ترقية “صدام حفتر” لرتبة “فريق”.. هل تحمل دلالات سياسية وعسكرية وتشوه صورة “جيش منظم” وتمهد لانقلاب عسكري؟
قـــرآءة تفصيليـــة
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
المؤسسة العسكرية جهة سيادية لها ضوابطها وقوانينها وأعرافها، وهي مثال للانضباط والجدية ومحاربة الفوضى، وأي تجاوزات أو مخالفة لهذه القوانين والضوابط يسبب أزمة وفقد ثقة وإساءة لمؤسسة الجيش التي يناط بها توفير الأمن والأمان للبلاد والعباد، وأي تراخ في معاقبة المخطئين والمخالفين للقوانين العسكرية يشوه صورة الجندي المنضبط، ما يؤثر سلبا على مهامه في حماية الأمن القومي للبلاد.
ومن أكثر الملفات التي شهدت مخالفات وتكسير للأعراف العسكرية ومخالفات صريحة لنصوص القانون العسكري هو الترقيات ومنح الرتب داخل المؤسسة العسكرية في ليبيا بشقيها شرقا ممثلة في قوات القيادة العامة، وغربا في رئاسة الأركان التابعة للحكومة والمجموعات المسلحة المنضوية تحتها.
وتتمثل أزمة الترقيات في منحها لغير مستحقيها سواء بعدم مروره بالمراحل التي نص عليها قانون الترقيات بمواده الكثيرة والمعروفة، أو بأن الشخص الذي حصل على الترقية نالها بضغوط “ميليشياوية” أو سلطة نفوذ أو محاولة من قبل الحكومات لتحييده أو كسب ولائه أو منح هذه الترقيات لأهداف سياسية ومشروعات شخصية من أجل إحكام السيطرة والنفوذ، أي تمنح الترقية لأهل الثقة والقرابة لا أهل القوة والكفاءة.
“ترقيات تشوه المؤسسة العسكرية”
وكوننا في المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية نولي ملف المؤسسة العسكرية اهتماما خاصا ودقيقا، كوننا نرى المساس بهذه المؤسسة ودورها هو من أكبر مهددات الأمن القومي، لذا طرحنا عدة أوراق تخص بناء المؤسسة العسكرية في ليبيا بما يتماشى مع استراتيجيات القوى العسكرية العالمية والاقليمية والعربية، وطرحنا أزمة الترقيات والرتب في عدة أوراق ومنها ورقة بعنوان: ” الرتب العسكرية والترقيات الاستثنائية.. وتحديات بناء جيش ليبي موحّد في مجتمع منقسم مناطقيًا “، المنشورة على صفحاتنا الرسمية بتاريخ 20 ديسمبر 2023 ، أكدنا فيها أن ليبيا تشهد حالة من الصراع العسكري والسياسي فإن هناك كثيرا من المناصب والرتب العليا داخل المؤسسة العسكرية تؤثر بالسلب على المؤسسة العسكرية الليبية، في مشهد لم تعشه ليبيا قبل عام 2011، حيث إنها خارج الهياكل التنظيمية وخارج الضوابط المهنية، ترهق الموازنات المالية للدولة الليبية بسبب قوة الامتيازات التي تمنح لهذه المناصب، والتي تأتي عن طريق النخب السياسية من دون مؤهلات مستحقة، وإنما عن طريق المحاصصة والمحسوبية، نضيف لها هنا ” القرابة والعائلة وحب السيطرة والنفوذ وضمان الولاء الأعمى والمباشر “.
وأكدنا في الورقة، يمكن الاطلاع عليها كاملة عبر منصاتنا، أن ” من أكثر المآسي في ليبيا ما بعد 2011 قضية الرتب والترقيات العسكرية الاستثنائية الممنوحة لأفراد غير مستحقين لها، ما سبب مجموعة من الظواهر السلبية التي تؤثر على إعادة بناء الجيش الليبي المهني الموحد الذي يحافظ على الأمن القومي الليبي والحدود الليبية، ونضيف عليها أن مثل هذه الخطوات دون دراسة وتراتبية، تشوه المؤسسة العسكرية وتضعفها، وتسبب حالات الانفلات بل والانقلابات داخلها كون الرتب القديمة المحاربة ترى أنه تم تجاوزها لصالح شخصيات دخيلة على المؤسسة العسكرية، تم ترقيتها بسرعة البرق لتصل لأعلى رتب الجيش وهي ” فريق ” ليجد العسكريون القدامى أنفسهم تحت إمرة ضباط لم تتجاوزهم أعمارهم الـ40 عاما ما يسبب حقدا وانفلاتا وفقد ثقة.
وعليه
فإن قرارات الترقية الغير مدروسة شرقا وغربا والتي تأتي لشراء الولاءات والحماية وتمنح لأهل الثقة، على أن يتم تجاوز أهل الكفاءة، نعتبرها خطى ممنهجة لتشوه المؤسسة العسكرية، وتفريغها من مضمونها لصالح قيادات شابة لم تدخل حربا حقيقية يوما ما، ما يعني ضعف الأداء ويترتب عليه خطر على الأمن القومي للبلاد، وحدودها، وسيادتها، إذ أنه يمكن التلاعب بهؤلاء القادة الشباب الذين لا يملكون خبرة تفاوضية أو عسكرية من قبل جهات خارجية أو محلية، ناهيك عن حالة السخط المكتوم الذي تتركه هذه الترقيات في نفوس وقلوب المحاربين والقادة القدامى، ما يعني اهتراء الداخل المؤسسي للجيش، وتوقع انهياره في أول فرصة لانقلاب الآباء المؤسسين على الضباط صغيرة السن كبيرة الرتب والنياشين ما يجعل الجيش معرض دوما للانفلات والانقسام، وتحوله لمجموعات مسلحة بولاءات مختلفة يغيب عنها الولاء لله وللوطن كما هي العقيدة العسكرية أي نحن أمام مشروع مهترئ قابل للانفجار في أي وقت.
بل إن الترقيات الأخيرة خاصة ما حصل عليه “صدام حفتر ” من رتبة فريق تجعلنا نتوقع بعض السيناريوهات التي تخص المؤسسة العسكرية ومنها: تشكيل مجلس عسكري يمكن لحفتر إقناع عسكريين في الغرب الليبي بقبوله والانضمام إليه، ما يعني سقوط البلاد تحت حكم عسكري محكم وإنهاء التجربة الديمقراطية، أو حدوث انقلابات عسكرية داخل مؤسسة الجيش شرقا أو غربا، ما يعني الفوضى والانفلات الأمني وانهيار الأمن القومي، وتأمين الحدود أو عودة الاقتتال والصدام بين معسكري الجيش شرقا وغربا.
لذا يوصى المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية المجلس الرئاسي بصفته ” القائد الأعلى للجيش” وكذلك المشير خليفة حفتر بضرورة مراعاة القوانين العسكرية ونصوصها، خاصة في باب الترقيات والرتب العسكرية، وأن يراجع حفتر نفسه في قرارات منح الترقيات لأبنائه، وتأثير ذلك على وحدة الجيش وصورته النمطية والوطنية، كما نوصي اللجنة العسكرية 5+5 بضرورة مناقشة ملف الترقيات والرتب العسكرية كون الـ “10 ” أعضاء هم قادة وأبناء المؤسسة العسكرية، وهم الأكثر دراية بخطورة ترقية الغير مؤهل والغير مستحق، لذا على الطرفين في اللجنة تقديم التوصية والنصيحة لقادتهم بضرورة مراجعة ملف الترقيات والرتب العسكرية، لعلها تكون فرصة وخطوة لبناء جيش حقيقي، بأدوات وقادة حقيقيون، يكون الولاء فيه لله ثم الوطن، ليطمئن المواطن بأن له جيش يحمي حدوده ومقدراته لا يحمي شخصيات وقادة.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)