المؤشرالمؤشر الليبي
المؤشــر العـــــدد التاســع والعشــرون النصف الأول من شهر أكتوبــــر 2024
المؤشــــر العـــــدد التاســــع والعشــرون
يصــــدر عــن المركــز الليبي لبنـاء المؤشـــرات
- إجبار كتيبتي 2020 و106 التابعتين لقوات الشرق الليبي، المواطنين على مغادرة منازلهم في مدينة بنغازي، دون تقديم أي تعويضات، هو مؤشر وتعبير عن طبيعة السلطة الأمنية الحاكمة في شرق وجنوبي البلاد، وهي صيغة الحكم التي يريد حفتر وأبناءه أن يعمموها على كامل الدولة الليبية، مكررين نموذج القذافي وأسرته، وهم بهذا النموذج من الممكن أن يضمنوا استقراراً أمنياً صارماً للبلاد، لكنه استقرار غير مؤسس على أسس صحية، مما يجعله استقراراً مؤقتاً ويحول دون ديمومته، فهذا النوع من الاستقرار في حقيقته استقراراً هشاً حتى ولو بدى غير ذلك تحت ترهيب السلاح.
- وقد شهدت مدينة بنغازي في هذه الفترة اشتباكات مسلحة بين عناصر من اللواء 106 مجحفل بإمرة “خالد حفتر ” والكتيبة 87 التابعة لـ ” صدام حفتر “. وهذا تطور نادراً ما يحدث في المنطقة الشرقية؛ إذ أن هناك توحيد وسيطرة مركزية للتشكيلات المسلحة العاملة ضمن قوات الشرق التي يقودها حفتر، تضمن نوعاً من الاستقرار الأمني لهذه المناطق، وتحول دون اندلاع الاشتباكات المسلحة بين هذه التشكيلات، وذلك بعكس الحاصل في المنطقة الغربية. وبالتالي ما حدث هذه الفترة مخالف لما هو معتاد، ويبدو أنه لن يكون لهذا الحدث توابع كبيرة، طالما كانت هناك سيطرة مركزية من القيادة العامة.
- يبدو أن هناك تراجع نسبي في هذه الفترة لحالات الهجرة الغير شرعية، لكن لا يمكن الحديث عن مؤشر واضح لهذا التراجع فقد يكون حدثاً عرضياً. وخلال هذه الفترة، شارك وزير الداخلية الطرابلسي في اجتماع وزراء الداخلية لدول مجموعة السبع G7 المنعقد في إيطاليا، بحضور تونسي وجزائري، وكان موضوعه الأساسي الهجرة الغير شرعية. وعلى هامش هذا المؤتمر، عقد الطرابلسي عدة اجتماعات تناولت نفس الموضوع، وذلك مع كل من نائب رئيس المفوضية الأوروبية ونظيره الجزائري ونظيره الإيطالي. وهي اجتماعات تعبر عن مدى مركزية هذا الملف لدى صانع القرار في أوروبا، ومحورية ليبيا وتونس والجزائر، كمصدات وخط دفاع متقدم لدول أوروبا في مواجهة موجات الهجرة، وهي تقود لشراكة يجب أن تكون عادلة ولا تأتي على حساب مصالح دول المغرب العربي لصالح الأوروبيين.
- إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية على السواحل الليبية، وتوقيع وزارة الداخلية بحكومة الوحدة مذكرة تفاهم مع نظيرتها التركية في مجال التدريب الأمني، هو مؤشر على إصرار تركي على عدم التخلي عن حلفائه في غرب البلاد، بل وتعزيز هذا التحالف؛ لأنها تدرك أنه بمجرد تخليها عن هذا التحالف، أو خروجها عسكرياً وأمنياً من الغرب، سيتبعه في اليوم التالي حرباً جديداً يقودها حفتر لإعادة السيطرة على العاصمة. بمعنى آخر، تدرك تركيا أهمية دورها وحضورها في الملف الليبي كعامل توازن بين الشرق والغرب، وأنه لا بديل عن حضورها المباشر في الساحة الليبية، من أجل حماية مصالحها في ليبيا وشرق المتوسط. وتدعم الولايات المتحدة والناتو تركيا في هذا الجانب، لمواجهة واحتواء النفوذ الروسي في ليبيا، وضمان عدم توسعه للمنطقة الغربية على الأقل.
- إعلان استئناف عمليات إنتاج النفط والغاز والتصدير بشكل طبيعي، ورفع حالة القوة القاهرة عن جميع منشآت النفط والحقول والموانئ، ثم إعلان بعدها بأسبوع المؤسسة الوطنية للنفط اقتراب الإنتاج للمعدلات الطبيعية اليومية، هو تطور إيجابي، لكنه يعد معالجة للعرض وليس لأصل المرض، وبالتالي من المتوقع جداً أن تتكرر الإغلاقات من جديد، فالحل يبدأ من معالجة المعضلة السياسية التي أساس أزمة ليبيا.
- استلام المحافظ الجديد للمصرف المركزي مهامه رسمياً بمقر المصرف في طرابلس، من المحافظ المكلف عبد الفتاح عبد الغفار، هو تطور إيجابي أيضاً ومرتبط بالتطور السابق، فأزمة الإغلاقات كانت نتيجة للصراع على منصب محافظ المصرف المركزي. السؤال هنا، هل يمكن البناء على حل هذه الأزمة الجزئية في حل أزمة ليبيا السياسية الرئيسية؟ بمعنى هل يمكن تطبيق التجربة التفاوضية برعاية البعثة الأممية في هذه الأزمة من أجل حل الأزمة السياسية؟ ليس شرطاً ولكنها قد تكون عامل محفز في هذا الصدد.
- عقد عقيلة صالح مباحثات مع عدة مسؤولين أمريكيين قد يأتي في سياق محاولة كسب الدعم الأمريكي له ولموقفه السياسي الذي يدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة كشرط لإجراء الانتخابات هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يكون محاولة منه لإثبات الحياد تجاه التنافس الروسي الأمريكي، ولاحتواء الغضب الأمريكي الناتج عن التحالف الذي ذهب به حفتر بعيداً مع الروس.
- قدرة البعثة الدبلوماسية على التقريب بين الفرقاء الليبيين في أزمة المصرف المركزي، ثم انعكاس ذلك على رفع القوة القاهرة عن منشآت النفط والغاز، مؤشر على أن الأزمة في ليبيا سياسية بامتياز، وبحلها يمكن حل جميع الأزمات الأخرى العالقة. كما أن هذه التجربة يمكن للبعثة البناء عليها ومنحها ثقة وقوة دفع في حل الأزمة الكبرى المتعلقة بالانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية.
- وفي مقابل التطور الإيجابي السابق، شهدت ليبيا في هذه الفترة تطورين سلبيين، الأول احتدام التوتر من جديد بين تكاله والمشري حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وبروز صراع جديد بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي حول إنشاء محكمة دستورية في بنغازي. وهذا مؤشر على مدى التعقيد والتركيب في الأزمة الليبية؛ إذ أنها أزمة ذات أبعاد متعددة ومتداخلة، وثانياً على أنها أزمة مؤسساتية؛ إذ أن الأزمة ليست فقط بين الفرقاء السياسيين والأحزاب السياسية بل تمتد لما بين مؤسسات الدولة الرسمية.
- كما الشهر الماضي، يلاحظ تراجع الزخم في زيارات المسؤولين الليبيين للخارج، إذ اقتصرت على زيارة بروتوكولية للطاهر الباعور للمكسيك، والتقى هناك بنائب وزير خارجيه السعودية. وبينما تركزت لقاءات المسؤولين الليبيين مع السفراء الأجانب لدى ليبيا حول مناقشة مستجدات الوضع السياسي الليبي، فإن لقائي الباعور بسفير روسيا والدبيبة بالسفير الألماني الجديد لم يقتصر على مناقشة الوضع الداخلي، بل امتدت لمناقشة تعزيز التعاون المشترك. ويلاحظ أن معظم لقاءات الباعور بالسفراء الأجانب دائما ما تركز على العلاقات الثنائية على حساب بحث الوضع الليبي الداخلي، بعكس لقاءات بقية الفرقاء الليبيين كرؤساء مجالس النواب والرئاسي والدولة وأعضاء هذه المجالس مع السفراء، وهو هو أمر طبيعي لكون الباعور وزير الخارجية يركز أكثر على التفاعلات البينية أكثر من تركيزه على أزمات داخلية.
- هناك مؤشر على تصاعد العلاقات الصينية الليبية نحو مسارات إيجابية، على المستوى السياسي والاقتصادي، وبالتالي بحث ترتيبات إعادة افتتاح السفارة الصينية في طرابلس هو مخرج لهذه التطورات الإيجابية، ومن المتوقع أن تفتح الصين سفارتها قريباً.
- إصدار محكمة جنايات طرابلس حكماً يقضي بإدانة رئيس سابق لبعثة دولة ليبيا لدى إيطاليا، بسبب الكسب المالي غير المشروع، هي ظاهرة متكررة في الدولة الليبية تعبر عن مؤشر متصاعد لتفشي الفساد والمحسوبية في السلك الدبلوماسي، وتحتاج لحل عاجل يوقف هذا الفساد المستشري رأسياً وأفقياً.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)