“عقيلة والمشري” يحكمون سيطرتهم على المشهد ويطرحون حلولا لا تمس مناصبهم.. صفقات جديدة تطبخ
الإيجـــــاز
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
كلما تظهر أزمة في الدولة الليبية يتحرك مجلسي النواب والدولة هناك لوضع خارطة طريق أو مبادرات لحل هذه الأزمة وفك حالة الجمود السياسي، لكن الشرط الوحيد المتفق عليه بين المجلسين في أي مبادرة أو اتفاقات أو صفقات بينهما هو ألا تمس هذه المبادرة مناصبهم أو وجودهم وتحكمهم في المشهد، وقبل ذلك رواتبهم وأملاكهم التي جمعوها طيلة العشر سنوات الماضية.
ومنذ اتفاق الصخيرات 2015 وتحول المؤتمر الوطني العام إلى المجلس الأعلى للدولة، ووجود مجلس النواب في المشهد منذ 2014 ولم يطرح المجلسان حلولا جذرية لأي أزمة تواجه الدولة، لكن بدأت التوافقات تتحول إلى صراعات في مراحل معينة لتصفية حسابات شخصية ومناطقية، ثم بعد ذلك إلى صفقات من أجل ضمان البقاء في المشهد والمنصب.
“تعميق الأزمة”
ويحاول المجلسان دوما تصدير صورة للمجتمع الدولي أن البيئة غير مؤهلة حاليا لأي تحول ديمقراطي أو انتخابات رغم تصريحاتهم المعلنة بأنهما حريصان على الدفع نحو عملية انتخابية كان من المفترض أن تجرى منذ سنوات.
ومنذ وصول ” خالد المشري ” إلى رئاسة المجلس الأعلى للدولة تم اختزال العلاقة بين المجلسين في شخص ” المشري وعقيلة صالح ” وتم الصدام بينهما سنوات ثم التقارب ثم الصفقات، وكلها يجمعها هدف واحد ” البقاء في المنصب والمشهد “.
وبدأ المجلسان مرحلة تكسير عظام بينهما كان الضحية فيها الوطن والمواطن بداية من صراعهما حول الاستفتاء على الدستور، والذي جمده ” عقيلة صالح ” رغم صدور قانون الاستفتاء من قبل مجلس النواب، ورفض ذلك المشري، ثم بعد ذلك تماهى مع عقيلة عندما جمعتهما المصالح، وتم نسيان مشروع الدستور المنجز منذ 2017 كون الطرفان يعلمان جيدا أن الاستفتاء سيجعل للبلاد مرجعية دستورية، ثم انتخابات تطيح بهما من المشهد بل ويمكن تقديمها للمحاكمات حال ثبت تورطهما في أية قضايا فساد مالي أو سياسي.
وبعد التآمر على الدستور من قبل رئيسي المجلسين، تم التلاعب بالمسار الدستوري برمته وتشكيل لجان تطوف بين المغرب ومصر وتونس، فقط من أجل تصدير صورة للخارج أنهما يسعيان فعلا لانتخابات حقيقية تجدد شرعية المؤسسات المترهلة، لكن أيضا هذه الخطى كانت فقط من أجل إطالة الأزمة وإرباك المشهد وخلط الأوراق.
حتى في الحكومات المتعاقبة والتي كانت تحت رحمة ” ثقة عقيلة صالح ومجلسه ” حتى تنال الشرعية وطبعا بالتوافق مع المشري ومجموعته، كانت هذه الحكومات إما تخضع لهذه المجالس وتنفذ طلباتها المناطقية والشخصية، وإلا يلوحون بسحب الثقة منها، ما كرس لسياسة الابتزاز والمحاصصة والصفقات.
وتوالت الصفقات والتوافقات المصلحية بين المجلسين حتى وصلت لملف القوانين الانتخابية، ومع الضغوطات الدولية وكشف تلاعب هؤلاء بالمشهد شكل المجلسان لجنة عرفت باسم “6+6″ لصياغة قوانين تجرى على ضوئها الانتخابات، وبالفعل تم إنجاز الأمر ولم يتبقى إلا الدعوة إلى الانتخابات.
هنا عاد المجلسان للمراوغة والهروب والتنصل من أي اتفاق وقام ” عقيلة ومجلسه ” بتعديلات على القوانين رغم التوقيع عليها من اللجنة وحذف ما لا يتوافق مع مصالحه ومصالح منطقته، ليرفضها المشري ومجموعته ليس من باب الوطنية بقدر ما هو من باب تعارض المصالح وتصفية الحسابات، ليتعطل المشهد برمته من جديد وتدخل البلاد في حالة جمود سياسي.
“اجتماع المغرب”
وبعد سنوات من حالة الجمود.. عاد المجلسان للاجتماع مرة أخرى بعدما استشعرا الخطر من التحركات الدولية والأممية لإزاحتهما والدفع نحو انتخابات ” تكنس ” القابعون على قلب الليبيين منذ سنوات، والتقى بالفعل المجلسان في دولة المغرب من أجل عقد صفقات جديدة.
وبعودة المشري إلى رئاسة المجلس الأعلى للدولة، لازال هناك خلاف قانوني ونزاع قضائي على منصب الرئيس، عادت الصفقات بين المشري وعقيلة من جديد بنفس الهدف القديم وهو ” البقاء في المنصب والمشهد ” وألا تطرح أي حلول للأزمة إلا عن طريقهما.
ومن ما تسرب من توافقات أو صفقات المغرب أشار إلى اتفاق المجتمعين هناك على عدة نقاط، أهمها:
- إعادة تشكيل السلطة التنفيذية تأسيسا على المادة 4 من الاتفاق السياسي الليبي المعتمد بقرار مجلس الأمن لسنة 2015.
- تشكيل لجنة عمل مشتركة بشأن إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة تكون مهامها التواصل مع البعثة الأممية، ومراجعة آلية الاختيار المقترحة بلقاء القاهرة بين المجلسين وتقديم مقترحات للتعديل.
- تشكيل لجنة عمل مشتركة معينة بالملف الأمني تعمل على التواصل مع اللجنة العسكرية 5+5 والعمل على إخراج كافة القوات الأجنبية من البلاد.
- تشكيل لجنة مشتركة بين المجلسين لمتابعة ملف الأموال المهربة وعمليات غسيل الأموال.
- تتولي رئاسة مجلس النواب مخاطبة المصرف المركزي بشكل استثنائي لتخصيص المبالغ اللازمة لتنفيذ مشروع التعداد الوطني العام، ومشروع انطلاقه لإعادة تنظيم الرقم الوطني.
- تقدم اللجان تقاريرها النهائية للاعتماد من المجلسين خلال شهر من تاريخ التكليف.
- يكون الاجتماع القادم للمجلسين في مدينة درنة، يوم 19 يناير المقبل، لإصدار الاتفاق النهائي للمرحلة التمهيديّة.
المدقق فيما سبق من نقاط، وإن كانت لازالت مسودة لم تعتمد، سيجد أن الهدف معلن وهو تغيير أي سلطة أو حكومة إلا المجلسين، استدعاء الاتفاق السياسي فقط عندما تكون المواد تخدم مصالح ” عقيلة والمشري “، خاصة أن عقيلة نفسه تنصل من هذا الاتفاق وقال نصا: ” اتفاق عفي عليه الزمن ويجب تغييره “، وهو اليوم في المغرب يستشهد ببعض مواده فقط لأنها تخدم مصلحته في إزاحة الحكومة.
أيضا التقارب الأخير وعناوينه جاءت بعد طرح مبادرة من قبل المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني خوري توحي ضمنيا بضرورة التخلص من هذه الأجسام، ومعها الحكومات، والذهاب سريعا إلى الانتخابات، ما دفع المجلسان للسفر سريعا إلى المغرب كخطوة استباقية للإطاحة بهما وطرح مبادرة أو خارطة للمسار السياسي، تفرغ مبادرة خوري من مضمونها وتسبب لها إرباكا وتخلط الأوراق فقط لأجل الاستمرار في المنصب والمشهد.
وعليه
فإن استمرار مجلسي ” عقيلة والمشري ” في المشهد وتحكمهما في مصير الشعب الليبي ودستوره وقوانينه وحتى راتبه واقتصاده هو بمثابة ” سبة وإهانة ” لشعب قام بثورة ضد الحكم الشمولي، بل إن استمرار هكذا وضع في الحالة الليبية يعرض أمنها القومي والمجتمعي للخطر كون الاتفاقات والصفقات بين المجلسين لا تخدم الدولة وسيادتها بقدر ما تخدم عقيلة ومعسكره والمشري ومجموعته ومن وراء هؤلاء الحلفاء الاقليميين والدوليين الذي لا يتورع كل من المشري وعقيلة من تقديم جميع التنازلات من أجل دعم بقائهما في المشهد والمنصب.
لذا استمرار هذا الوضع ” المشين ” ليس إهانة للثورة والمواطن، بل هو تعد واضح على سيادة الدولة الليبية بتعطيل انتخاباتها وتعطيل وصولها إلى مؤسسات موحدة ومنتخبة، ومن ثم غياب تام للشفافية والمحاسبة والمراقبة، كل هذا فقط لأجل أن عقيلة ومجلسه والمشري ومجلسه لا يريدون لهذه البلاد انتخابات أو دستور أو أمن قومي، وما تمخض عن اجتماعات ” بوزنيقة ” المغربية يحمل تأكيدات لذلك وخلاصته:” نعم للتغيير لأي مؤسسة أو حكومة طالما لا يمس هذا التغيير منصب المشري وعقيلة”.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)