اجتماع مصراتة في مواجهة الدبيبة..تحذيرات ودلالات
تمهيد
تحظى مدينة مصراتة بتموضع وثقل وتأثير كبير يمتد لكل ربوع الدولة الليبية ، وما تمر به من أحداث ومحطات مفصلية. وهو الأمر الذي اتضح جلياً بعد ثورة 17 فبراير، فأي تفاعل يخص قضايا الدولة في المدينة دائما ما ينعكس على المنطقة الغربية ، ومن ثم على عموم الدولة سلباً أو إيجاباً، وفي المقابل أي تعثر أو انقسام تشهده المدينة تجاه ما يحدث من تطورات سياسية يتم توظيفه من قبل مشاريع أخرى، تعمل على الإجهاز على الحضور الفاعل للمدينة في مختلف ملفات الدولة.
ومن ثم، تبرز ضرورة التوقف عند بعض المحطات والأحداث الهامة التي تشهدها مصراتة، والتي يراها البعض بأنها صارت محصورة مابين الاستغلال والارتهان. في هذا الإطار، شهدت المدينة عدة اجتماعات ، ربما لا تخلو من توجه سياسي إضافة إلى التوجه الاجتماعي ، فكل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة ، وهذه نقطة ضعف المجتمعين، وبالعكس هي نقطة قوة ” للدبيبة “، والذي يستغلها في التفريق بين خصومه ، وجذب بعضهم لصفه ، عبر استخدامه المال السياسي في كسب الولاءات، بالمنح والمناصب.
وفي هذا السياق، تفاعل سكان مصراتة مع انعقاد اجتماع موسع ضم عدد من أبرز القيادات السياسية والعسكرية للمدينة، في منزل الوزير والسفير السابق ” فوزي عبدالعالي”، في مدينة مصراتة. هذا الاجتماع الذي حرص منظموه على وصفه بالاجتماع الكبير والذي عقد في 10 أغسطس الماضي ، كان يضم عدة شخصيات قيادية داخل المدينة، ويُحسب بعضها على أنها شخصيات قيادية ومؤثرة في المنطقة الغربية بشكل عام.
وقد حرص المنظمون أيضاً على أن يشمل الإجتماع كل مكونات المدينة بإختلاف آرائهم، حيث تشير المصادر إلى أنه شارك في الإجتماع أكثر من 150 شخصية من مختلف تركيبات و أطياف المدينة ( الأعيان، الشباب، رجال أعمال، سياسيين، ثوار، قادة أمنيين وعسكريين، جرحى) ، كذلك بحسب المصادر، فقد تم توجيه الدعوة الي مختلف القيادات والشخصيات التي ترى بأنه تم تهميشها من مختلف الحكومات المتعاقبة ، بما فيهم حكومة الوحدة الوطنية.
قضايا وملفات الإجتماع
لم يكن مفاجئاً أن يشغل الشأن الداخلي المصراتي بأبعاده المختلفة جانباً مهماً من فحوى معظم المداخلات التي طغت على الاجتماع ، تحت رؤية تهدف إلى كيفية إدارة الملفات والشؤون الداخلية بعيداً عن التجاذبات السياسية. كما حرص البعض على توظيف مداخلاتهم للتأكيد على ضرورة مناقشة ومتابعة آخر التطورات السياسية والأمنية، لأنها حتماً ستنعكس على المدينة. وتناول الحوار وضع حكومة الوحدة الوطنية وسوء أداءها، وما يشاع عن تفشي الفساد فيها، وكذلك الإتكاء والاستقواء بالمدينة الذي توظفه الحكومة في إدارتها للدولة ، وأن هذا لايخدم المدينة، وبالتالي ضرورة الفصل بين أداء الحكومة، الذي رآه البعض بأنه ضعيف، واسم المدينة ، وتطرق البعض إلى كيفية الوصول لحل للأزمة الليبية سواء بالذهاب الى الإنتخابات أو بالتعديل الوزاري او حكومة ثالثة جديدة ، دون إقصاء أي مكون ليبي.
وكان اللافت والمهم هو ما تم الإتفاق حوله بضرورة وضع اللبنة الأولى لتشكيل قوة عسكرية، تحدد لها مهامها وواجباتها في الاجتماع القادم ، كما أشارت بعض المداخلات إلى ضرورة الحد من تفشي ظاهرة الاختطاف التي تحدث في المدينة أو خارجها، وبترتيبات تخدم أغراض مرتكبيها، وأن على المدينة تبني موقف موحد ضد مايحدث من “عبث” من بعض المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تم تشكيلها.
وأخيراً، أصر البعض على أن تخرج المدينة في وقت قريب ببيان يدين تجاوزات الحكومة، وأن تنفي فيه المدينة مسؤوليتها عن هذه التجاوزات.
ملاحظات حول الاجتماع
في إطار هذا الاجتماع وما انبثقت عنه من مخرجات تبرز عدة ملاحظات:
- كان الاتجاه السائد في اللقاء هو تحميل حكومة “عبد الحميد الدبيبة ” المسؤولية الأكبر تجاه جر المدينة إلى مساحات عدائية مع مناطق و شرائح مجتمعية ليبية ترى أن مصراتة تتحمل أخطاء ” الدبيبة “، وأن عليها مسؤولية كبيرة تجاه ما يجب أن تقوم به من أجل مصلحة المدينة ومصلحة ليبيا.
- أشارت بعض المداخلات إلى تحميل بعض المسؤولين المقربين من ” الدبيبة ” مسؤلية الفساد والتخبط الذي تعيشه الحكومة ، وأن الواجب على المدينة استشعار أن كل ما يحدث ستتحمله الحكومة المصراتية وليس غيرها ، ولذلك يجب أن يسارع ” الدبيبة ” بإجراء تعديل وزاري ضروري ، يؤكد فيه تفهمه لقلق وغضب الشارع، وأن يتخذ خطوات أخرى ينأى فيها عن هيمنة الدور العائلي في أداء الحكومة.
- غياب بعض الشخصيات التقليدية الفاعلة أثر على أهمية الإجتماع وجدية نتائجه ، على رأسهم ” إبراهيم بن غشير” و ” محمد الرجوبي” ، الذين يجب أن يكونوا في صدارة أي جهد مصراتي، وهم من أعيان المدينة الذين لا يشكك أحد في تاريخهم وتأثيرهم في المحطات والأحداث المختلفة التي عصفت بمصراتة والمشهد الليبي.
- حديث بعض الشخصيات التي تمثل التشكيلات الأمنية والعسكرية عن استعدادها لتبني موقف متقدم تجاه سياسات حكومة ” عبدالحميد الدبيبة “، أمر يستدعي التوقف وإدراك مستوى الإحتقان الذي وصل إليه الحال تجاه حكومة “الدبيبة”.
الخلاصة
لا تخلو الاجتماعات المتكررة في مدينة مصراتة من وجود توجهات سياسية إضافة إلى التوجهات الاجتماعية، فكل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة ، وهو ما يستغلها “عبد الحميد الدبيبة ” في التفريق بين خصومه، وجذب بعضهم لصفه، عبر استخدامه المال السياسي في كسب الولاءات ، بالمنح والمناصب.
وأخيرا، تعتبر مدينة مصراتة رقماً هاماً في معادلة القوة والسلطة في ليبيا ، وبالتالي يجب على أي حكومة، وهي تتعامل مع المدينة ، أن تأخذ في الحسبان مكانتها وعمقها في إدارة الدولة الليبية قديماً وحديثاً.
كما بات من الضروري على ” عبد الحميد الدبيبة ” أن يراجع الرهانات والتفاهمات السابقة مع المجموعات المختلفة، السياسية والإجتماعية والأمنية والعسكرية ، والإستعداد لتقديم تنازلات لها، قد تكون مؤلمة لكنها تخدم فكرة إطالة عمر الحكومة.