حالة جمود سياسي في المشهد.. هل تراجع الدعم والاهتمام الدولي بأزمات ليبيا ومستقبلها؟
وحــــدة دراســــــات الأمــــــن القومـــــــي
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
مقدمة
المتابع للمشهد السياسي في ليبيا يجد أنه يمر بحالة جمود متواصلة تزداد صلابتها كل يوم، مع تعنت وتقاعس وتلاسن الأطراف المحلية، واستمرار تصفية الحسابات على حساب الدولة وسيادتها وأمنها القومي.
فلا حديث جدي الآن عن العملية الانتخابية وتفاصيلها من قوانين انتخابية توافقية، أو خطة واضحة لدى المنوط بهم الأمر للمضي ولو خطوة تجاه الانتخابات، بل حتى سيرتها أصبحت باهتة وتقال فقط من أجل تبييض الوجه أو رفع الحرج، وتجد أن الجميع يتشدقون بأنهم يتوقون ويسعون للدفع نحو الانتخابات، ومع أول قرار لإزاحة أحدهم تجده يثور ويرفض تركه للمنصب ولو كلف ذلك الدولة اقتصادها وسمعتها الدولية بل وخزينتها، مثل ما حدث مع محافظ مصرف ليبيا السابق، الصديق الكبير الذي طيلة 13 عاما مسيطرا على خزائن المصرف وميزانيات الدولة وعندما تم إقالته رفض ذلك وسماه انقلابا.
يتزامن هذا الجمود مع حالة فوضى دولية، وتعثر للخطى من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في التعاطي مع تفاصيل الأزمة الليبية، بل وضعفت حتى حالة الزخم التي من المفترض تقوم بها القوى الدولية من أجل الدفع نحو توافقات حقيقية وتسوية سياسية واضحة وصامدة وصولا لقوانين انتخابية توافقية، ثم إجراء الانتخابات وتجديد شرعية الأجسام المتهالكة والفاقدة جميعها لمددها القانونية.
حالة الجمود المحلي المتضامنة مع المتباطئ الدولي، شكلت أزمة جديدة في وجه الدولة الليبية التي أضعفتها القرارات الشخصية والمناطقية والاستقواء بالخارج، وجعلت المشهد فريسة لنفس الوجه الجاثمة على صدور الشعب منذ خفوت صوت الثورة ونتائجها وقوتها، ليحل محلها ثورة من نوع آخر شعارها ” المصالح الشخصية والمناطقية ” ويحل محل حكم الفرد (معمر القذافي) حكم العائلة (الدبيبة وحفتر).
“تكرار لاستراتيجيات فاشلة”
ورغم الحراك الدولي المخجل من قبل السفراء والبعثة الأممية إلا أنها خطوات لا تترك بصمات كون انتهاج نفس الدبلوماسيين ومعهم البعثة الأممية وقبلها مجلس الأمن لنفس الاستراتيجيات الفاشلة في التعامل مع الأطراف المحلية سواء سياسة الترضية أو المحاصصة أو التنازلات، ما جعل الأطراف الليبية شرقا وغربا تتلاعب بالدور الدولي وتدعمه فقط عندما يكون في صالحها، وهو ما أضعف الدور الدولي الذي يبدو أنه منشغل حاليا عن الملف الليبي الذي تراجع في أجندة الاهتمامات العالمية، نظرا لما يمر به العالم من حروب وشيكة بين قوى دولية كبرى.
“سيناريوهات محتملة”
ما سبق من قراءة للمشهد وإثبات مروره بحالة جمود سياسي واضحة لكل مدقق في تفاصيله، يجعلنا في ” المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية ” نطرح بعض السيناريوهات التي يمكن أن تكون عليها الدولة الليبية حال استمرت حالة الجمود، ومن هذه السيناريوهات:
- سيناريو تسوية سياسية منتقصة
- سيناريو استمرار الصدام والأمر الواقع
- سيناريو تحرك دولي قوي لفك الجمود
- سيناريو إجراء انتخابات خلال عام من الآن
- سيناريو الصدام المسلح
الخلاصة
“المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية” يوصي في ختام الورقة بضرورة التحرك الدولي الجاد من أجل فك حالة الجمود السياسي الذي ضرب أركان الدولة الليبية، وجعلها دولة هشة لا أمن قومي فيها ولا سيادة ولا مقومات الدولة القوية، ونؤكد لهذه القوى سواء الدولي منها أو الإقليمي أن استقرار وقوة الدولة الليبية هو فقط ما سيفتح لها التعاون والاستثمار والاستفادة وأن انهيار الدولة الليبية بمفهوم ” الدولة” ستنهار معه المصالح الاستراتيجية لهذه القوى، بل ستتحول البلاد إلى ” بؤرة ” قلق كبيرة مستمرة، خاصة على دول أوروبا المشاركة معها في الحدود البحرية، لذا الدفع نحو استقرار ليبيا وسيادتها وتقوية أمنها القومي سيصب في مصلحة القوى الدولية سواء الأوروبية أو الغربية أو الاقليمية.