تداعيات انقلاب النيجر على الأمن القومي الليبي ( 2 )
في محاولة من المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية لمتابعته إنقلاب النيجر وتداعياته علي الامن القومي الليبي ، نتناول في هذه الورقة ” الثانية ” اخر مستجدات الاحداث التي اصبغت بصفة التسارع والديناميكية ، والتي كان من أهمها التدخلات الدولية خاصة من قبل فرنسا وامريكا وتصريحات خارجية الاثنين الرافضة للإنقلاب ، الي التدخل الإقليمي من قبل دول المنطقة المحيطة بالنيجر بين مؤيد للانقلاب و معارض له إلي درجة ان هناك من يدعو الي التدخل العسكري لإعادة الشرعية.
وهذا ما تقوم به مجموعة ” إكواس” ، وتسليمها لملف النيجر إلي قيادات الجيش و وزراء الدفاع للدول المجموعة ، والدعوة الي التدخل العسكري مرة وفرض عقوبات وحصار علي قيادات الانقلاب.
كل ذلك سنتناوله في هذه الورقة التحليلية لإبعاد الموقف لمحاولة فهم تأثير تداعيات الحدث علي الامن القومي الليبي مع محاولة تقديم مجموعة من المقترحات لصانع القرار في السلطة التنفيذية ، ربما تساعد في صياغة لقرار مناسب يجعل البلد في منأي عن هذه الأحداث.
- التمهيد
في مستهل حديثنا وبعد اقل من أسبوعين ، مازال يحب الكثيرين من مناصري الإنقلاب بدأ الحديث عن ما حصل في يوم الإربعاء 26 من يوليو الماضي في بلدهم، حيث قام القائد السابق للحرس الرئاسي الجنرال “عمر عبد الرحمن تياني ” بالإستيلاء على السلطة ، وبرر إطاحتة بالرئيس ” بوعزوم ” إخفاقه أمنياً واقتصاديا واجتماعيا ، في بلد يعد من بين الأفقر عالميا والذي يشهد هجمات ونشاط محموم لمجموعات مسلحة إرهابية.
ويصف هؤلاء الاستعمار الفرنسي بأنه كان جاثماً على أرضهم ، وأنه تربع على خيرات الدولة وعات فيها نهبا واستغلالاً، ولم يسمح بأن تنعكس ثروات الدولة على الشعب في النيجر وضلت الدولة توصف بأنها الأفقر.
وأن الادعاء الفرنسي بحماية منطقة الساحل من المخاطر والتهديدات الإرهابية لم تفلح في أن تجعله نقطة كسب في رصيد تواجدها الأمني والعسكري في المنطقة ، وأقرت أن إستراتيجياتها الأمنية والعسكرية في عمليتي “برخان وتاكوبا” لم تنجزان وتؤديان لما هو مخطط له ، وشكلت بذلك خيبة أمل فرنسية أوروبية لرهانات النجاح والتوسع.
بعد الإنقلاب اتضاحت بعض معالم نهج وتفكير قادته ، وبات مؤكداً حساسية الوضع القائم في النيجر وتأثير تداعياته على دول المنطقة.
ليبيا الجارة الشمالية لدولة النيجر والتي لن تكون بمنأى عن هذه التداعيات ، ولعل بعض الخصوصية التي تربط طبيعة العلاقة بين البلدين ، تترك أثرها في دوائر تأثير الإنقلاب على الجارة ليبيا ، أولا كون الرئيس المعزول “محمد بوعزوم” من أصول ليبية ، منحدراً من قبيلة عربية وهي قبيلة ” أولاد اسليمان” والتي لها تواجد رئيسي في الجنوب الليبي إضافة إلي مناطق الوسط والشمال ، ولها قدر من النفود والتأثير في بعض المفاتيح التي تمتلكها ، وهو بُعد وجب التوقف عنده كثيراً ، بالإضافة إلى مجموعة من الأبعاد التي تلامس الأمن القومي الليبي ، وستكون مرتبطة بسياقات وتطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي من المحتمل أن تعصف بالدولة ، والتي واقع حالها المعيشي الصعب ، والتي يتجاوز عدد سكانه ال 25 مليون غالبيته ممن أنهكهم الفقر والجوع.
- قصور استخباراتي غير مفهوم
قبل الحديث عن تطورات و مآلات الأحداث في النيجر وتأثيرها على الدولة الليبية ، وجبت الإشارة إلى أهمية معرفة حقيقة التقدير المخابراتي الفرنسي والغربي لإمكانية حصول انقلاب آخر في دولة النيجر ، وبعد ( 7 ) انقلابات في آخر ثلاث سنوات ، شملت دول مجاورة كمالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى ، فعدم قدرة فرنسا على إستيعاب صدمتها لطردها من مستعمراتها السابقة ، وماكان يعول عليه الرئيس الفرنسي على النيجر لإعادة صياغة وتنفيذ استراتيجية جديدة وطموحه للمنطقة ، وإعادة رسم طموحاته في منطقة الساحل الممتدة من غرب إفريقيا ، مرورا بعدة دول إلى شرق إفريقيا ، وكان يتطلع إلى أن يكون هو حلقة الوصل في إقامة جسور بين الدول المتقدمة وما يسمى بالجنوب العالمي ، لذلك فإن النيجر كانت هي المعقل الأكبر المتبقي له في منطقة الساحل ، وإفريقيا عموماً بعدد ( 5 ) قواعد عسكرية ، ووجود رئيس يصنف أنه الحليف الأقوى له في المنطقة ، مع دوائر نفوذ أمنية واقتصادية في مستويات الدولة أمر يثير الأستغراب .
وجديرا بالذكر ، أن الطرف الأمريكي هو أيضاً متواجد بفعالية على الأرض و بمستوى من الترتيب والرؤية الإستراتيجية، و التي انعكست في استراتيجيتها الأخيرة لدول جنوب الصحراء ، إضافة إلي الاستراتيجية العشرية لليبيا ، والتي احتوت بنودها على التركيز على أهمية الجنوب الليبي ، وامتداداته وارتداداته ، كل هذا يثير الاستغراب والحيرة الشديدة في تحليل السلوك المخابراتي للدول الغربية تجاه تقدير إنقلاب النيجر، خاصة وان سهام وبنادق الفاغنر تحيط بدولة النيجر من الجنوب الليبي ، ومن إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو من جهة أخري.
أضافة إلي أن ، العامل المهم الآخر هو سلوك الرئيس ” محمد بوعزوم ” ومواقفه السياسية ، ولعل أوضحها تصويت النيجر في منظمة الأمم المتحدة لصالح إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا ، والذي كان صوتًا نادرًا في أفريقيا غرد خارج الكثير من المواقف الإفريقية ، مما جعله في خانة المعادين للسياسات الخارجية الروسية.
وناهيك عن ذلك ، فشل الرئيس المعزول “محمد بوعزوم” في تلافي حصول الإنقلاب ، وهو يعي ماتشهده المنطقة من تنافس دولي كبير ، ورسائل الخطر التي كانت تحيط به كونه من أقلية عرقية و مكون عربي ، وكونه محاط بجنرالات أقوياء في مؤسسة الجيش ، ومؤسسة الحرس الرئاسي لهم أصول من قبائل الهوسة التي تمثل أكثر من 55٪ من السكان ، ومن قبائل أخرى ذات جذور إفريقية كالبازرما والفلاتا وغيرها ، لدلالة واضحة وجلية على سوء تقدير كبير لحجم المخاطر ، من الرئيس و مستشاريه وفريقه الحكومي الذي اختاره، ويعكس إهمال واستهتار غير مفهوم.
- خطوات أولية وسريعة لقادة الإنقلاب
مرة أخرى قبل أن نشرع في بيان مهددات الأمن القومي الليبي ، نستعرض آخر خطوات قادة الانقلاب إلى لحظة كتابة هذا التقرير، فعلى الفور من إعلان الإنقلاب حرص الجنرال ” عبدالرحمن تيناي “ورفاقه على إعلان سلسلة من الإجراءات المعبرة عن هويتهم وتوجهاتهم فكانت :
على الفور ومن الساعات الأولى ، حرص الإنقلابيون على الحصول على دعم الجيش مبكراً ، وتواصلوا مع قياداته، حصلوا بعد بيان صدر عقب يوم واحد من الإنقلاب على دعم الجيش ، و بتوقيع من رئيس الأركان “عبده صدّيق عيسى” مفاده أن رئاسة الأركان تقف إلى جانب قوات “الدفاع والأمن” تجنباً للإقتتال وحفاظاً على تماسك البلاد ، والذي يعني التأييد الكامل ، مما يعكس نفس انقلابي موجود بالأساس عند قيادات الجيش ، وأن التواصل والتباحث قد يكون شكلي ، وأن الترتيب والإحاطة مسبقة ومحكمة مع بعض قيادات الجيش ، و أعلنت المجموعة الإنقلابية على الفور تعليق عمل المؤسسات وإغلاق حدود البلاد وفرض حظر التجول ، ثم أعقب ذلك إعلان تعليق أنشطة الأحزاب السياسية في البلاد حتى إشعار آخر.
ثم وفي وقت قصير بدأت تبرز بعض توجهات الفريق الإنقلابي حيال المجتمع الدولي ، حيث أصدرت سلسلة قرارات موجهة ضد دولة فرنسا، من أبرزها إنهاء العمل بالإتفاقيات العسكرية الموقعة معها ، والتي سمحت بموجبها لفرنسا نشر ( 1500 ) جندي فرنسي في البلد، في إطار ما يعرفُ بالحرب على الإرهاب.
وتتسارع الإحداث ، ليصدر قادة النيجر الجدد في وقت لاحق قراراً موجهاً من جديد نحو فرنسا، يقضي بتعليق بث إذاعة فرنسا الدولية وقناة “فرنسا 24 ” في النيجر ، وهما أهم وسيلتي إعلام فرنسيتين، كانتا تتمتعان بقاعدة شعبية واسعة في النيجر.
كما قرر الحكام العسكريون الجدد للنيجر، سحب سفراء البلد في كل من فرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى نيجيريا وتوغو، ولم يشرح قادة الإنقلاب خلفيات هذا القرار ، كما لم يصدر أي قرار بخصوص سفراء هذه الدول في النيجر.
اللافت هنا هو ماقام به نائب رئيس المجلس العسكري الجنرال “ساليفو مودي” ، من جولة قادته ضمن وفد عسكري رفيع إلى دولتي مالي وبوركينا فاسو ، التقى خلالها بالقادة العسكريين في البلدين، والعائدين للتو من زيارة غير مسبوقة إلى روسيا، لحضور قمة روسيا – أفريقيا.
وتصريحه الذي أتى بعد اللقاء الذي قال فيه ” إنه يمكننا القول بأننا تلقينا دعماً قوياً جداً من بوركينا فاسو، لأنه كما تعلمون هنالك عدد من بلدان مجموعة ” إيكواس ” قرروا فرض عقوبات قاسية على النيجر”.
وفي إشارة إلى زاوية نظره للجارة الشمالية ليبيا – والتي يمتد بينهما حدود لمسافة ( 350 كم ) ، قال بكل وضوح ” إنني ناقشت مع النقيب ” تراوري ” كل الأوضاع المحتملة، لأننا لا نريد للنيجر أن تصبح ليبيا جديدة ، وسنوحد جهودنا حتى لا يحدث ذلك ، وقررنا القيام معاً بمجموعة من الأنشطة ، من أجل أن نقف في وجه هذا الوضع ” ، وأخيرا ما أعلن عنه قائد الإنقلاب ” عبدالرحمن تياني ” من تغيرات في قيادات الجيش حيث عين رئيسا جديدا لأركان الجيش ونائبا له ، كما إختار قائدا جديدا للقوات البرية ونائبا وأمينا عاما لوزارة الدفاع – كما نقل عن مراسل الجزيرة قبل أيام ، كما قام قادة الانقلاب في أثناء كتابة هذه الورقة بأغلاق المجال الجوي للنيجر ، وتهديدهم بالرد علي أي هجوم عسكري محتمل – كما ذكر في بيان صادر منهم.
- ردود الأفعال الليبية تجاه الانقلاب
فيما يلحظ من ردود الفعل الأولية من المسؤولين في ليبيا ، يتم ملاحظة التباين بين سرعة ردود الأفعال في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية من جهة بدون أي تنسيق واضح بين الاثنين ، وعدم التعرض لحدث الانقلاب من قبل القيادة العسكرية او من الحكومة الليبية في المنطقة الشرقية بإي بيان او تعليق ، وهو ما عُدّ مستوى من التقدير الخاص بكل منهما بحقيقة الإنقلاب ودوافعه وداعميه ، حيث رفض رئيس المجلس الرئاسي الليبي تغيير النظام في النيجر ، واصفاً ما يجري بأنه عملية خارجة عن القانون والشرعية ، ودعى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ” لتأمين سلامة الرئيس محمد بازوم وأسرته ورئيس وأعضاء الحكومة ” – بحسب بيان صادر عن الرئاسي ، فيما أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة “، أن التحركات العسكرية في النيجر تشكل “مصدر قلق ” للدول المجاورة ، وأنه لا بد من وضع حدّ فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها ، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة والمجتمع الدولي ككل ، واكتفت قيادة الجيش التابعة للمنطقة الشرقية بعدم التصريح او التعليق ، ولكنه أرسل بعض قواته،تابعين لكتيبة “طارق بن زياد” إلى الحدود الجنوبية دون تعليق رسمي على طبيعة المهمة.
- الإنقلاب ومهددات الأمن القومي الليبي
لا نبالغ إذا قلنا أن الأمن القومي الليبي يتعرض إلى جملة من التحديات والمخاطر الكبيرة التي قد تعصف بمستوى تماسك الدولة و وحدتها شرقاً وغرباً وجنوباً ، وأن الأوضاع المشتعلة في دول الطوق الجنوبي تهدد بكوارث أمنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية محدقة بالدولة.
حيث أنه وكما هو معلن ، تنتهي المهلة التي منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا برئاسة الرئيس النيجيري ” بولا تينوبو ” – “إيكواس” لقادة انقلاب النيجر مع نهاية يوم الأحد 6 أغسطس ، حيث أعلن رؤساء الأركان في المجموعة إنهم أعدوا بالفعل خطة للتدخل العسكري في النيجر كحل أخير في حالة عدم إرجاع الرئيس ” محمد بوعزوم ” إلى منصبه الذي تم عزله منه نهاية الشهر الماضي.
وذكرت أن المجلس العسكري في النيجر لديه مهلة أسبوع لإعادة النظام الدستوري للبلاد أو مواجهة الاستخدام المحتمل للقوة ، وعمدت بالفعل إلى فرض عقوبات على قادة الإنقلاب العسكري وقُطعت إمدادات الكهرباء من نيجيريا المجاورة ، إضافة إلى إغلاق الحدود، وهو ما يعني أن البضائع لم تعد تصل إلى الدولة ” المعزولة جغرافيا “.
وإستنادا علي ماسبق ، فأن الوضع لايقبل أي تباطأ من المسؤولين وصناع القرار في الدولة الليبية ، لوضع الخطط والإجراءات السريعة والحاسمة لإستدراك ماقد يعصف بمرتكزات الأمن القومي الليبي ، بما يخص جزئية الإنقلاب الحاصل الآن في النيجر فإننا نسجل الآتي:
- لعل أولى نقاط القلق التي تنتج عند تداعيات الإنقلاب هو التخوف من أن يكون الجنوب الليبي مسرحاً وقاعدة لعمليات عسكرية بين عناصر الفاغنر ، الذين تشير التقارير إلى أنهم ينتشرون في الجنوب الليبي والداعمة لقادة الإنقلاب في النيجر ، وبين القوات الفرنسية المتمركزة في شمال النيجر.
- تداعيات الصراع المسلح المحتمل داخل النيجر ، يدفع إلي نزوح أعداد كبيرة هربا من أتون الحرب إلى الجنوب الليبي نتيجة للهشاشتة الأمنية ، ولوجود امتدادات اجتماعية لكثير من المكونات العربية والتبو والطوارق والهوسا داخل الأراضي الليبية ، و ما تشكله من تأثير اجتماعي وديموغرافي مستقبلي يهدد الأمن القومي الليبي
- التخوف من توظيف ملف الإرهاب وتأثيرة في المنطقة وامتداده الي دالخل الأراضي الليبية ، وذلك بإستغلال الجماعات الإرهابية للبيئة التي قد تتاح لها نتيجة لإي تصعيد ناتج من تطور الأحداث في النيجر، وبالتالي سيكون الجنوب الليبي ساحة تحرك حر لتلك الجماعات الإرهابية مستغلة البيئة الأمنية الرخوة في المنطقة.
إضافة الي ما قد يؤدي له من فقدان السيطرة على مناجم الذهب واليورانيوم إلى توسع دائرة الفوضى في مناطق شمال النيجر، وبروز خطوط ودوائر ومجاميع للعصابات الإرهابية والتي تسعى إلى الاستفاذة من الفراغ الأمني الذي قد ينشأ لحصول علي مصادر التمويل المفتوح لمشروعها.
- التخوف من تضاعف أعداد طالبي الهجرة الغير شرعية ، وتأثير توافدها على الدولة الليبية ، مما يسبب عدم قدرتها على ملاحقة هذا الملف ، إضافة الي تأثير الضغوط الأوروبية لإيجاد حلول تسمح بفتح ملف التوطين في الجنوب الليبي تحت برامج وخطط تم تجهيزها مسبقا ويروج لها من فترة.
- انفجار ملف تهريب البضائع و السلع التموينية والأساسية بين مناطق الجنوب الليبي ومناطق شمال النيجر ، واحتمال نشوء صراع كبير على خطوط الأمداد ” التهريب ” ، واحتمالية تأثيره وتوظيفة ، حيث ربما تعمل بعض الأطراف ومنها قبيلة ” أولاد اسليمان ” على التحكم في سوق الإمدادات لصالح المطالبة برجوع أبنهم الرئيس ” بوعزوم” للحكم.
- تأثير حالة الفوضى التي قد تشهدها النيجر ، على عدم قدرة أجهزة الدولة الأمنية في التعاطي مع ملف تجارة وتهريب المخدرات ، وتأثير ذلك على تضاعف الكميات التي تدخل إلى الأراضي الليبية ، وصعوبة تغطية المساحات الشاسعة للصحراء الليبية ، التي تعج بعصابات التهريب العابرة للحدود، وتتحرك وفق مسارات وممرات التهريب الدولية.
- احتمالية أن يصبح الجنوب الليبي مسرحاً لنشوء معارضة عربية مسلحة علي غرار المعارضة التشادية ، تستغل البيئة الليبية الهشة لوجود حواضن اجتماعية لها امتداداتها وارتباطاتها ومصالحها في العمق النيجيري، بالإضافة إلى تقدير عودة المعارضة التباوية ، والتي كان لها تكوين سابق في الأراضي النيجرية ، مع انفتاح المشهد كذلك على المعطى التارقي ، الذي له إمتداد بين الأراضي الليبية والنيجرية، وما يمكن أن ينتج عن دخول المنطقة في الفوضى وإعادة تسويق المشاريع الانفصالية مرة أخري علي الأراضي الليبية.
- تقدير أن يتم توظيف قاعدة ” الويغ ” الجوية الحدودية ، في مايتوقع من صراعات قد تشهدها المنطقة من قبل القوات الفرنسية أو الأمريكية من جهة ، أو قوات الفاغنر الروسية من جهة أخرى.
- الإجراءات والإحترازات والمواقف المتشدد للدولة الجزائرية تجاه مايحدث في النيجر ، ورفضها التام لإي تداخل عسكري في النيجر لما يمس ذلك من سلامة أمنها القومي – بحسب ما أعلن عن خارجيتها ، وهذا قد يشمل إحكام إقفال الحدود ونشر القوات على مناطقها الحدودية ، لخوفها من تهديدات محتملة تمس سلامة أراضيها قد تنعكس سلباً على الدولة الليبية ، لضعف مؤسساتها الأمنية والعسكرية ، قد يؤدي إلى نقل إتجاه المخاطر إلى المنطقة الليبية الأمنية الرخوة.
- الخوف من محاولة المعارضة التشادية المتواجدة على الأراضي الليبية تجميع صفوفها ، واستغلال نفوذ قوات الفاغنر ورغبتها في الإطاحة بالأنظمة المرتهنة للنفوذ الأمريكي والفرنسي ، وكذلك صدى مايحصل في النيجر لتكرار تقدمها إلى الأراضي التشادية بغية الاستيلاء على السلطة، وما يمكن أن يؤثر على مسار العلاقات بين تشاد وليبيا التي تشهد في الأساس حالة توجس وريبة من قبل السلطات التشادية ، حيال عدم اتخاذ السلطات الليبية لمواقف واضحة تجاه تواجد المعارضة التشادية علي أراضيها.
- تداعي تراجع حضور القبائل العربية على مستوى دول المنطقة ، كما حصل في تهاوي مشروع حميدتي والجنجويد بالإستيلاء على السلطة في السودان ، وعزل الرئيس ذو الأصول العربية محمد بوعزوم بعد الإنقلاب عليه ، قد يستغل من أطراف وجهات إقليمية ودولية في جعل المنطقة تغرق في الفوضى وإدخال تشاد في هذه الدوامة ، وهي التي تحوي علي عدد معتبر من المكون العربي، الذي ترتبطه بعض التفاهمات والتحالفات مع مكون القرعان والذي تنتظم شرائح واسعة منه في مواجهة سلطة وحكم الزغاوة ، وهو مايمكن أن ينعكس على الأمن القومي للدولة الليبية ستكون له تداعيات خطيرة لإمتداد هذه المكونات وانتشارها علي الأراضي الليبية.
- الخلاصة…
استنادا علي ما سبق ، فإن من أهم مقتضيات الأمن القومي الليبي علي المستوي الإجرائي ، الالتفات السريع إلى خطورة تداعيات الإنقلاب في النيجر والصراع المسلح في السودان ، وتقدير خطورة إنتقال دوائر تأثير مايحصل على الداخل الليبي فلذلك فإنه من الواجب الإنتباه إلي :
1- ضرورة الاستعجال بالتواصل مع الفاعلين في قبيلة أولاد اسليمان ، والمقاربة في متابعتهم لتطورات المشهد في النيجر ، وحصرهم في الاطمئنان على الرئيس المعزول لطبيعة انتمائه للقبيلة ، فليس من مصلحة الأمن القومي الليبي اتخاذ القبيلة لأي خطوات بشكل أحادي بدون التنسيق مع الدولة الليبية ، ومن واجب الدولة أن تأخد على عاتقها متابعة موضوع سلامة الرئيس محمد بوعزوم ، بما لا يتعارض مع متطلبات الأمن القومي.
2 – يفترض أن تكون تقديرات الأمن القومي الليبي في شكل توصيات وسياسات تقدم للحكومة و صناع القرار السياسي لتقدير كيفية التوازن في التصريحات والمواقف وعدم الاستعجال في استعداء قادة الإنقلاب الجدد، مما قد يؤدى الي خسارة في المواقف مستقبلا ، خاصة إذا علمنا ان الراي العام في عموم دول الساحل الآن ضد فرنسا وعملائها الحكام – بحسب ما يعلن .
3 – استصحاب ومتابعة ودراسة مواقف الدول المجاورة للنيجر أمر مهم جداً ، فموقف دولة الجزائر الرافض لأي تدخل عسكري في الشأن النيجري ، موقف له أسبابه ودواعيه التي تراها الجزائر لحماية أمنها القومي وكذلك أمن دول جنوب الصحراء ، وماورد في بيانها بالخصوص بكلمة “نحذر ” لهو تعبير ودلالة لموقف متقدم متبلور عند السلطة الجزائرية ، ويبدوا أنه متماشيا مع موقف الدولة الروسية حول موقفها من الإنقلاب.
4 – إن من مقتضيات الأمن القومي الليبي ، التوحد في المواقف حول ماحصل في النيجر ، وأن الموقف الواحد الموحد يعطي قوة وأهمية قصوى للدور الليبي ، وهو ما يجعل من الإسراع في ترتب و إنجاز ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية تحت قيادة حكومة واحدة معترف بها دولياً مهم جدا ، لعدم السماح بنقل الصراع الدولي للقوى الكبرى إلى الأراضي الليبية .
وعليه .. يجب متابعة الأحداث في جنوب الصحراء ، وخاصة تداعيات أنقلاب النيجر من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارتية متابعة حثيثة ومستمرة ، وتكون لها وقفة معمقة علي مجريات الاحداث، لتقديم التوصيات والتقديرات والتحليلات الاستخبارتية الواقعية ، لصناع القرار في الدولة الليبية للخروج بموقف موحد وواضح في حماية امنها القومي .
لتحميل الملف إضغط هنا
هذا المحتوى متوفر أيضًا باللغة: English Français Türkçe Italiano