قرارات مجلس النواب بخصوص حكومة الوحدة وقيادة الجيش وتقسيم الثروة.. هل تربك المشهد وتهدد التوافق والأمن القومي؟
أبعــــــــاد الموقـــــــف
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
اتخذ مجلس النواب الليبي عدة قرارات جاءت بمثابة مفاجأة للجميع حتى الأعضاء الحاضرين للجلسة بعدما صوت خلال جلسة رسمية عقدت الثلاثاء الماضي، 13 أغسطس 2024 على إنهاء حكومة الوحدة الوحدة الوطنية رسميا وسحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي ومنحها لرئيس البرلمان، عقيلة صالح، وكذلك حديثه عن إعادة تقسيم الثروة.
وفي جلسة حضرها ما يقارب 40 عضوا فقط، بحسب ما أكدته لنا مصادر برلمانية، صوت البرلمان على إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة، عبد الحميد الدبيبة، واعتبار الحكومة المكلفة منه برئاسة، أسامة حماد هي الحكومة الشرعية وفقط، والتي سلمها عقيلة صالح قرار اعتماد ميزانية 2024 مؤخرا.
كما صوّت على سحب صفة ” القائد الأعلى للجيش ” من المجلس الرئاسي، وإعطاء الصفة لرئيس البرلمان، عقيلة صالح، مبررا أن الأمر جاء إثر مذكرة تقدم بها 50 نائبا من البرلمان، طالبوا بذلك وأن الخطوة صحيحة قانونيا، وجاءت طبقا للإعلان الدستوري، وفق مبررات رئيس المجلس.
حالة الإرباك الجديدة في مشهد معقد أصلا، لم تأت فجأة أو دون أسباب، لكنها جاءت كرد فعل سريع من قبل مجلس النواب على 3 قرارات تمت متتالية أولها: قرار المجلس الرئاسي تشكيل مفوضية للاستفتاء والاستعلام الوطني، وثانيها: قرار رئيس المجلس الرئاسي بخصوص التحركات العسكرية الأخيرة، وثالثها: قيام حكومة الدبيبة بطرد موظفين في السفارة المصرية بطرابلس.
وفي قراءة لطبيعة قرارات مجلس النواب نجدها تتلخص في رد فعل من قبل رئاسة البرلمان على هذه الخطوات الثلاث التي تمت في الغرب الليبي، لرفضه فكرة مفوضية الاستفتاء تخوفا من تجاوز دوره او حتى تجميد عمله ورفضه تجرؤ المنفي على المؤسسة العسكرية (قوات القيادة العامة) ومنعه لتحركاتها دون إذنه، ومحاولة احتواء الموقف مع الدولة المصرية بخصوص تصرفات حكومة الدبيبة مع القاهرة دبلوماسيا ردا على استقبالها “أسامة حماد”.
وبحسب مصادر متطابقة وخاصة للمركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، فإن فكرة مفوضية الاستفتاء هي فكرة مقدمة من مستشار رئيس المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات وسفير ليبيا في هولندا، زياد دغيم بدعم وتوجيه من بعض القوى الأوروبية من أجل الضغط على مجلسي النواب والدولة وكذلك مفوضية الانتخابات.
وذكرت المصادر أن “دغيم قدم الفكرة لرئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي منذ فترة قصيرة، في محاولة لقطع الطريق على رئيس المفوضية، عماد السايح للقيام بأي تقارب أو انفتاح مع معسكر الشرق الليبي خاصة مجلس النواب ورئيسه ، عقيلة صالح المعروف بعدائه المستمر مع دغيم ، وأن السفير الليبي في هولندا برر هذه الخطوة والفكرة بأن المفوضية ومجلس إدارتها الحالي ليس شرعيا ولا قانونيا، وأن السايح منتحل لصفة رئيس المفوضية، وأنه من أفشل العملية الانتخابية وأوهم الجميع بعدم جاهزية البلاد لذلك، وأنه طالما إقالته صعبة فإن الحل في مفوضية بديلة وموازية له، تأخذ الصفة الشرعية بقرار الرئاسي”.
وفي تأكيد لما ذكرته مصادرنا المتطابقة فقد صرح دغيم بنفسه مدافعا عن قرار الرئاسي بإنشاء مفوضية للاستفتاء، واصفا الخطوة بأنها ” الحل الأمثل في ظل الانسداد السياسي الكبير الموجود في ليبيا الآن، الذي انعكس بشكل كبير على الجانب الأمني “، مضيفا: ” نحتاج إلى العودة للاحتكام إلى الشعب، وتأسيس هذه المفوضية اختصاص أصيل للمجلس الرئاسي، وهناك أسانيد لذلك موجودة في مقدمة قرار إنشائها “.
وفي تأكيد لما ذهبنا إليه سالفا بأن الهدف هو إلغاء مفوضية الانتخابات وسحب صلاحياتها، أكد دغيم أن ” المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الحالية هي مؤسسة فاشلة وفشلت في جميع الاستحقاقات، وهي غير مستعدة أو غير مهتمة بإجراء استفتاء على مشروع الدستور أو استفتاءات أخرى قد تحتاجها المرحلة الحالية “، وفق قوله.
ومن المعروف أن ، زياد دغيم هو أحد مهندسي فوز قائمة ” الدبيبة والمنفي ” وأنه استفاد من ذلك جيدا بعد تشكيل السلطة التنفيذية الموحدة، فبعد قرار عقيلة صالح بإقالته من مجلس النواب تم تعيينه مستشارا للمنفي لشؤون الانتخابات، ثم سفيرا لليبيا لدى هولندا، ورغم أن صفته الدبلوماسية تتطلب منه الابتعاد عن التصريحات الإعلامية احتراما للأعراف الدبلوماسية ولتمثيله لليبيا في الخارج، إلا أن السفير الليبي يخالف ذلك كله، ويظهر في برامج تلفزيونية بها ضيوف كثر ليدافع عن قرارات الرئاسي، وآخرها إنشاء مفوضية للاستفتاء، ما يعد مخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية.
وعليه
فإن قرارات مجلس النواب التي جاءت ردا على تحركات الرئاسي بخصوص التحركات العسكرية وكخطوة استباقية لـ قرارات للرئاسي بتجميد عمله أو تجاوزه أو تفريغه من مضمونه، ستكون بمثابة إرباكا جديدا للمشهد، وخلطا للأوراق المبعثرة أصلا ما يعني صدامات سياسية وفشل عملية التسوية السياسية والتوافق، حتى مع الحلفاء في غرب البلاد مثل المشري وكتلته، كما تؤثر الخطوة في حالة الاستقرار والأمن القومي كونها قد تسبب صدامات عسكرية بين من يعتبر المنفي قائدا أعلى وبين من يعتبر عقيلة هو القائد الأعلى، وإن كان الإثنين أبعد ما يكونا عن الصفة وأن المجموعات المسلحة غربا تعمل وفق توجهاتها ومصالحها ومسلحي الشرق يعتبرون ” خليفة حفتر ” هي القائد الأعلى بل هو هو الجيش كله.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)