جهود التخفيف من حدة الكارثة منع تطور المخاطر والحد من آثار الكوارث عند وقوعها، وتختلف مرحلة تخفيف الحدة عن المراحل الأخرى لأنها تركِز على اتخاذ التدابير طويلة الأجل للحد من أو القضاء على الخطر، كما يمكن اعتبار تطبيق استراتيجيات تخفيف الحدة جزءا من عملية التعافي إذا ما طبقت بعد وقوع كارثة.

ويمكن أن تكون تدابير تخفيف الحدة هيكلية وغير هيكلية ، فالتدابير الإنشائية تستخدم الحلول التكنولوجية، مثل إنشاء سدود لمنع الفيضانات، والتدابير غير الهيكلية تشمل التشريع ، وتخطيط استخدام الأراضي مثل تعيين الأراضي غير الأساسية مثل الصحاري لاستخدامها كمناطق لتصريف الفيضانات ، مرحلة تخفيف الحدة هو الأسلوب الأكثر فعالية من حيث التكلفة للحد من أثر الأخطار.

الاستعداد للكارثة:

تعتبر دورة مستمرة من التخطيط والتنظيم والتدريب والتجهيز، والممارسة العملية وتقييم وتحسين الأنشطة لضمان التنسيق الفعال وتعزيز القدرات للمنع والحماية والاستجابة لها ، والتعافي، والتخفيف من حدة الكوارث الطبيعية.

في مرحلة الاستعداد يضع  مديرو الطوارئ خطط عملٍ لإدارة  ومواجهة المخاطر التي يتعرضون لها واتخاذ الإجراءات اللازمة لبناء القدرات الضرورية اللازمة لتنفيذ مثل هذه الخطط.

فتدابير الاستعداد الشائعة تتضمن:

  • خطط التواصل باستخدام مصطلحات وأساليب سهلة الفهم.
  • الصيانة السليمة وتدريب خدمات الطوارئ ، بما في ذلك الموارد البشرية الشاملة مثل فرق الاستجابة لطوارئ المجتمع.
  • تطوير وممارسة أساليب تحذير السكان في حالات الطوارئ إلى جانب ملاجئ الطوارئ وخطط الإخلاء.
  • التخزين والجرد، والحفاظ على إمدادات ومعدات الكوارث وتطوير مؤسسات تدريب المتطوعين في صفوف السكان المدنيين.

قد تربك حالات الطوارئ الشاملة عمال الطوارئ المحترفين وقد تتغلب عليهم ، لذلك فالمتطوعين المدربين والمنظمين والمسؤولين قيمتهم مهمة للغاية ، فمنظمات مثل فرق الاستجابة لحالات طوارئ ، والصليب الأحمر هي مصادر جاهزة للمتطوعين المدربين.

الاستجابة للكارثة:

الاستجابة مرحلة الاستجابة وتشمل تعبئة خدمات الطوارئ الضرورية وأول المستجيبين في منطقة الكارثة ، هذا ومن المرجح أن تشمل الموجة الأولى من خدمات الطوارئ الأساسية ، مثل رجال الإطفاء والإنقاذ والشرطة وطواقم الإسعاف وتدخل القوات المسلحة.

التعافي من الكارثة:

والهدف من مرحلة الانتعاش هو استعادة المناطق المتضررة إلى وضعها السابق، وهو يختلف عن مرحلة الاستجابة في تركيزه ، مثل إعادة بناء الممتلكات التي دمرت ، وإعادة العمل، وإصلاح البنية التحتية الأساسية الأخرى.

بعد إيضاح كيفية التعامل من الكوارث ومراحل إدارة الطوارئ في حالة الكوارث ، يأتي السؤال هل تم التعامل بحرفية في التعامل مع كارثة الإعصار ( دانيال) من قبل المسؤولين الحكوميين والعسكريين في الشرق الليبي ، سنضع في السطور التالية مجموعة من المساقات تطبيقاً لما سبق ذكره على الإجراءات التي اتخذتها حكومة “أسامة حماد” المكلفة من برلمان طبرق.

لن نتطرق في تقييمنا للإجراءات تطبيقا على المرحلة الأولى من مراحل إدارة الكوارث وهي مرحلة – التخفيف من حدة الكارثة- حتى لا نحمل المسؤولين الحاليين تقصير الحكومات السابقة ، رغم أن هذه الفرضية لا تعفيهم من المسؤولية ، خصوصاً ما حدث من انهيار سدي درنة والذي كان له الأثر الأضخم في عدد الوفيات والضحايا،

لكننا سنضع استفهاما بسيطا في هذا السياق ، وهو على من تقع المسؤولية السياسية والتنفيذية للإشراف على حالة السدين ، ومتابعة مدى صلاحيتهم وعمليات صيانتهم؟

الاستعداد للكارثة وأوجه القصور

بتاريخ 7 سبتمبر/ أيلول 2023 أصدر رئيس مجلس وزراء حكومة الشرق ” أسامة حماد” القرار رقم (71) لسنة 2023 بشأن تشكيل اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة مكون 16 عضواً برئاسته.

تشكيل اللجنة وغياب المختصين:

بالنظر لتشكيل هذه اللجنة لإدارة الكارثة سنجدها أنها من القرارات الجيدة لسرعة الاستجابة من حالة الطوارئ ، لكننا إذا نظرنا لتشكيل هذه اللجنة سنجد ان بها العديد من الإشكاليات وهي:

  • عدم وجود خبراء متخصصين في أدارة الكوارث في تشكيل اللجنة.
  • عدم وجود رئيس الهلال الأحمر الليبي من ضمن أعضائها.
  • عدم وجود مدير إدارة السدود او من ينوب عنه في التشكيل رغم ان التهديد الحقيقي للعاصفة كما ذكرت هيئة الأرصاد الجوية الليبية هو تهديد حدوث فيضانات في المنطقة الشرقية.
  • غياب عمداء البلديات المهددة من قبل الاعصار في تشكيل اللجنة أو من ينوب عنهم.
  • تشكيل لجنة طارئة وموازية لهذه اللجنة من قبل ” خليفة حفتر” برئاسة ابنه صدام رغم انها قد تكون لجنة فرعية او عسكرية للتعاطي مع الكارثة لكن له مدلول أخرى ، وهو عملية تشتيت الجهود وعدم وجود قيادة مركزية واحدة لإدارة حالة الطوارئ المعلنة مما يهدد بتضارب القرارات والإجراءات على المستوى التنفيذي للتعامل مع حالة الطوارئ.

تضارب الإجراءات المتخذة من قبل اللجنة العليا للطوارئ

بعد سردنا في بداية الورقة لمجموعة الإجراءات التي اتخذتها حكومة ” أسامة حماد ” من قبل أجهزته التنفيذية نستنتج مجموعة من المؤشرات التي كان الدور الأكبر لتفاقم الكارثة وهي:

  • البطء في التعبئة العامة لمواجهة الكارثة ويتضح ذلك أن اللجنة تم تشكيلها يوم 7 سبتمبر/ أيلول 2023 لكن الإعلان عنها في أول مؤتمر صحفي لها بعد تشكيلها بـ 3 أيام يوم 9 سبتمبر/ أيلول 2023 من خلال مؤتمر صحفي تحدث فيه وزير الصحة عثمان عبد الجليل، ووزير الداخلية عصام أبو زريبة، ووزير الطيران المدني ووزير الموارد المائية.
  • لماذا لم تتم عمليات متابعة وكفاءة السدود سواء في درنة أو غير ومدى تحملها وقدرتها على استيعاب الفيضانات المتوقعة ، رغم إعلان وزير الموارد المائية في أول مؤتمر صحفي أنا الوزارة على أهبة الاستعداد لمواجهة الفيضانات.
  • لماذا لم يتم أخلاء المناطق السكنية المهددة بخطر الفيضانات في وادي درنة ، حيث أعلن وزير الداخلية في أول مؤتمر صحفي عن فرض حظر التجوال وتنفيذ عمليات أخلاء للمناطق المتوقع حدوث فيضانات بها والتي كان من أهمها وادي درنة القريب من الساحل.
  • تحذير وزير الطيران المدني للمواطنين القاطنين بجوار الأودية بالاستعداد لعمليات الإخلاء التي لم تنفذها وزارة الداخلية أو القوات العسكرية في تلك المناطق.
  • كما وجد تصريحان متضاربين من الهلال الأحمر الليبي فرع درنة، وهو تحذيره للمواطنين من التجوال وبعدها بساعات طالب بعمليات أخلاء للمناطق القريبة من ساحل درنة.
  • رغم الإجماع من قبل وزراء الحكومة الذين تحدثوا في المؤتمر الصحفي الأول للجنة الطوارئ عن خطر العاصفة وكميات الأمطار التي ستسقط على مدن الساحل، لكن لم توجد تكتيكات واستراتيجيات جدية للتعامل مع الكارثة ، وبالأخص عمليات إخلاء المواطنين من المناطق المهددة بفيضانات عنيفة.
  • لم يعلن ممثل القوات العسكرية بقيادة ” خليفة حفتر” عن خطط انتشار قواته للمشاركة في عمليات الإخلاء، بل أكتفي بتصريح أن القوات العسكرية على أهبة الاستعداد للمشاركة إذا طلبت الحكومة منها ذلك.

قياسا على ما تم ذكره في مراحل إدارة الطوارئ ، وهي مرحلة الاستعداد للكارثة وهي المرحلة الثانية لم يتم تنفيذ أي مستهدف فعلي لتطبيق تكتيكات هذه المرحلة والتي منها:

  • لم توجد خطط للتواصل الفعال باستخدام مصطلحات وأساليب سهلة الفهم مع المواطنين ، بالإضافة إلي ذلك تضارب التحذيرات الموجهة للمواطنين من قبل السلطات المختلفة ، والتي منها فرض حظر للتجول والطلب من المواطنين البقاء في منازلهم ، وبعدها تحذير للمواطنين المقيمين بالقرب من السواحل بعمليات إخلاء منازلهم من خلال وسائل التواصل أو إعلامياً ، دون مساهمة الحكومة بتوفير وسائل الإخلاء قبل حدوث الكارثة.
  • للمتابعة للكارثة عدم وجود وسائل تواصل فعالة للتبليغ أو للإنقاذ ، وعدم جاهزية فرق الاستجابة السريعة مما فاقم من تبعات الكارثة.
  • عدم وجود أساليب بسيطة كصفارات الإنذار لتحذير السكان في حالات الطوارئ ، إلى جانب وجود ملاجئ للطوارئ وخطط الإخلاء.
  • عدم وجود معدات وآليات مناسبة للتعامل مع الكارثة ، وما أكد ذلك استمرار الأزمة وغرق الكثير نتيجة عدم جاهزية وحجم فرق الإنقاذ ، حيث لما يستدعى فرق انقاذ من المدن الليبية البعيدة عن منطقة الكارثة إلا بعد حدوثها وتدخل فرق إنقاذ أجنبية بعد حدوث الكارثة سواء من تركيا أو مصر والعديد من الدولة.
  • محاولة طمأنة المواطنين ، وعدم إيضاح تبعات الكارثة بصورة صريحة كانت من الممكن أن تجنبهم الكثير بل تم الاكتفاء بإرسال رسائل طمأنة للمواطنين.
  • عدم توافر معلومات دقيقة لدى حكومة ” أسامة حماد ” عن تبعات الكارثة لتقييم آثارها وكيفية التعاطي معها وتقييم نتائجها الكارثية.

في ظل القبضة الأمنية المسيطرة على مدن الشرق الليبي ، وعدم وجود منظمات مجتمع مدني مستقلة للحديث عن الكارثة وتقييم أثارها وتحديد المسؤولية السياسية ، وفي ظل نقص المعلومات المتاحة والحقيقة خصوصا فيما يتعلق بعدد الضحايا والمصابين ، وتقييم الأضرار الناتجة عن الكارثة ، فوجب التحدث عن مستوى الشفافية خصوصاً بعد تصريح رئيس وزراء الشرق الليبي ” أسامة حماد ” بتاريخ 10 سبتمبر 2023 السعة 11:34 مساءً عن أن الوضع تحت السيطرة ، وبأن كافة مؤسسات الدولة والأجهزة العسكرية والأمنية سيطرت على الوضع ، ولا زلنا في حالة استنفار قصوى.

ووفقا للمعطيات السابق ذكرها ، نأتي على التساؤل المعنون به هذه الورقة : على عاتق من تقع المسؤولية السياسية في كارثة وادي درنة ؟ والذي راح ضحيته الألاف من الضحايا والمصابين بخلاف الأضرار المادية والمعنوية التي تعرض لها المواطنون ، استنتاجا لما سبق يمكننا القول إن المسؤولية السياسية في مستوياتها الأولى تقع في ثلاث مستويات وهي:

المسؤولية العسكرية : على عاتق ” خليفة حفتر” ومستشاريه العسكريين بصفته القائد العسكرية في هذه المنطقة ، و لإن من مهام الجيوش القومية هو مواجهة الكوارث والجاهزية والتدخل في حالة فشل أجهزة الدولة المدنية من السيطرة على احتواء الكارثة ، وبل ويجب الحديث عن خطط عسكرية جاهزة ومعدة مسبقاً لمواجهة

الكوارث ، كما يحدث في مواجهة التدخلات العسكرية، هذا إذا كنا نتحدث عن وجود جيش نظامي في الشرق الليبي.

المسؤولية السياسية : وفقا للمعطيات السالف ذكرها فيمكننا القول التقصير الفعلى يقع على عاتق رئيس الوزراء ” أسامة حماد ” ووزرائه.

أولا : البطء في اتخاذ التدابير وإعلان حالة الطوارئ.

ثانيا : عدم كفاءة التدابير المعلنة لمواجهة الكارثة.

ثالثا : عدم تنفيذ التدبير المعلنة والتي كان من أهمها تنفيذ عمليات إخلاء المناطق المهددة بالفيضانات في وادي درنة.

رابعا: التخبط في القرارات التنفيذية والمتابعة للمهددات الرئيسية والتي كان أهمها متابعة حالة سدي درنة المنهارين.

المسؤولية التشريعية : تقع المسؤولية التشريعية والرقابية على عاتق برلمان طبرق برئاسة “عقيلة صالح” بصفته الجهاز المخول له صفة التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية الممثلة في حكومة ” أسامة حماد” المدعومة من قبله ، فلم نجد أي إجراءات تشريعية أو مسألة رقابية على أداء عمل الحكومة بل إن معظم التصريحات الصادرة من برلمان طبرق يشيد بأداء عمل الحكومة في ظل كارثة جاءت على الأخضر واليابس في مدينة درنة المنكوبة.

 هل سيفلت المسؤول عن الكارثة من العقاب؟

هنا يأتي السؤال الأهم والأصعب والذي هو المحور الرئيسي للورقة حيث جاء إعلان النيابة العامة الليبية بتحويل 16 مسؤول سابق وحالي للتحقيق ، وتم حبس 8 منهم بقرار من النائب العام الليبي ، وهو ما يعتبره الكثير من المواطنين الليبيين في المدن المنكوبة أنها محاولة من سلطات الشرق لتقديم كبش فداء للمسؤولين الفعليين عن كارثة درنة ، ويتسألون عن مدى تحقيق العادلة وتقديم المسؤولية السياسية فوق كل اعتبار، ومن هذا المنطلق سنطرح ثلاثة سيناريوهات متوقعة وهي :

السيناريو الأول : تقديم كبش فداء للمسؤول عن حدوث الكارثة والتضحية ببعض المستويات التنفيذية في المستويات الأدنى ، والتي جاء على رأسهم عميد بلدية درنة  وبعض المسؤولين السابقين والحاليين الذين يشغلو

صفة تنفيذية في ملفات سدود درنة ، والذين تم ذكرهم في مقدمة الورقة ، والذين تم بالفعل تحويلهم للتحقيق والمسألة من قبل النيابة العامة الليبية ، وتجنب عدم المسألة السياسية للقادة السياسيين.

السيناريو الثاني : مع الضغط الشعبي والسياسي قد تتحول قضية المسألة السياسية مطروحة ، بالإضافة لما يثار حول مطالبات بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول كارثة درنة ، ووضع المسؤولين السياسيين في الشرق الليبي أمام مسؤولياتهم الحقيقية والتحقيق معهم ، وهذا السيناريو ضعيف بسبب افتقاد الدولة الليبية في الشرق لمؤسسات قضائية تستطيع محاسبة القادة السياسيين.

السيناريو الثالث : إذا تم تشكيل لجنة دولية للتحقيق في كارثة درنة ، فمن الممكن أن تطال الاتهامات للقيادات السياسية والعسكرية في الشرق الليبي بأنها هي المتسببة عن الكارثة وتفاقم أوضاعها، لكن هذا السيناريو ضعيف أيضاً نظرا  لعلاقات الشرق الليبي مع دول نافذة  إقليمية ودولية تستطيع أن تكون فاعلة في إزالة أي اتهامات موجهة إلي حلفائها ، لكن هذا السيناريو غير مستبعد مستقبلاً.

 

لتحميل الملف من هنا ….

زر الذهاب إلى الأعلى