الجيش والسياسة في المنطقة العربية.. جدلية السيطرة المدنية والعسكرية وتأثيرها على استقرار الدولة

المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
قــــــــــــــــــــــــرآءة تفصيليـــــــــــــــــــــة
تُعد طبيعة العلاقات المدنية-العسكرية في المنطقة العربية مجالًا معقدًا وخصبًا للتحليل، فهي ليست مجرد ترتيبات إدارية أو وظيفية، بل هي محل صراع تاريخي عميق وراسخ، ينبع جوهر هذا الصدام من عدم وضوح الحدود الفاصلة بين المجالين المدني والعسكري، مما يؤدي إلى تنافس مستمر على السلطة والاستحواذ على هياكلها، والهيمنة على مفاصل الدول ومؤسسات صناعة القرار فيها، وهذه الديناميكية لم تتشكل في فراغ، بل هي نتاج لهياكل وقيم مجتمعية فرضتها الحتمية التاريخية والتطور الطبيعي للمجتمع البشري عبر محطات مختلفة.
لقد لعبت الجيوش العربية أدوارًا بارزة في استقلال بلدانها عن الاستعمار الأجنبي، مما منحها نفوذًا سياسيًا عميقًا منذ التأسيس، ويتضح ذلك في مصر مع تحرك أحمد عرابي عام 1881، الذي لم يخلُ من نزعة سياسية، وفي مطلع القرن العشرين مع انقلاب ” الاتحاد والترقي ” العثماني عام 1908 الذي خلف تداعيات مهمة على دور الجيوش في دول المشرق العربي.
ومنذ منتصف القرن العشرين، سيطرت المؤسسة العسكرية على تشكيل السياسة في الشرق الأوسط، حيث تدخلت في كثير من الأحيان للاستيلاء على السلطة والحكم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال أنظمة استبدادية، وقد غذى هذا الدور عوامل متعددة، منها الحاجة إلى الاستقرار والأمن في مواجهة الصراعات الإقليمية، وإرث الاستعمار، والحاجة المتصورة للتحديث والتنمية، وتؤكد الإحصائيات هذا النمط، حيث شهدت الدول العربية منذ أول انقلاب في العراق عام 1936 موجة من الانقلابات العسكرية التي اجتاحت المنطقة تباعًا، إن التدخل العسكري في السياسة العربية ليس مجرد خلل عارض أو سلوك استثنائي، بل هو نتيجة لمراحل تاريخية عميقة وطبيعة الدولة العربية ذاتها.
فالجيوش كانت في طليعة بناء الدولة بعد الاستقلال، وفي ظل هشاشة الوسائط السياسية المدنية كالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، أصبحت المؤسسة العسكرية هي الفاعل الأكثر تنظيمًا وقوة، هذا السياق التاريخي لتأسيس الدول العربية هيأ الجيوش لتولي دور سياسي محوري، مما يجعل فكرة الجيش ” اللامسيس ” أمرًا صعب التحقق في هذا السياق.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا) ↓