تقارير وتقديرات

أزمة تولي مزدوجي الجنسية مناصب سيادية في ليبيا وتأثيرها على الأمن القومي والسيادة الوطنية.. “بن قدارة نموذجا”

المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية 
قــــــــــــــــــــــــرآءة تفصيليــــــــــــــــــــــة

تظل أزمة مزدوجي الجنسية في ليبيا قضية مثيرة للجدل والنقاش مع غياب القوانين واللوائح التي تضبط هذا المشكل وتحدد صلاحيات صاحبها، وظهرت هذه الأزمة بقوة بعد أحداث فبراير 2011، عندما تصدر العديد من مزدوجي الجنسية للمشهد السياسي والعسكري وتولى بعضهم مناصب سياسية وسيادية في ليبيا، وصلت إلى رئاسة الحكومة ورئاسة المجالس التشريعية المنتخبة بل وقيادة القوات المسلحة.

كرس لهذه المناصب وسمح بها غياب القوانين والتشريعات التي تحدد مدى صلاحية هؤلاء لتقلد مناصب أو الترشح للمناصب، فجميع قوانين الانتخابات الصادرة بعد فبراير لم ترد فيها مواد تخص مزدوجي الجنسية أو تمنعهم من الترشح للانتخابات، واكتفت هذه القوانين فقط باشتراط حمل الجنسية الليبية فقط للمرشح، وذلك واضح في قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، وقانون انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وكذلك قانون انتخاب مجلس النواب الذي أصدرهما المؤتمر الوطني أيضا. 

ومع غياب النص القانوني والدستوري بخصوص مزدوجي الجنسية وصل هؤلاء إلى مناصب سيادية وسياسية وعسكرية عامة في البلاد، بل ووصل الأمر إلى تحكم هؤلاء في المشهد برمته، وعندما يغادر أحدهم منصبه، وهذه حالات نادرة، يكون أول خياراته هو العودة إلى الدولة التي يتمتع بجنسيتها هو وأفراد عائلته، بل يلوح بعضهم في حالات عدة بقوة جنسيته الثانية وأنها قد تحميه من أي مساءلة قانونية داخل ليبيا.

“نصوص قانونية ودستورية”

والمتتبع للبعد القانوني لهذه الأزمة يجد أن المادة الخامسة من القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية تنص على: ” يفقد الجنسية الليبية من يكتسب باختياره جنسية أجنبية ما لم تأذن له بذلك “اللجنة الشعبية العامة للأمن العام، وتحدد اللائحة التنفيذية الضوابط المتعلقة بتنفيذ أحكام هذه المادة “. وهذه المادة سارية حتى وقتنا هذا ولم يتم تعديلها أو إلغائها رغم سقوط نظام معمر القذافي ولجانه الشعبية.

“إضرار الأمن القومي والسيادة الوطنية”

الأزمة تكمن في تولي هؤلاء المناصب السيادية ذات الحساسية العالية والمرتبطة بشكل كبير بملف الأمن القومي للبلاد وسيادتها الوطنية، خاصة في حال كان المنصب السيادي له علاقة بعنصر الدخل الاقتصادي الوحيد للبلاد مثل النفط، أو كذلك المناصب ذات الطبيعة العسكرية والمخابراتية إذا تحول هذه الناصب اصحابها إلى ” داتا معلوماتية ” متاحة للبلد الأخرى التي يتمتع المسؤول بجنسيتها، بل قد يكون من السهل تجنيد المسؤول لخدمة هذه البلاد بعد تقديم الإغراءات السياسية أو المادية له.  

وبناء لما سبق، فإن تولي مزدوجي الجنسية لمناصب حساسة وسيادية يؤثر سلبا على الأمن القومي للبلاد ويجعل سيادتها الوطنية معرضة للانتهاك بل ويجعل اقتصادها الوطني عرضة للانهيار حال ورط هؤلاء الدولة في صفقات تقضي على المخزون الاستراتيجي للبلاد من النفط مثلا أو غيرها من الصفقات، وحتى الصفقات السياسية والولاءات من قبل هؤلاء المسؤولين لبلدهم الثاني التي يحملون جنسيتها ستكون مضرة ومرهقة للأمن القومي والسيادة الوطنية وتجعل البلاد أضحوكة ومتورطة أمام دول أغلبها قوى عظمى لا تهمها إلا مصالحها.

 وعليه

يوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، بضرورة فتح نقاش مجتمعي ودستوري حول إشكالية مزدوجي الجنسية وتوليهم للمناصب السيادية في ليبيا، وضرورة البحث عن تثبيت أطر قانونية ورقابية أكثر صرامة لضمان الالتزام بمبدأ الولاء الوطني الكامل وعدم توريط البلاد في صفقات واتفاقات تنهك اقتصادها الوطني وأمنها القومي وتجعل سيادتها الوطنية في مهب الريح.

كما يطالب المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، المستشار النائب العام بضرورة فتح تحقيقات موسعة مع كل من صدر ضدهم أحكام قضائية بخصوص حملهم لجنسية أجنبية ومراجعة لقاءاتهم الخارجية مع مسؤولين من الدولة التي يحملون جنسيتها، أو حتى سفراء هذه الدول داخل ليبيا والوقوف على محاور وأجندة هذه اللقاءات. 

ويوصي المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، مجلس النواب والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى سرعة إجراء استفتاء عام على مواد الدستور الليبي المنجز منذ 2017 قبل إجراء أي عملية انتخابية وتفعيل مواده الخاصة بملف مزدوجي الجنسية وترشحهم للمناصب العليا في الدولة.

أخيرا.. يظل ملف مزدوجي الجنسية وتوليهم المناصب العليا في البلاد من القضايا التي تؤرق الأمن القومي والسيادة الوطنية، والتي تحتاج إلى سرعة حسمها قبل إجراء أي عملية انتخابية قادمة، وتفعيل مواد الدستور المعطلة لمنع هؤلاء من الترشح لرئاسة الدولة أو المناصب السيادية، ووضع أطر قانونية ودستورية واضحة لتنظيم حقوقهم الدستورية والسياسية. 

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا) ↓

 

زر الذهاب إلى الأعلى