هل ليبيا على حافة الانفجار؟ إعلان القوة القاهرة يهدد بإشعال فتيل الحرب
وحــــدة دراســــــات الأمــــــن القومـــــــي
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية في ليبيا، تلوح في الأفق أزمة جديدة تتمحور حول صراع السيطرة على المصرف المركزي، الذي أصبح ساحة للتنافس بين الأطراف المتنازعة، بما يهدد استقرار الامن القومي لـ البلاد بشكل خطير. إن التنافس على هذه المؤسسة المالية الحيوية يعكس الصراع الأعمق على السلطة في ليبيا، حيث يسعى كل طرف لتعزيز نفوذه من خلال السيطرة على الموارد الاقتصادية. هذه التطورات تشير إلى احتمالات تفاقم الأوضاع، في وقت تحتاج فيه ليبيا إلى حلول سلمية لتجنب المزيد من الفوضى.
ويعكس البيان الختامي للجنة 5+5، حالة من الضبابية والارتباك بشأن إمكانية تحقيق التقدم في دمج المؤسسة العسكرية الليبية، وهو ما يشير إلى عجز اللجنة عن إقناع الأطراف المتصارعة في البلاد بالوصول إلى توافق حول هذا الهدف الأساسي. يتجلى هذا العجز بوضوح في البنود الثلاثة الأولى من البيان، حيث أكدت اللجنة على عدم تكليفها بتوحيد المؤسسة العسكرية، وعدم امتلاكها الصلاحيات والإمكانيات الكافية لتنفيذ هذه المهمة، بالإضافة إلى التأكيد على استمرارية العمل في إطار وقف إطلاق النار فقط.
تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه ليبيا تصاعدًا حادًا في الخطاب بين الشرق والغرب، خاصة حول أزمة المصرف المركزي وما تبعها من إغلاق حقول وموانئ النفط. هذا الوضع المتوتر والمتصاعد بين الحكومتين يهدد بشكل كبير بتوسيع فجوة وقف إطلاق النار، مما قد تعيد البلاد إلى دائرة العنف والصراع المسلح، خصوصًا في ظل عدم وجود توافق أو حتى خطوات ملموسة نحو توحيد المؤسسة العسكرية. وفي غياب حل سياسي شامل وتفاهم مشترك بين جميع الأطراف الليبية، قد يكون من الصعب الحفاظ على الاستقرار النسبي الذي تحقق حتى الآن.
السيناريوهات المحتملة
في إطار التطورات الأخيرة التي شهدتها ليبيا على مستوى التحركات العسكرية، وما تلاها من تصعيد لأزمة المصرف المركزي، هناك عدد من السيناريوهات المطروحة:
• السيناريو الأول: التهدئة والحوار حول منصب محافظ المركزي
يرى المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أن هذا السيناريو يتوقف على مدى قابلية أطراف الصراع للتوصل للاتفاق حول منصب محافظ المصرف المركزي، خصوصًا بعد اعتذار محافظ المصرف الجديد الذي عينه المجلس الرئاسي عن المنصب. وإن كانت هناك مؤشرات تعيق تحقيق هذا السيناريو، كحالة الاحتقان والتحشيدات العسكرية المضادة بين سلطات الشرق والغرب، والبيان الختامي للمجموعة العسكرية المشتركة الـ 5+5، والتي يتضح من بيانها أنه فاقدةً القدرة على إقناع أطراف الصراع الليبي في الشرق والغرب بعدم التصعيد العسكري، إلا أن دعوة المنفي مجلس النواب لتعيين محافظ جديد للمصرف المركزي يؤكد أن سيناريو التهدئة هو الأرجح. ويرى المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أن تحركات البعثة وتصريحاتها الأخيرة كان لها تأثير فوري في تخفيف حدة الأزمة، وهو ما تجلى بوضوح في تصريحات رئيس المجلس الرئاسي التي صدرت.
وبالتالي، هذه الدعوة ليست مجرد إجراء إداري، بل تعكس تحولًا في مسار الأزمة نحو احتمالية التهدئة والتوافق السياسي. فالخطوة التي اتخذها المنفي تمثل استجابة مباشرة للضغوط الدولية، وخاصة من بعثة الأمم المتحدة والسفارة الأمريكية، والتي ركزت على ضرورة تجنب الإجراءات الأحادية التي من شأنها تعميق الانقسامات وزعزعة الاستقرار.
وهذا التوجه يعبر عن فهم عميق للتداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن استمرار الأزمة دون حلول، خاصة في ظل التحذيرات المتكررة من المجتمع الدولي. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من التحركات الإيجابية، التي قد تساهم في احتواء الأزمة والعودة إلى مسار أكثر استقرارًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
• السيناريو الثاني: اندلاع الحرب بين الشرق والغرب
يرى المركز الليبي، أن سيناريو اندلاع صراع مسلح في ليبيا وارد، ولو تأخر بعض الوقت، وإن كان أقل ترجيحاً من السيناريو الأول. ويأتي ذلك بناءا على إعلان حكومة حماد إغلاق الحقول والموانئ النفطية، فهي سابقة أولى من نوعها، بأن تعلن حكومة في الشرق الليبي وقف إنتاج النفط وإعلان حالة القوة القاهرة.
• السيناريو الثالث: إعلان قيام مصرف مركزي جديد في الشرق
يأتي هذا السيناريو وفق معطيات سابقة، بإعلان إنشاء مصرف مركزي ليبي موازي للمصرف المركزي في طرابلس. كما أن حكومة الشرق، متجاوزةً وجود مصرف مركزي في العاصمة، قامت بطباعة عملة ليبية جديدة على مراحل منذ عام 2015 وحتى 2020، بدعم روسي، بنحو 12 مليار دينار ليبي (8.5 مليارات دولار)، وأغرقت السوق الليبي بنحو 90% منها، وهو ما أدى إلى زيادة حجم التضخم في البلاد، وأثر على سعر صرف الدينار. لكن يستبعد المركز الليبي هذا السيناريو ويعتبره الأقل ترجيحًا، والذي يتوقف على تمسك حكومة حماد بموقفها الرافض لقرار المجلس الرئاسي وتمسك الأخير أيضاً بموقفه، وعدم التوصل لحل وسط ينهي أزمة المصرف المركزي.
التوصيات
يرى المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، أن الأوضاع الراهنة في ليبيا تتطلب جهودًا دولية ومحلية مكثفة لمنع انزلاق ليبيا نحو مزيد من العنف. ومع استمرار التحركات العسكرية والتوترات السياسية، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توافق سياسي حقيقي بين الأطراف الليبية، إلى جانب ضرورة العمل على تقوية المؤسسات الأمنية والحفاظ على وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، يمثل التعاون والتشاور بين القوى الإقليمية والدولية وأطراف النزاع الليبي خطوة أساسية لضمان استقرار ليبيا على المدى الطويل، وحماية شعبها من مخاطر التصعيد العسكري المستمر.