تقارير وتقديراتتقدير الموقف

ليبيا بين فشلين: بناء الدولة ومواجهة الإعصار

مقدمة

تشهد ليبيا حاليا كارثة طبيعية هي الأعنف منذ عقود، حيث ضرب إعصار “دانيال” مدن عدة في الشرق الليبي، على رأسها درنة والبيضاء، مما أدى إلى قتل وتشريد عشرات الآلاف من الليبيين، فضلاً عن انهيار المنازل، واحتمالية انتشار الأوبئة. كما أن المشهد السياسي الليبي يتسم بالتعقيد وعدم الاستقرار، والصدام المستمر بين المؤسسات والفرقاء السياسيين. يضاف إلى ذلك، التطورات المتسارعة على الصعيد الأمني والعسكري، والمتمثلة في الاشتباكات المتكررة بين التشكيلات العسكرية المختلفة، كان آخرها في طرابلس في 14 أغسطس من العام الحالي، بين اللواء 444 التابع لحكومة الوحدة الوطنية وقوات جهاز الردع الخاصة التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، ووصل ضحايا تلك الاشتباكات إلى 55 قتيلاً و146 جريحاً. وفي ظل هذه الأوضاع الغير مستقرة، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، أثير سؤال هل تدفع كارثة درنة الفرقاء الليبيين لتجاوز خلافاتهم والتوحد من أجل مواجهة هذه الكارثة؟ وتسعى هذه الورقة للإجابة على هذا السؤال، مفترضةً أن النزاع السياسي وغياب السلطة الموحدة أعاق التعامل مع كارثة الإعصار بكفاءة، كما أن هذه الكارثة عمقت من حالة الإنقسام وليس العكس.
وفي هذا الإطار، ترصد الورقة تداعيات الكارثة على ليبيا، مع تبيان المحطات المتتالية التي فشل فيها الليبيون في بناء الدولة والتوافق السياسي بعد 2011، ثم تناقش أثر غياب الدولة وحالة الانقسام على التعاطي مع الكارثة ومواجهة تداعياتها، وأخيراً، تطرح الورقة عدة سيناريوهات محتملة للأزمة السياسية في ليبيا بعد الكارثة ومؤشرات كل سيناريو، وما هو السيناريو المرجح وأسباب هذا الترجيح.

أولاً: تداعيات إعصار دانيال

رغم أن ليبيا شهدت العديد من العواصف ، مثل ما حدث في 1945 و1973 في طرابلس ، وعواصف مكسيمو 1982، كلاودس 1995، زيو 2005، رولف 2014، وكاسيلدا 2020، إلا أن إعصار دانيال الأخير كان الأكثر عنفاً على الإطلاق. هذا الإعصار الذي ضرب مدن ليبية كبيرة، مثل بنغازي وسوسة وسرت والبيضاء ودرنه ، اندفعت خلاله المياه من الجبل بغزارة نحو البحر. ومع كثافة الأمطار انهارت سدود درنة “البلاد وأبو منصور”، وتحولت الأمطار إلى سيول، فحملت معها المنازل بساكنيها، وأدت الى محو قرى بشكل كامل، مثل قرية الوردية الواقعة بين سوسة وبنغازي على المنحدر الغربي للجبل الاخضر. وفي درنة تضاعفت أعداد الضحايا إثر انهيار السدود، ما أدى إلى اختفاء 25 في المئة من المدينة، وفقاً لتصريحات وزير الطيران المدني في حكومة الشرق الليبي.
ووفقاً لتقارير الهلال الأحمر والأمم المتحدة، وصل عدد القتلى الى 11300 قتيل ، وعدد المفقودين إلى 10000 مفقود، وإن كان رئيس بلديه درنة “عبد المنعم الغيثي” توقع أن يكون عدد القتلى أكثر من 20000 قتيل. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فإن أعداد النازحين تخطت حاجز 40 ألف نازح، وذلك فضلاً عن المباني التي تهدمت لتصل إلى حوالي 19000 منزلاً ما بين تهدم كلي وجزئي، ورؤوس الماشية التي نفقت وتقدر بـ 30 ألف رأس ماشية، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بـ”سوق المشير” وهو أهم مركز تجاري، وكذلك مئات الأسواق الفرعية.
ثم انتقلت الكارثة إلى مستويات أعلى ، حيث تم الحديث عن احتمالية تحول الكارثة الى وباء بفعل تحلل الجثث والمقابر الجماعية. وإن كانت وزارة الصحة في حكومة الشرق الليبي، قد نفت الأخبار المتعلقة ببداية انتشار
أوبئة، أو ما شابه ذلك. وهناك تقارير تحدثت عن ثبوت تلوث المياه الجوفية في درنة بفعل تحلل جثث الموتى، فضلاً عن نقل عشرات العسكريين والمسعفين إلى المستشفى، وبداية انتشار أعراض مثل الإسهال والإعياء والإغماء، وغير ذلك مما يوحي بجدية الحديث عن انتشار الأوبئة. وعليه صرحت حكومة شرق ليبيا عن احتمالية إخلاء مناطق بأكملها إذا تم التأكد من ذلك، وإن كانت ما زالت تنفي صحة التقارير المتحدثة عن الأوبئة، حيث صرح مدير المركز الليبي لمكافحه الأمراض، بأنه لم يتم رصد أمراض معدية والوضع مستقر.
و كانت وزاره البيئة تحدثت عن 150 حاله تسمم، وأوضح تقرير للأمم المتحدة أن نفايات السيول وتدمير شبكة الصرف الصحي واختلاط المياه بنفايات السيول وما تحمله من أوحال قد تؤدي الى انتشار أمراضاً كالسل والحصبة والإنفلونزا. كل تلك الآلام وما زالت الأسر الليبية المنكوبة تنتظر جثث ذويهم من المفقودين على شواطئ البحر، في غياب دوله لا تستطيع حتى تحديد من يدير الكارثة.

ثانياً: فشل بناء الدولة الليبية بعد 2011

مع اندلاع ثورات الربيع في 2011 ثم سقوط حكم معمر القذافي، تطلع الليبيون لإنشاء دولة مؤسسات ديموقراطية، إلا أن هذه التطلعات باءت بالفشل. فمع مقتل القذافي في أكتوبر 2011 بمساعدة قوات حلف الناتو، دخلت ليبيا في مرحلة من الحروب الأهلية، تصارعت خلالها القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والسيطرة على الدولة الليبية، متجاوزةً عقد من الزمن تدمرت فيها البنية التحتية الليبية، وانقسمت المؤسسات السياسية، فضلا عن آلاف القتلى والجرحى من المسلحين والمدنيين والأطفال.
وفي عام 2018 فقط ، قالت منظمة التضامن لحقوق الإنسان الليبية أن حصيلة الاشتباكات المسلحة بلغت 3719 ما بين قتيل وجريح وأسير، وأفادت المنظمة أن عدد الضحايا العسكريين بلغ 2947 وعدد القتلى من المدنيين 772 بينهم 49 طفلا. وفي تقرير لمنظمه هيومن رايتس ووتش صدر في 2022 ، نقل عن المنظمة الدولية للهجرة ، أن عدد النازحين داخلياً بلغ 143.419 شخصاً حتى يونيو 2022. ونُقل عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أكتوبر 2022، أن هناك 667,440 مهاجراً ليبياً، منهم 43 ألفاً مسجلون كطالب لجوء سياسي.
وخلال إحاطته بمجلس الأمن في 24 اكتوبر 2022، قال ” عبد الله باتيلي” ممثل الأمم المتحدة في ليبيا، أن وزارة العدل تحتجز 11000 مدان بينهم 55 امرأة ، و6000 محبوساً احتياطياً بينهم 113 امرأة و135 حدثاً، لم يتمكن أي منهم من المراجعة القضائية ، كل ذلك في 27 سجن تحت سيطرة وزاره العدل، على الأقل إسمياً . هذا فضلا عن المحتجزين لدى الجماعات المسلحة في منشآت احتجاز غير نظامية.
وعلى المستوى السياسي ، أخفقت ليبيا في الخروج من أزمتها السياسية وإنهاء حاله الانقسام السياسي والعسكري، رغم تعدد محاولات التسوية السياسية للأزمة الليبية. بدءاً باتفاق الصخيرات ديسمبر 2015 وما انبثق عنه من تشكيل حكومة الوفاق الوطني ، والتي تلاها تشكيل حكومة جديدة ” الوحدة الوطنية ” في مارس 2021، فضلاً عن المحادثات التي مهدت لها الأمم المتحدة ، ومؤتمر برلين 2020/2021، وكذلك مفاوضات القاهرة في إبريل 2022. ولم تنجح ليبيا حتى في إجراء انتخابات تشريعية، ولا رئاسية، رغم تقرير مواعيد مختلفة لذلك، وكذلك لم تنجح حتى في إقرار دستور حتى كتابة هذه السطور. فليبيا تعيش منذ 2011 على اتفاق تأسيسي، وهناك مسودة دستور اقترحتها هيئة صياغة الدستور في يوليو 2017، ولكنها لم تعرض للاستفتاء الشعبي حتى الآن.
وعلى المستوى العسكري، مع بداية الثورة الليبية بدأت الانشقاقات في الجيش الوطني الليبي وبدأ معها تشكل المليشيات المسلحة ، تحت دوافع أيديولوجية وقبلية ، وبدعم من قوى إقليمية. ومع مرور الوقت ، برزت
متغيرات جوهرية ، أبرزها دخول تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” على خط الصراع الليبي، وكذلك تدفق المقاتلين الأجانب على كل معسكر. وبينما تم الإنهاء شبه التام على قوات داعش بإرادة دولية ، بقيت قضية المقاتلين الأجانب عالقة. ورغم تعدد محاولات التقارب بين المكونات العسكرية الليبية، إلا أن النتائج ما زالت دون المستوى المنشود. ولعل تشكيل لجنه 5+5 كانت المحاولة الأبرز في ذلك المسار، والتي كانت تهدف إلى توحيد المؤسسة العسكرية ، وكذلك تجميد النزاع المسلح ، وإنهاء موضوع المقاتلين الأجانب. ولكن كما يبدو، وإن نجحت اللجنة في وقف إطلاق النار، لكنها فشلت في باقي الأهداف.
وخلاصة القول، ما زال الوضع السياسي الليبي في حالة انقسام كبير بين فريقين، لكل فريق أرض يسيطر عليها، وقوات عسكرية موالية له ، ومقاتلين أجانب تدعمه ، مع وجود دعم إقليمي.
ففي الغرب الليبي توجد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة ” عبد الحميد الدبيبه ” المعترف بها دولياً، مدعومة من قوات غرب ليبيا ( قوات الردع- العمليات المشتركة- جهاز دعم الاستقرار- كتيبه فرسان جنزور- رحبه الدروع إضافة الي بعض كتائب جبل نفوسة )، ومسنودة بمقاتلين سوريين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا ، ويدعمها التحالف الإقليمي ( تركيا – قطر) ، وتسيطر تقريبا على مناطق غرب ليبيا ، بما في ذلك العاصمة طرابلس.
وفي الشرق الليبي توجد الحكومة التي شكلها البرلمان برئاسة ” أسامه حماد “، والمتحالفة مع قوات شرق ليبيا برئاسة المشير ” خليفة حفتر” ، ( متحالفا مع كتائب السلفية المدخلية في الشرق الليبي ، اضافة الي قوات من اللواء المحجوب بمصراته ، والكتيبة 166 بقيادة محمد الحصان ، والكتيبة 406 السلفية المتواجدة في مدينة سرت ) ، مدعومة بمقاتلين أجانب تابعين لشركة فاجنر الروسية ، ويدعمها التحالف الإقليمي (السعودية- مصر- الإمارات ) ، وتسيطر على الشرق الليبي من الحدود المصرية حتى البوابة الغربية لسرت ، كما تسيطر على أغلب مناطق الجنوب وتدعمها هناك الكتيبة 128 بقيادة حسن معتوق الزادمة.
وفي هذا الحال، يمكن القول أن ليبيا يغيب عنها مفهوم الدولة بالمعنى القانوني ، نتيجة افتقادها للإقليم الموحد، والسلطة الموحدة التي تحتكر العنف الشرعي وتفرض سيطرتها المركزية على كامل إقليم الدولة ، مما كان لذلك عظيم الأثر على التعاطي مع كارثه الإعصار.

ثالثاً: فشل مواجهة الإعصار

أشار مسؤول الأمم المتحدة في منظمة الأرصاد والطقس الدولية أنه كان من الممكن تجنب الكثير من خسائر الكارثة البشرية لو كان لدى ليبيا مؤسسة عامله في مجال المياه ، وكان من الممكن إصدار إنذارات لتحذير المواطنين قبل انهيار السدين في درنة ، لو كان في ليبيا مؤسسة فاعلة لإداره الموارد المائية.
ليبيا التي تحتل المركز الأول إفريقياً والتاسع عالمياً في احتياطات النفط ، بكميات تصل الى 48 مليار برميل احتياطي نفط ، بمعدل إنتاج متوسط مليون برميل نفط يومياً ، وتمتلك خمسة مصافي تكرير تنتج ست أصناف من المحروقات ، منها البنزين والديزل بسعة تكريريه تصل الى 379 ألف برميل يوميا. وتنعم ليبيا بثروات لا محدودة من الخامات الفلزية، وكذلك الطاقة المتجددة ، فليبيا هي الأعلى في نسبه إشعاع الشمس في العالم. وتبلغ ثروة ليبيا في المصارف الأجنبيه 160 مليار دولار.
وعلى الرغم من كل هذه الثروات ، فإن ليبيا، وبفعل غياب الدولة والانقسام السياسي والعسكري وانهيار المؤسسات الرقابية وتفشي الفساد، قد فشلت في التعاطي مع الإعصار وتداعياته كالتالي:
● لم يتم تحديد إداره بعينها لتنظيم عمل المتطوعين وتقديم المساعدات.
● لم يتم صيانة السدود الليبية منذ 2011، رغم أن ديوان المحاسبة الليبي أشار، في تقرير له في 2021، إلى صرف ميزانيات منذ عام 2007 لصيانه السدود، منها ميزانية مخصصة لسدود مدينه درنة.
● لم تتوقف الآثار الكارثية للإعصار عند انهيار سدي درنة ، فقد حذرت الأمم المتحدة من مخاطر انهيار سدين بالقرب من مدينه بنغازي ، نتيجة ارتفاع منسوب الماء عن قدرات تحمل السدين ، وهما سد وادي جازه ووادي القطان، مع تعطل غالبية شبكات تصريف المياه المرتبطة بهذه السدود.
● غياب الدولة عن مراقبه النمو العمراني في مدينه درنة، فبعد بناء السدين، ومع غياب القوانين الملزمة، زحف العمران باتجاه الوادي فتضاعف الدمار جراء السيول.
● البنية التحتية لمعظم المناطق الليبية غير مؤهلة للتعامل مع الكارثة.
● غياب الآراء الهندسية والتوقعات الدقيقة لقوة الإعصار وحجمه ، رغم العلم المسبق به ، وكذلك في تقدير قوه السدود وقدرتها على الصمود.
● كانت تعليمات الهيئات الرسمية متناقضة ، حيث طلبت السلطات المدنية والعسكرية من المواطنين إخلاء بيوتهم، ولكن في وقت لاحق طالبتهم بالبقاء.
● تعطل عمل الكثير من الفرق الصحفية وفرق الإنقاذ واللجان التابعة للأمم المتحدة لعدم تحديد جهة استخراج التراخيص.

رابعاً: مستقبل الأزمة السياسية الليبية بعد الإعصار

يشير ” ريتش أوزن ” المستشار الجيوسياسي في المجلس الأطلسي ، أن المآسي يمكن أن تخلق إحساساً بالتضامن في أوقات الأزمات ، مما قد يقلل من حده التوترات الإقليمية. ورغم أن كثير من العلماء يعتقدون أن الكوارث الطبيعية تثبط الصراعات وتوحد الجماعات ، وذلك بشرط الإحساس بوحدة الهدف والمصير المشترك ، فإنها على العكس قد تحفز الصراعات ، وذلك إما لندرة الموارد كما في البلاد النامية، أو لاعتبار الكارثة فرصه للحد من نفوذ الطرف الضعيف المصاب بالكارثة.
في هذا الإطار، تسعى الورقة لعرض السيناريوهات المستقبلية للصراع السياسي الليبي في ضوء التفاعلات الناتجة عن كارثه إعصار دانيال ، وفي خضم تصريحات إعلاميه من حكومة الوحدة الوطنية غربا ً، وحكومة الاستقرار الوطني شرقاً بالاستعداد للعمل التضامني والتنسيق المشترك.

السيناريو الأول: الكارثة دافعاً للتقارب السياسي وتوحيد المؤسسات

ويدعم هذا السيناريو مجموعه من المؤشرات، أهمها:
● تأثير الضغط والإحراج الشعبيين ، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في مدينه درنه منادية بسقوط البرلمان وتوحيد المؤسسات الليبية، وكان من بين هتافاتهم ” نريد دولة ” و” الشعب يريد إسقاط البرلمان”.
● تأثير الإحراج السياسي الذي سببه التضامن الشعبي الليبي بقوافل المساعدات ومتطوعي الإنقاذ من كل الأطياف والأطراف الليبية، مما وضع المسؤولين السياسيين في حرج.
● بعض نماذج التنسيق الإغاثي التي تمت في صورة غير متوقعة بين فرقاء معارك عسكرية ليست ببعيدة، ومن ذلك تشكيل فريق إنقاذ مشترك بين اللواء طارق بن زياد التابع لقوات الشرق الليبي ومجموعات عسكريه من غرب ليبيا مثل الكتيبة 166 واللواء 444 قتال ، بعد اجتماع تنسيقي بينهم في 15 سبتمبر 2023.
● زيارة رئيس جهاز الاستخبارات في حكومة غرب ليبيا ” حسين العائب ” لمدينة درنة، بصحبة ” صدام حفتر” قائد القوات الخاصة في قوات شرق ليبيا ، وذلك بعد نشر صور تجمعهما معاً ، بحسب تقرير في جريدة الشرق الأوسط ، والذي ذكر بأن ذلك تم بتنسيق بين طرفي النزاع الليبي.
● زيارة مجموعه من وزراء حكومة الغرب إلى بنغازي مقر حكومة الشرق ، مع دعوات ومطالبات بعض السياسيين إلى تجنب التوظيف السياسي للكارثة ونبذ الخلافات لتخطي الكارثة.
● المناشدات بتشكيل لجنة موحدة للتعامل مع ملف الإنقاذ والإعمار في المناطق المتضررة ، والذي إن تم قد يكون مقدمة لتوحيد المؤسسات الليبية ، كما تم في توحيد المصرف المركزي. حيث دعا لذلك رئيس
المجلس الرئاسي الليبي ” محمد المنفي” خلال اجتماعه مع الدبيبه ، وأكد أن الانقسام يعرقل جهود الإغاثة.
● دعوات المبعوث الأممي إلى ليبيا ” عبد الله باتيلي ” إلى الاجتماع والتنسيق ، مع تأكيد أن ذلك ما زال دون الحد المطلوب. ولكن باءت تلك الدعوات بالفشل.
وفي ظل عدم وجود إراده داخلية مشتركة ودعم إقليمي ودولي للاتفاق وإنهاء الخلافات السياسية بين الشرق والغرب الليبيين ، مع عمق الخلاف بين طرفي النزاع وتضارب المصالح ، خصوصا مع تشابك مصالح الفرقاء المحليين مع مصالح الفاعلين الإقليميين والدوليين الداعمين لهم ، فإن نجاح هذا السيناريو صعب لحد كبير.

السيناريو الثاني: الكارثة فرصة لبسط النفوذ وتعميق الانقسام

ويدعم هذا السيناريو مجموعه من المؤشرات التي تبين مدى تسابق كل طرف من أطراف الصراع لاستغلال الكارثة في بسط النفوذ وإثبات الشرعية، ومن أهم هذه المؤشرات:
● أوردت الجارديان البريطانية في تقرير لها حمل عنوان ” أمير الحرب حفتر يستخدم الاستجابة للفيضانات لبسط نفوذه ” ، أكدت أن حفتر وأبناءه يستغلون المساعدات الإغاثية من أجل بسط نفوذهم في المنطقة الشرقية. حيث سعى حفتر لإبراز دور نجله وخليفته المتوقع ” صدام حفتر”، وذلك بتعيينه قائداً لعمليات الإغاثة بالمدن المنكوبة ، رغم عدم امتلاكه الخبرة ولا المؤهلات لذلك ، وهو متهم من الأمم المتحدة بالاستيلاء على أموال طائلة من البنك المركزي الليبي ، ومتهم بارتكاب مجازر بحق الليبيين في الشرق، على حد وصف منظمه العفو الدولية.
● سارعت حكومة الدبيبه في الغرب إلى التصريح بتداعي البنية التحتية في المناطق التي ضربتها العاصفة، في اتهام للسلطات في الشرق الليبي.
● البرلمان الليبي برئاسة ” عقيله صالح ” وفي جلسته لمناقشه تداعيات الكارثة ، اعتمد ميزانيه 10 مليارات دولار لمواجهه آثار الإعصار، في تسرع شديد وبدون دراسة مسبقة ، حتى يقطع الطريق على حكومة
الغرب من التدخل في التعامل مع الكارثة ، وفقاً لتصريح مدير مشروعات المجلس الأفريقي العربي للاستثمار والتنمية ” محمد امطرد “، والذي اعتبر أن ذلك فقط من باب ” المكايدة السياسية “، ومن أجل
المعارضة فقط . ولكن المجلس الأعلى للدولة رفض قرار البرلمان اعتماد تلك الميزانية ، بدعوة أن ذلك يعتبر من مسائل الأمن القومي ولا يجوز الانفراد بها.
● محاولة قوات الشرق الليبي بقيادة حفتر إسكات الأصوات الناقدة لها ، تخوفاً من استغلال تلك الأصوات للحد من نفوذها. حيث وردت تقارير صحفيه تتحدث عن اعتقال نشطاء ليبيين بعد مظاهرات درنة التي طالبت بتوحيد البلاد وإسقاط البرلمان. وكذلك وردت تقارير تتحدث عن منع سلطات الشرق للصحفيين الأجانب من الدخول إلى درنة بحجه إعاقتهم للعمل الإغاثي.
● الصراع المبكر بين الأطراف الليبية لإدارة عملية إعادة الاعمار والسيطرة على الأموال المخصصة لها، فسارعت حكومة الوحدة باللجوء للبنك الدولي طلباً للمعونة ، وأسرعت حكومة الشرق والبرلمان للدعوة لعقد مؤتمر موسع لإعادة الإعمار، في حين أنه لم يُعرف بعد أعداد الضحايا.
● محاوله حكومة الشرق الحد من مشاركه الغرب في أعمال الإغاثة ، وذلك وفقاً لما ورد من تقارير نقلتها وكاله رويترز، أن سلطات الشرق أعاقت وصول المساعدات القادمة من الغرب. كل ذلك والمناوشات الإعلامية بين الطرفين مستمرة، حيث لم يدخر أي طرف جهداً في إلقاء التهم على الطرف الاخر.

السيناريو الثالث: تشكيل حكومة جديدة

من المتوقع أن تسعى بعض القوى المعارضة لحكومة الدبيبة لاستغلال الكارثة في الدفع بحكومة جديدة موحدة تدير العملية الانتخابية وتُسرع من إنهاء المرحلة الانتقالية ، للتفرغ لبناء دولة المؤسسات ، على اعتبار أنها الوسيلة الأمثل لمواجهة أي كوارث مماثلة في المستقبل بشكل أكثر فاعلية ونجاح.
وقد ظهرت هذه الدعوات من خلال عقيلة صالح في 4 أكتوبر 2023 ، والذي استغل وجود رغبة دولية مسبقة في تشكيل حكومة مؤقتة للدفع نحو هذا الخيار، في المقابل، فإن بعض القوى الداعمة لحكومة الدبيبه، قد تسعى لإعطائها الشرعية والدفع لبسط نفوذها على كامل الإقليم الليبي ، خاصه في ظل الضغط الشعبي والاتهامات الموجهة لحكومة الشرق في تعاملها مع الكارثة.
ولا يبدو أن كلا السيناريوهين واردان ، في ظل استمرار حالة الانقسام السياسي بعد الإعصار، بل إن الإعصار عمق من هذا الانقسام ، وفي ظل تمسك كل طرف بموقفه ، فإنه من الصعب إقناعهما بتشكيل حكومة مشتركة ، فضلاً عن عدم قدرة الدبيبة على فرض سيطرته على كامل الدولة الليبية دون اتفاق سياسي مع الشرق الليبي.

الخلاصة

خلصت الورقة إلى أن الانقسام السياسي وغياب الدولة ساهما في فشل التعامل مع كارثة الإعصار، ورجحت الورقة سيناريو أن تكون هذه الكارثة فرصة لبسط النفوذ ومزيد من الانقسام ، أو على الأقل لن تكون دافعاً للتقارب السياسي ولا محفزاً لتوحيد المؤسسات. وما يزيد الوضع سوءاً ، أنه على ما يبدو أن الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية لن تهدأ ، حيث أشار مؤشر المخاطر العالمي إلى ارتفاع مؤشر تعرض بعض البلدان العربية للكوارث الطبيعية ، وجاءت الصومال واليمن ومصر على الترتيب في مؤشر مرتفع جداً ، وليبيا وسوريا في مؤشر مرتفع.
وعليه توصي الدراسة بأنه لابد من أن تعطى الأولوية لمشاريع العدالة الانتقالية في تلك البلاد ، والتي قد تساهم في تخفيف حدة الانقسامات المجتمعية والنزاعات السياسية ، مما يوفر فرصة للتعامل الجيد مع الكوارث. كما أنه لابد أن تعطى الأولوية إلى إعادة تقييم وترميم البنى التحتية التي تدهورت بفعل النزاعات ، لكي تكون قادرة وجاهزة للتعامل مع أي كوارث طبيعية محتملة.

لتحميل الملف من هنا ….

زر الذهاب إلى الأعلى