الساحل الإفريقي.. وكرا للسلاح المنفلت والتنظيمات المسلحة

المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
قــــــــــــــــــــــــرآءة تفصيليـــــــــــــــــــــة
واحدة من أكثر الجغرافيا هشاشة في العالم، الساحل الإفريقي ما بين دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر حيث تتمدد الحركات الإرهابية والانفصالية والميليشيات المسلحة منذ سنوات داخل فضاء صحراوي مترامي الأطراف ساعدها على التحرك بسلاسة خاصة في عمليات التجنيد والقتال. واقع تحولت بمقتضاه هذه المنطقة إلى سوق سوداء للسلاح ووكر استراتيجي للإرهاب والتطرف، وإحدى أخطر الأماكن في العالم.
يحدث هذا في ظل أنظمة حاكمة مدنية وأخرى عسكرية أثبتت فشلها في الحد من هذه المخاطر التي تزداد من سنة لأخرى حتى باتت إحدى أهم عواصم دول الساحل باماكو تواجه اليوم خطر سقوطها في يد جماعة ” نصر الإسلام والمسلمين ” التابعة لتنظيم القاعدة. وهو تطور خطير قد يجعل مالي أول دولة في العالم تدار فعليا من قبل هذا التنظيم الإرهابي، وبالتالي يعرض بقية المنطقة لمخاطر أكبر، في حال ثبوت التوقعات التي ترجح فرضية سقوط العاصمة المالية أمام عجز جيش البلاد على كسر الحصار الخانق على المحروقات الذي تفرضه الجماعات الإرهابية منذ أسابيع.
تمتد منطقة الساحل من جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا، وحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فهي تشمل موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد والسودان.
ومنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي بدأت الحركات الجهادية تتغلغل في الساحل الأفريقي مستفيدة من الفضاء الصحراوي الواسع، ومن ضعف الأنظمة في المنطقة، وإهمال الشباب الذي صار عرضة للتجنيد وسهولة الاستقطاب.
ورغم الحملات العسكرية الدولية على مدار العقدين الماضيين لمحاربة الإرهاب وخاصة التي أشرفت عليها فرنسا، فإن كل المؤشرات والإحصائيات تؤكد ارتفاع أحداث العنف المرتبطة بالحركات المسلحة في منطقة الساحل بشكل كبير حتى أنها تضاعفت 7 مرات في الفترة ما بين 2017 و2022.
وصنف آخر تقرير صادر عن ” مؤشر الإرهاب العالمي “، منطقة الساحل ضمن أخطر الأماكن في العالم، وأشدها تضررا من الإرهاب، وأفاد بأن أكثر من نصف ضحايا الإرهاب عالميا خلال عام 2024 سقطوا في هذه البلدان. حيث سقط 3885 قتيلا في هجمات إرهابية في دول الساحل من مجموع 7555 قتيلا سقطوا حول العالم في ذات السنة.
وتعد دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو أكبر دول الساحل تضررا من الإرهاب، إذ صنف المؤشر الأممي بوركينا فاسو في المركز الأول عالميا كأكثر دولة تضررت من الإرهاب خلال سنة 2024 بـ 1532 حالة وفاة، فيما بلغ متوسط الوفيات فيها نحو 14 وفاة لكل هجوم، مقارنة بـ 7 وفيات لكل هجوم في عام 2023. وحلت مالي في المركز الثالث إفريقيا بـ 604 وفيات من خلال 201 هجوم.
وبوصول الهجمات الإرهابية إلى العاصمة باماكو للمرة الأولى منذ العام 2016، مخلفا نحو 100 قتيل. في حين جاءت النيجر في المركز الخامس عالميا والثاني إفريقيا من بـ 930 قتيل في أكثر من 100 هجوم، مقابل 479 قتيل في 62 هجوم خلال سنة 2023.
وحسب موقع ” ذا إن ترسبت ” الأميركي، فإن عدد ضحايا المتطرفين في أفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الـ 21 كان يبلغ العشرات، في حين بلغ سنة 2023، في منطقة الساحل وحدها أكثر من 11600 قتيل، أي بزيادة قدرها 500 ضعف.
وتتبع بعض الجماعات المسلحة المنتشرة في دول الساحل تنظيم ” القاعدة “، فيما يتبع البعض الآخر تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش “. وتتركز بؤر العنف والإرهاب في منطقتي ليبتاكو – غورما التي تقع في وسط الساحل على الحدود المشتركة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر امتداد الي حوض بحيرة تشاد.
وخلف هذا الوضع الأمني الخطير أزمات انسانية خطيرة في هذه المنطقة حيث تؤكد التقارير الأممية حاجة أكثر من 35 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، ونزوح أكثر من 7 ملايين شخص داخليا، وانتشار واسع للجوع الحاد، خصوصا في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، فضلا عن ارتفاع مستويات تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة.
ورافق هذا الحضور الكبير للجماعات الإرهابية في المنطقة انتشار هائل للسلاح خارج إطار الدولة ولصالح هذه التنظيمات المتطرفة والمجموعات المسلحة الانفصالية، والذي غذاه انهيار الدولة الليبية سنة 2011، إذ سهل ذلك تدفق الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بكميات كبير عبر الحدود الصحراوية، لتصبح المنطقة الأكثر تسليحا خارج مناطق الحروب المباشرة. وتستخدم الجماعات الإرهابية هذه الأسلحة لفرض سلطة موازية للدولة في بعض المناطق ولشن هجومات وتحركات بهدف السيطرة على المزيد من المناطق الحيوية والتي قد تصل قريبا إلى حد السيطرة على عواصم هامة مثل العاصمة المالية باماكو.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا) ↓