أوراق بحثيةمنتدي ليبيا

الخلافات الحدودية بين تونس وليبيا.. أبعاد وتحديات

ورقــــــــــــــة بحثيــــــــــــــة
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

تجدد النقاش حول مسألة إعادة ترسيم الحدود البرية بين تونس وليبيا ليطفو مرة أخرى على السطح، بعد تصريح لوزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، أمام البرلمان في 12 نوفمبر. وجاء التصريح أثناء مناقشة موازنة وزارة الدفاع، ردًا على مداخلة برلمانية من النائب علي زغدود، ممثل منطقة بنقردان الحدودية. أثار زغدود مخاوفه بشأن الأراضي التونسية الواقعة خارج الساتر الترابي الحدودي، مشيرًا إلى اتساع المسافة بين الساتر والأراضي التونسية من ثلاثة إلى سته كيلومترات على امتداد 150 كيلومترًا، محذرًا من أن هذا الساتر قد يتحول مع الوقت إلى خط حدودي فعلي يحرم تونس من استغلال هذه الأراضي.[1] وفي زيارة سابقة له إلى مقر المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية يوم 16 مارس 2023، عبّر الرئيس التونسي قيس سعيّد عن استيائه من تقاسم الثروات البحرية بين تونس وليبيا، مشيرًا إلى أن بلاده لم تحصل سوى على ” الفتات القليل ” من حقل البوري النفطي. وأضاف أن النية كانت في وقت سابق تتجه نحو تقسيم هذا الحقل البحري إلى نصفين بين البلدين، وهو ما كان سيؤمن احتياجات تونس النفطية بالكامل بل ويوفر فائضًا.[2]

هذه التصريحات سلطت الضوء على قضية حساسة تتعلق بالسيادة الوطنية والتحديات الحدودية بين البلدين، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية والرمزية لهذه المنطقة في ظل التوترات المستمرة.

وفقاً لوثيقة صادرة عن الكونغرس الأمريكي بتاريخ 7 أبريل 1972 حول الحدود الدولية بين ليبيا وتونس، كانت كل من ليبيا وتونس تحت السيادة العثمانية منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر. في عام 1881، احتلت فرنسا تونس وأعلنتها محمية فرنسية، مما أنهى ارتباطها الاسمي بالدولة العثمانية.

وفي عام 1886، تم توقيع اتفاقية بين فرنسا وتركيا لتحديد الحدود بين تونس وولاية طرابلس العثمانية في غرب ليبيا، حيث شملت الحدود المناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط لمسافة محدودة. لاحقاً، وُضعت اتفاقية أخرى عام 1892 لتحديد الحدود بدقة أكبر، وامتد ترسيم الحدود إلى الداخل حتى مدينة غدامس.

وفي 19 مايو 1910، أُبرمت اتفاقية فرنسية-عثمانية جديدة لتحديد الحدود الحالية بين ليبيا وتونس. جرى ترسيم هذه الحدود بشكل نهائي باستخدام أعمدة حدودية، وذلك من قبل لجنة مشتركة خلال الأعوام 1910-1911 [1].

وتضمنت هذه الوثيقة مجموعة من البنود المتعلقة بالاتفاقية الفرنسية-التركية المؤرخة في 19 مايو 1910،

وفقًا لاتفاقية الحدود بين تونس وليبيا الموقعة في عام 1910، تبدأ الحدود بطول ٤٨٠ كم بين الطرفين من نقطة رأس جدير على البحر المتوسط وتمتد جنوبًا. وتتبع هذه الحدود في معظمها المعالم الطبيعية، مثل مجاري المياه والقمم الصخرية، مع تخصيص استخدام بعض الموارد المائية مثل الآبار بشكل مشترك بين البلدين. وتمتد الحدود على طول أودية رئيسية مثل المقطة وخوي صميدة، مع الاحتفاظ بحقوق استخدام آبار محددة لسكان كل من تونس وطرابلس.

تمثل النزاعات الحدودية تحديًا معقدًا يتداخل فيه الأمن والسياسة، حيث تؤدي الخلافات الحدودية غير المحسومة إلى حالة مستمرة من التوتر بين الدول. في الحالة الليبية-التونسية، يعود النزاع الحدودي إلى الحقبة الاستعمارية، عندما ساهم الاستعمار الفرنسي لتونس في خلق هذا الخلاف. وعلى الرغم من استقلال البلدين، لم تتمكن القيادات السياسية من التوصل إلى حل نهائي، مما دفعهما إلى اللجوء لمحكمة العدل الدولية. وقد أصدرت المحكمة حكمها لصالح ليبيا، مؤكدة سيادتها على حقل البوري النفطي استنادًا إلى قانون البحار.

ومع ذلك، لا تزال قضية الحدود تعود إلى الواجهة بشكل متكرر، خاصة من الجانب التونسي. هذه المحاولات غالبًا ما ترتبط بأهداف جيوسياسية واقتصادية، حيث يُستخدم النزاع كوسيلة لتعزيز المصالح الوطنية في ظل التحولات السياسية التي تشهدها كلا الدولتين.

وفي هذا السياق، يظهر أن النزاعات الحدودية ليست مجرد خلافات قانونية، بل أداة في يد الحكومات لإعادة تشكيل الأولويات الوطنية وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. ويعكس النزاع الحدودي بين ليبيا وتونس الدور الحاسم للتحولات السياسية في إعادة إدارة مثل هذه القضايا. ومن الضروري معالجة هذا النوع من الخلافات بحلول مستدامة تعزز التعاون بدلاً من تعميق الانقسامات، بما يضمن استقرار العلاقات بين البلدين وتحقيق المصالح المشتركة.

أما بالنسبة للحدود البرية بين البلدين، ورغم وجود ترسيم رسمي لها، إلا أن الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية ساهمت في إعادة فتح هذا الملف مجددًا. ويأتي هذا التطور في وقت تعاني فيه تونس من أزمة اقتصادية خانقة، ما يدفعها للبحث عن حلول ومنافذ لتحسين أوضاعها. وفتح ملف الحدود البرية في هذا التوقيت يبدو مرتبطًا برغبة تونس في تحقيق مكاسب اقتصادية، مثل تنفيذ مشروع المنطقة التجارية الحرة، أو الحصول على امتيازات أو عائدات مرتبطة بحقل النفط البوري.

لتحميل الملف من هنا ….

زر الذهاب إلى الأعلى