تحديات النفوذ الروسي في البحر المتوسط طُبــــرُق.. بوابة الاستراتيجيات الروسية في ليبيا والبحر المتوسط والساحل الإفريقي
أبعــــــــــــاد الموقـــــــــــــف
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
إبان الحرب العالمية الثانية، خاضت بريطانيا بقيادة مونتغمري معارك عنيفة ضد الإيطاليين والألمان بقيادة رومل، للسيطرة على طبرق. والسبب وراء ذلك يعود إلى الموقع الاستراتيجي لهذه المدينة، ما دفع روسيا للتفكير الجدي في إنشاء قاعدة بحرية في شمال إفريقيا. وربما من الجدير بالذكر أن جميع القواعد الأجنبية في ليبيا، مثل التركية في الوطية والخمس، والوجود البريطاني والإيطالي في مصراتة، والأمريكي في معيتيقة، غير قادر على منافسة طبرق من حيث الموقع والإمكانيات. وذلك للأسباب التالية: –
- العمــــــــــق البحـــــــري
- البنيــة التحتيــة الجاهــزة
- المرافـــــق النفطيـــــــــة
وجديرا بالذكر، فأن روسيا وقبل 15 عامًا، حاولت الحصول على موافقة معمر القذافي لإنشاء قاعدة بحرية في طبرق، إلا أنه اقترح بنغازي بدلاً من ذلك [1]. ومع اندلاع ثورة فبراير 2011م ، فشلت هذه المفاوضات. وفي عام 2016م، تجددت هذه المحاولات مع خليفة حفتر، الذي كان مهتمًا بتسريع إنشاء القاعدة. فقد زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف ليبيا، وبعد شهر زار حفتر موسكو. ولكن هذه الاتفاقات لم تُكلل بالنجاح في ذلك الوقت.
هذا يؤكد على أهمية موقع طبرق الاستراتيجي للنفوذ الروسي في البحر الأبيض المتوسط، لكن لا تزال هناك تحديات لوجستية وسياسية تواجه روسيا في إدارة المزيد من القواعد البحرية خارج حدودها. حيث يتطلب بناء قاعدة جديدة في طبرق كفاءة في إدارة الموارد الاقتصادية والبشرية، بالإضافة إلى تحقيق توازن دقيق بين الأهداف العسكرية الروسية في المنطقة وإمكانياتها المتاحة. خاصة في ظل الحرب على أوكرانيا، وما سببته من أضرار بالغة للاقتصاد الروسي.
وفي خطوة استراتيجية، عرض المشير خليفة حفتر على روسيا إنشاء قاعدة بحرية في ميناء طبرق مقابل تزويد قواته بأحدث أنظمة الدفاع الجوي [2]. هذا العرض يمثل فرصة ذهبية لموسكو لتعزيز نفوذها في البحر المتوسط، لكنه يثير العديد من التساؤلات حول قدرة روسيا على إدارة مثل هذه القواعد بكفاءة وأمن.
وتشير التقارير إلى أن المفاوضات بين روسيا وخليفة حفتر حول طبرق في مرحلة متقدمة، مع احتمال التوصل إلى اتفاق قريب [3]، بحسب مصادر مثل ” بلومبيرغ ” بينما تشير التقديرات إلى أن التكلفة ستكون مرتفعة، ما قد يدفع روسيا إلى إشراك شركاء مثل مصر والسعودية والإمارات في العملية لتخفيف العبء الاقتصادي والسياسي.
تأتي هذه الخطوة في وقت حرج، حيث تحاول روسيا تعزيز وجودها في البحر الأبيض المتوسط لمواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي في المنطقة. فالتحكم في طبرق سيمكن روسيا من ضمان نفوذ مستدام في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي بشكل أوسع.
التحديــــات التـــي قـــد تواجـــه روسيــــا
• التحديات اللوجستية والسياسية
• التكلفة الاقتصادية
يشكك بعض الخبراء، مثل الجنرال ليونيد إيفاشوف، وهو شخصية عسكرية وعامة روسية. متخصص في الجغرافيا السياسية ودراسات الصراع والعلاقات الدولية والتاريخ العسكري. وهو رئيس أكاديمية المشاكل الجيوسياسية [1]. يشكك في قدرة روسيا على تحمل تكاليف تشغيل قواعد بحرية فعالة في البحر الأبيض المتوسط. ويشير إلى أن روسيا تفتقر إلى العدد الكافي من السفن لتشغيل قاعدة كبيرة مثل طبرق بكفاءة وفعالية، مما يجعل من الضروري عليها التركيز على القدرات الدفاعية والحد من التوسع السريع.
تعكس الأنشطة الروسية في ليبيا ديناميكيات استراتيجية تهدف إلى توسيع النفوذ الروسي في شمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط والساحل الإفريقي. ويعتمد ذلك على استخدام شركات أمنية خاصة مثل مجموعة “فاغنر”، فضلاً عن الدعم السياسي والعسكري لأطراف ليبية، مثل القوات التابعة لخليفة حفتر، لتعزيز مصالح موسكو الجيوسياسية.
- المعارضة الدولية: تواجه الأنشطة الروسية في ليبيا ضغوطًا من الولايات المتحدة، وأوروبا والأمم المتحدة التي تطالب بخروج جميع القوات الأجنبية. تتعارض هذه الضغوط مع جهود روسيا لتعزيز نفوذها في ليبيا، مما يزيد من صعوبة تحقيق الأهداف الجيوسياسية الروسية في المنطقة. وتدعو هذه القوى إلى احترام السيادة الليبية وسحب القوات الأجنبية التي تعتبرها غير شرعية، وهو ما يهدد بإعاقة بناء قواعد جديدة أو تعزيز الوجود العسكري الروسي في ليبيا.
- التوازن الداخلي الليبي: قد تؤدي التحركات الروسية في ليبيا إلى إعادة إشعال النزاعات بين أطراف الصراع المختلفة، مما يعقد الوضع الأمني والسياسي. مع التركيز الروسي على تعزيز نفوذ خليفة حفتر في الشرق الليبي، هناك قلق من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تصعيد الصراع والانقسامات الداخلية، مما يعوق تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في ليبيا. هذا الأمر يعزز من تعقيدات إدارة علاقات موسكو مع الأطراف المختلفة داخل البلاد، ويزيد من خطر وقوع روسيا في صراعات متعددة الجبهات
ختامـــــــاً
يبقى المشهد الليبي عرضة للتغيرات السريعة، لكن الاستراتيجية الروسية تظهر بوضوح أنها تهدف إلى تحويل ليبيا إلى بوابة لنفوذ أوسع في القارة الأفريقية. على المدى الطويل، سيعتمد نجاح هذه الجهود على قدرة روسيا على تحقيق توازن بين مصالحها وسياسات القوى الإقليمية والدولية الأخرى.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)