تأثير روسيا الجيوسياسي في ليبيا بعد سقوط الأسد هل تتوجه روسيا بثقل جديد عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتنقل قواعدها إلى شرق ليبيا لتعويض نفوذها في المنطقة بعد سقوط “بشار الأسد”؟
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
قــــــــــــــــــــــــرآءة تفصيليــــــــــــــــــــــة
مقدمــــــــة
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تحاول روسيا بسط نفوذها في عدة مناطق خارج حدودها لتظل قطبا عالميا لا يمكن الاستهانة به، خاصة مع استمرار الحرب الباردة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط في الـ 10 سنوات الأخيرة الخيار الاستراتيجي لروسيا، لإثبات هيمنتها وتحقيق مصالحها الشبه استعمارية، وتقوية معسكرها المناهض للغرب ولأوروبا، ولكن التواجد الروسي في المنطقتين ” افريقيا والشرق الأوسط “، لم يكن بالسهولة أن يحدث كون هذه الدول أغلبها مستعمرات قديمة لقوى كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وامريكا، وكذلك لارتباط هذه الدول بالقوى الغربية وهيمنة هذه القوى على سياستها واقتصادها وجيوشها.
نحاول في هذه الورقة، التركيز على بعضا التساؤلات المرتبطة بالحدث الأبرز الآن عالميا وعربيا، وهو سقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد بشكل مفاجئ وهروبه خارج البلاد وسيطرة المعارضة السورية المسلحة على مقاليد الحكم والبلاد، ما يعني انهيار التحالفات العربية والدولية مع النظام السوري المنهار، وعلى رأس هذه التحالفات العلاقة المتشابكة مع روسيا، والتي كانت تدير المعارك في سوريا نيابة عن عائلة الأسد ولم تنسحب من الميدان إلا بعد وحلتها في أوكرانيا.
ويكون مدار الورقة التفصيلية، حول تساؤل أساسي وهو: هل ستنقل روسيا نفوذها ومعداتها وقواعدها العسكرية من سوريا إلى شرق ووسط ليبيا بناء على علاقتها الاستراتيجية المستمرة مع القيادة العامة في الشرق الليبي، وهل ستحل بنغازي او طبرق مكان “طرطوس” السورية، وسرت الليبية مكان” اللاذقية”؟.
“روسيا وشرق ليبيا.. تواجد استراتيجي وبراغماتي”
ذكرنا آنفا أن التواجد الروسي في ليبيا بدأ رسميا وعلانية في عام 2019 بوصول قوات تتبع شركة ” فاغنر” المقربة من الرئيس الروسي بوتين بغرض دعم قوات المشير، خليفة حفتر في معركة دخوله إلى العاصمة طرابلس، والتي باءت بالفشل واعتبرها خبراء عسكريون بعد ذلك أنها كانت خطأ استراتيجيا كبيرا.
ومن المؤكد أن التواجد الروسي في شرق ليبيا كان تواجدا استراتيجيا وبراغماتيا من الدرجة الأولى، كون موسكو استغلت حالة الهشاشة السياسية والعسكرية التي تمر بها ليبيا وتواجدت هناك، كذلك وجدت ضالتها في المشير خليفة حفتر وقواته التي كانت تعاني من نقصا في المعدات والخبرات وقبلها نقصا في الشرعية والقانونية، لذا كانت المصالح مشتركة بأن روسيا تمنح حفتر معدات وشرعية ودعم دولي ودفاع عنه في مجلس الأمن وتحشيد دور إقليمي داعم مقابل أن يمنحها هو موطئ قدم يمكنها تخزين أسلحتها وجنودها.
وعليـــــه
فإن ما سبق من معلومات وتوقعات وتحليلات تشير جميعها إلى أن روسيا قد تجد في ليبيا ملاذا آمنا لنقل أهم ترسانتها العسكرية من عتاد وسفن حتى ولو بصورة مؤقتة، لتعيد نشرها في مناطق نفوذها في إفريقيا، لكن ستظل ليبيا هي البوابة الآمنة والرهان الصائب لدى موسكو، لضمان عدم استهدافها هناك أو عرقلتها من السلطات المحلية، وكذلك لسهولة ذلك وعدم دفع تكلفة أكبر لنقل سفنها من طرطوس الي بنغازي وسرت، لذا على الجهات المحلية الفاعلة منع حدوث ذلك حماية ودفاعا عن الأمن القومي الليبي وسيادة الدولة الليبية، التي أصبحت مهددة من كل جانب وسط حالة ضعف وصمت من قبل الأطراف الليبية المتناحرة، والتي تفضل الحفاظ على مناصبها وصلاحياتها أكثر من حفاظها على الأمن القومي للبلاد.
توصيــــــات
من منطلق أهداف المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية التي تهتم بجانب الأمن القومي وسيادة ووحدة الدولة الليبية وحماية مقدراتها، نوصي بالآتي:
- يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، القيادة العامة ورئيسها، المشير: خليفة حفتر إلى ضرورة التوضيح والرد على المعلومات المنتشرة بخصوص نقل عتاد وجنود وسفن روسية بالفعل من سوريا إلى شرق ليبيا.
ومن جانب آخر ضرورة توضيح طبيعة العلاقة العسكرية مع موسكو الآن ومدى توقيع اتفاقات رسمية معها بالخصوص، وأخيرا ضرورة قيام القوات المسلحة في شرق البلاد بمنع تواجد أي قواعد عسكرية روسية على الأراضي والموانئ الليبية، حتى لا تعرض الدولة الليبية وأمنها القومي للخطر كون هذه التصرفات قد تحول ليبيا إلى ساحة لمعارك دولية وحروب باردة جديدة.
- كذلك يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، الحكومات الليبية بضرورة الوقوف على طبيعة المعلومات الواردة بخصوص استقبال القيادة العامة في شرق البلاد لعتاد ومعدات وسفن روسية بالفعل قادمة من سوريا، والتحقيق في ذلك وإصدار قرارات بمنع هذه التصرفات وتحميل فاعلها المسؤولية القانونية الكاملة.
- ويوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية وزارة الخارجية الليبية بضرورة عقد اجتماعات دورية وموسعة مع السفير الروسي لدى ليبيا، للوقوف على تحركاته وزياراته المتكررة للجنوب والشرق الليبي، ولقاءه لمسؤولين عسكريين في البلاد، ومطالبته رسميا بالتوضيح والرد على المعلومات التي كشفتها مواقع الملاحة الجوية ومسؤولين غربيين من تحرك سفن وطائرات روسية إلى قواعد في شرق ليبيا، وصحة التقارير التي تحدثت عن سيطرة كاملة لموسكو على ثلاث قواعد جوية في شرق ووسط ليبيا.
- كما يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، مجلس الأمن الدولي وممثليها في ليبيا بضرورة مراقبة تنفيذ القرار رقم 1973 الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، ومراقبة أي طائرات عسكرية تحلق فوق ليبيا، أو تهبط في قواعدها العسكرية، وضرورة توقيع عقوبات دولية على أي طرف ليبي يسمح بذلك وينتهك القرار الدولي.
وأخيرا.. على المؤسسات الليبية العسكرية والسياسية والأمنية رصد أي تحركات روسية غريبة ومكثفة في الفترة الراهنة بخصوص ترسانتها العسكرية في سوريا ومنع وصول هذه الترسانة إلى ليبيا كونها تشكل خطرا في الأساس على السلطات المحلية هناك، كونها قد تتحول إلى مجرد “شرطي” لدى موسكو ولتهديدها المباشر للأمن القومي الليبي بانتهاك سيادة الدولة وكذلك لتسببها في تحول ليبيا إلى بؤرة صراع دولي لا ناقة لها فيه ولا جمل.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا) ↓