حفتر يبحث مع بوتين ووزير دفاعه عن شراكة عسكرية معلنة ومصير الفاغنر
ايجـاز
في 26 سبتمبر 2023، وصل ” خليفة حفتر” قائد قوات الشرق الليبي إلى روسيا، لبحث الأوضاع في بلاده والعلاقات الثنائية، واستقبله نائب وزير الدفاع ” يونس بك يفكيروف” ، الذي سبق وأن زار مراراً الشرق الليبي للقاء حفتر. ويعود آخر لقاء جمع الرجلين إلى 17 سبتمبر الماضي ، وجرى في بنغازي ، بعد أيام قليلة من إعصار “دانيال”. وفي 28 سبتمبر، أعلن الكرملين عن لقاء جمع الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” ووزير دفاعه “سيرغي شويغو” في موسكو، مع خليفة حفتر. وأعلن المتحدث باسم الكرملين ” ديمتري بيسكوف” ، أن بوتين وحفتر ناقشا الوضع في ليبيا والمنطقة ، وهو اللقاء الأول بين الرجلين منذ عام 2019.
وقد كشفت مصادر ليبية متطابقة ، مقربة من قيادة حفتر ومجلس النواب ، أن المباحثات الجارية حالياً ترتبط مباشرة بالتعاون العسكري بين الجانبين. كما أشارت المصادر بأن حفتر طلب من موسكو ترقية العلاقة بينهما إلى مستوى توقيع اتفاق دفاعي وأمني على غرار اتفاق أنقرة مع طرابلس ، ليتمكن ” حفتر” من الحصول على المزيد من المعدات العسكرية ، كمنظومات الدفاع الجوي الروسية وطائرات مسيّرة وإقامة ورش متقدمة لصيانة عتاد تشكيلاته العسكرية، باعتبار أن السلاح الليبي روسي الصنع.
ووفقاً لذات المصادر، فإن موسكو استدعت حفتر بعد أن كرر طلبه في أثناء زيارتي يفكيروف لبنغازي ، في أغسطس الماضي والأسبوع قبل الماضي، لكن المصادر أكدت أن المباحثات لا تزال في أولها، حيث لا تزال موسكو غير راغبة في إعلان وجودها العسكري في ليبيا رسمياً، من خلال توقيع أي اتفاق رسمي ومعلن.
ويضيف أحد المصادر، وهو مسؤول مقرب من لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب ، إن حفتر ناقش في السابق مع ” يفكيروف” الضغوط الواقعة عليه من جانب واشنطن وعواصم غربية بشأن ضرورة تخليه عن علاقته بمجموعة ” فاغنر” ، لكن في الحقيقة لم تكن شكوى حفتر سوى محاولة للضغط للحصول على دعم عسكري ورسمي روسي يرجع له مكانته التي فقدتها منذ سنوات.
وأكد المصدر أن حفتر أبلغ المسؤولين الروس عدم رغبته في الاستمرار في التحالف العسكري غير المعلن، أو تفكير روسيا في إدارة تركة ” فاغنر” في ليبيا باتصالات شبه رسمية ، كذلك فإنه تعهد بمنح الاتفاق شرعية من خلال مجلس النواب والعمل من خلال كوادر الحكومة التابعة لمجلس النواب.
كما يرى مراقبون أن الزيارة تأتي في إطار مناقشات جدية تتعلق برغبة ” حفتر” في إخراج مقاتلي مجموعة فاغنر من ليبيا ، حيث أصبحت تشكل تهديداً له في الشرق الليبي ، خاصة مع ما يتعرض له من ضغوطات من عدد كبير من الدول، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى مراقبون بأنه طالما لم تسحب تركيا وقوات أجنبية أخرى قواتها من الجهة المقابلة ، أي من طرابلس، فإن بوتين لن ينهي مهام فاغنر في الشرق الليبي. ما يعقد من موقف حفتر هو أنه كان قد طلب الدعم العسكري من العديد من الدول الغربية في حربه ضد الإرهاب ، لكن من دون جدوى، ما جعله يتوجه إلى روسيا في نهاية المطاف.
ويحمل توقيت الزيارة دلالات ، خصوصا وأنها تأتي مباشرة بعد زيارة قام بها قبل أيام إلى بنغازي الجنرال “مايكل لانغلي” قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا ( أفريكوم) ، وركزت على دفع حفتر نحو تقليص وجود الفاغنر، بالإضافة لملفي النفط وإعادة إعمار درنة. ولم تستبعد مصادر أن يكون حفتر نقل إلى الجانب الروسي تفاصيل لقائه مع الوفد الأميركي. كما يعد هذا الملف رئيسياً على طاولة المحادثات الروسية – الليبية ، خصوصاً في إطار سعي وزارة الدفاع الروسية إلى ترتيب وضع الفاغنر في أفريقيا عموما ً، بعد مقتل زعيمها ” يفغيني بريغوجين”. وكان يفكوروف ، الذي تم تكليفه بمهمة إعادة ترتيب العلاقة مع هذه المجموعة ، قد قام بجولة أفريقية مهمة الشهر الماضي ، حملته إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر وليبيا. وقد قدم تطمينات في البلدان التي زارها بأن نشاط المجموعة في المهام الأمنية والعسكرية الموكلة إليها سوف يتواصل ، ولكنه سيكون تحت إشراف مباشر من وزارة الدفاع.
ويُعد ” حفتر” حليف روسيا في ليبيا ، إذ تنامت العلاقات بين الطرفين منذ عام 2017 ، عندما رست حاملة الطائرات الروسية ” الأميرال كوزنتسوف ” قبالة شواطئ بنغازي ، وظهر حفتر على متنها. لاحقاً، استقبلت موسكو حفتر مرتين ، في نوفمبر 2018، وفبراير 2020، والتقى مسؤولَين رفيعَي المستوى ، هما وزير الدفاع “سيرغي شويغو”، ووزير الخارجية “سيرغي لافروف”.
وعلى الرغم من تأكيدها مراراً وقوفها على مسافة واحد من أطراف الصراع الليبي، وإعلانها في مارس الماضي، إعادة فتح سفارتها في طرابلس ، ورغبتها في دعم خيار الحوار بين الأطراف المتصارعة ، وصولاً إلى الانتخابات، قدمت موسكو دعماً عسكرياً مباشراً لحفتر، منذ حملته العسكرية الفاشلة على العاصمة طرابلس، خلال عامي 2019 و2020، من خلال مجموعات فاغنر والتي انسحبت إلى مدينة سرت وسط شماليّ البلاد، قبل أن تتمركز في نقاط عسكرية استراتيجية، ولا سيما في قاعدة الجفرة وسط الجنوب، وقاعدة الخروبة المحاذية لقاعدة الرجمة، المقر العسكري لحفتر في شرق البلاد، بالإضافة إلى وجودها في العديد من المناطق في الجنوب الليبي. ولا يتعدى عدد أفراد ” فاغنر” في ليبيا ألف مقاتل، بعدما توجه قسم من المجموعة إلى مالي وآخر إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب القوات الروسية.
الخلاصة :
وفي ضوء هذه الزيارة وما انبثق عنها من معلومات وتحليلات، يمكن استخلاص الآتي:
من غير المرجح إخراج مقاتلي فاغنر على المدى القريب من ليبيا، وفي الوقت الذي ستسحب فيه روسيا ” الغاغنر” غالبا سيكون فقط لأجل الإحلال محلها بشكل مباشر عبر القوات الروسية الرسمية. إذ أن ” الفاغنر” هي الورقة الوحيدة التي يمتلكها بوتين في الملف الليبي ، بما تمثله ليبيا من أهمية جيوسياسية ، إذ أولا توفر له موطأ قدم في المياه الدافئة ، وثانياً تعد قاعدة انطلاق للتحركات الروسية في العمق الأفريقي ، وثالثا ما تحتويه ليبيا من نفط وغاز، وأهمية التحكم الروسي في هذا الملف في مواجهة خصومها الغربيين.
أيضا لا يبدو أنه سيكون هناك إعلان عن تحالف استراتيجي عسكري معلن ورسمي بين روسيا وقوات شرق ليبيا في المدى القريب ، بما يتضمن تواجد عسكري روسي مباشر ورسمي في ليبيا وعقد اتفاقيات عسكرية وتسليم صفقات أسلحة استراتيجية:
أولاً، لأن الولايات المتحدة ستسعى لعرقلة ذلك ، معتمدةً على العلاقة التاريخية التي تربطها بـ” حفتر”. فهي وإن كانت لا تضع ليبيا ضمن أولويات سياستها الخارجية ، ولم تكن حليفا استراتيجياً لها من قبل في منطقة الشرق الأوسط ، لكنها لن تسلمها بشكل كامل لروسيا، خاصة وأن الروس من الممكن أن يستخدموا ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا كورقة ضغط في مواجهة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين.
ثانياً، رغبة بوتين في الاكتفاء مرحلياً بالتواجد الغير مباشر والغير رسمي عبر مجموعة فاغنر، لكون عدم وجود حكومة موحدة تضمن استمرار هذا التحالف وهذا الوجود العسكري ، ولضبابية مستقبل ” حفتر” في الترتيبات السياسية المستقبلية في ليبيا ، فليس من الحكمة ربط مصالح قوة دولية بشخص مهما كانت قوته ، ولأن حكومة الغرب هي المعترف بها دولياً، كما هناك رغبة روسية في عدم قطع روابطها مع الغرب الليبي.