أبعاد الموقفتقارير وتقديرات

جولات “بلقاسم حفتر” الداخلية والخارجية.. تحشيد وصفقات في ملف إعمار ليبيا أم تسويق لمشروعه الشخصي وتقديم نفسه كبديل محتمل؟

أبعــــــــاد الموقـــــــف
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

منذ ظهور بلقاسم نجل قائد القيادة العامة المشير، خليفة حفتر في المشهد السياسي العام وهو يحاول تقديم نفسه كقيادي يمكن الاعتماد عليه، خاصة أنه أبعد نفسه عن المؤسسة العسكرية ويقدم نفسه دوما بصفة مدنية “مهندس”.

وبالنظر لخطوات ظهوره وتصدره المشهد نجد أنه انتهج استراتيجية الاعتماد على البعد المالي والاقتصادي في صعوده ونفوذه، وبعد البدء في عمليات إعادة الإعمار وجد بلقاسم حفتر ضالته في هذا الملف الذي بدأ التركيز عليه حتى تصدره تماما بآخر منصب وصل له وهو مدير صندوق التنمية وإعمار ليبيا.

لكن علاقات بلقاسم حفتر ونفوذه، زاد بقوة بعد تعيين مجلس النواب حكومة تابعة له برئاسة وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا الذي أوقفه البرلمان ” وترددت أنباء أن بلقاسم حفتر وراء الأمر، ” ليتولى من بعده ” أسامة حماد ” رئاسة الحكومة، ليبدأ في شراكة استراتيجية تعتمد على المصالح المتبادلة مع ” عائلة حفتر ” يتقدمها المشير ثم نجله بلقاسم حفتر الذي يتصدر أي مشهد تحضره أو تنظمه أو ترعاه حكومة “حماد”.

بل زاد نفوذ بلقاسم ليصبح هو الحكومة، وهو الشخص المستهدف من زيارات الوفود الدبلوماسية والسفراء الأجانب والمسؤولين الأمميين أو الدوليين، وسط ترحيب وإفساح المجال وفتح الأبواب من قبل “أسامة حماد ” الذي يعلن دوما تبعيته وولائه للقيادة العامة وحفتر.

بعد كارثة إعصار ” دانيال ” التي ضربت مدن الشرق الليبي خاصة مدينة درنة التي تحولت إلى مدينة منكوبة ظهر ” بلقاسم حفتر ” بقوة في المشهد، بل وتصدره تماما وأحكم سيطرته على ملف المساعدات الدولية والوفود العالمية والعربية، التي جاءت من كل مكان لانتشال الجثث والبحث عن المفقودين، ولم تكن هناك كلمة في الملف برمته إلا لـ” بلقاسم “، الذي نقل مقر تواجده هناك ليشرف بنفسه على طوفان المساعدات الدولية والعربية والاقليمية المقدمة لمدن الشرق ودرنة، دون الكشف عن كميتها ولا الأموال الضخمة التي منحت للمتضررين، والتي جعلت الأمر حتى الآن مثار تساؤلات عدة من منظمات دولية وإقليمية عن مصير هذه المساعدات.

وفي محاولة لتقنين السيطرة بل والاستيلاء على ملف إعادة الإعمار وملايين الدولارات المرصودة له، تم اختلاق مؤسسة سميت ” صندوق إعادة إعمار درنة “، وتعيين ” بلقاسم حفتر ” رئيسا له لتبدأ مرحلة التكتيم والغموض لأي تحركات في درنة، أو المساعدات المقدمة لكل مدن الشرق الليبي بل اشترط حفتر قبول المساعدات أن تهبط الطائرات في مطار بنينا في بنغازي أولا ثم تستلم قواته المساعدات ثم يتولى هو إرسالها والتصرف فيها.

ومع هول الكارثة البيئية وآثارها لم يفكر أحد أو يركز في ملف الفساد في المساعدات الدولية، لكن ربما يوما ما يفتح هذا الملف ويقدم القائمين عليه وقتها للمساءلة.

“صندوق الإعمار.. آلية “بلقاسم” للسيطرة والنفوذ”

بدأت فكرة ضم ملف إعادة الإعمار تحت مؤسسة واحدة تكون بيد بلقاسم حفتر خلال أزمة إعصار درنة بتشكيل صندوق إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة، والتي تأسس بموجب قرار رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، ” أسامة حماد ” رقم (288) لسنة 2023م، على أن يتمتع الصندوق بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، ويخضع مباشرة لإشراف رئاسة الحكومة “مؤكد أنه إشراف صوري كون بلقاسم هو من يصدر القرارات فيه ويوقع الاتفاقات باسمه”.

وبالفعل أصدر مجلس النواب في 6 فبراير 2024 القانون رقم 1 لسنة 2024 بشأن إنشاء صندوق ” التنمية وإعادة إعمار ليبيا “، تكون مهمته تنفيذ خطط وبرامج إعمار وتطوير المدن والقرى والمناطق الليبية، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة “نلاحظ هنا التركيز في كل مرة على الذمة المستقلة حتى يهرب من أي مساءلة”، ومقره مدينة بنغازي، ويجوز إنشاء فروع ومكاتب له في مدن أخرى.

والملاحظ هنا أن ” يلقاسم حفتر ” بصفته مديرا عاما للصندوق فهو المتصرف الوحيد في كل شؤونه ولا يخضع لأي مساءلة أو محاسبة، وله كافة الصلاحيات في الجوانب كلها اداري والمالي والتعاقدي وغيرها.

ملمح آخر يؤكد ما ذهبنا إليه من كون فكرة الصندوق هي برمتها آلية لتمكين بلقاسم حفتر من الجانب المالي والاقتصادي في شرق البلاد، ثم في البلاد برمتها، واتخاذ ذلك استراتيجية للانفتاح والتواصل مع القوى الدولية المتنفذة في ليبيا، والتي تشغلها أموال إعادة الإعمار،

وعليه      

فإن جولات “بلقاسم حفتر” الذي فرض نفسه بقوة في شرق البلاد سواء الداخلية أو الإقليمية، وكذلك الخارجية خاصة زيارته لواشنطن تحمل في طياته طموح شخصي كبير يصل لدرجة التسويق له عبر ملف الإعمار، والتلويح بملايين الدولارات كاستثمار في ليبيا، ما يعني أنه بوابة الدخول لهذا الاستثمار، ما يجعل منه رقما صعبا حتى بين عائلته التي لا تقل طموحا عنه في محاولة تقديم نفسها كبديل محتمل عن الأب الجنرال الذي تحول مؤخرا لدور مراقبة وتنظيم خطى الأبناء، حتى لا يحدث صدامات بينهم، وتم بالفعل تقسيم النفوذ المالي والاقتصادي والعسكري والأمني وكل منهم قائد ومسيطر في مجاله، لذا بلقاسم لا ينفك أبدا عن استراتيجية “حكم العائلة” الذي ترسخ شرقا (عائلة حفتر) ثم بدأ يترسخ غربا (آل الدبيبة) وسيكون ملف الإعمار أكبر أدوات حفتر الابن لتقديم نفسه كبديل محتمل للجميع.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

زر الذهاب إلى الأعلى