قرار حكومة حماد بتدريس كتاب الكنوز الأثرية في المدارس.. وأثارة على الامن الفكري الليبي .. رؤية نقدية
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
قــــــــــــــــــــــــرآءة تفصيليــــــــــــــــــــــة
أثار القرار الصادر عن حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان، تحت رقم (418) لسنة 2024، بشأن إضافة كتاب الكنوز الأثرية كمادة دراسية ضمن مقررات المنهج الدراسي بمراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، جدلاً واسعاً في الأوساط الليبية، حول دلالات هذا القرار ومالاته وتأثيره على هوية وثقافة المجتمع الليبي، وكذلك السهولة والسرعة التي صدر بها القرار. وقد انقسم الشارع الليبي تجاه القرار بين من يرى القرار مخالف وذا مضمون دخيل وفيه تكريس لمنهج التشدد الديني، وبين من يراه قرار شجاع وخطوة مهمة لتصحيح ما وصفوه ب ” الكثير من البدع والضلالات “.
وبالتالي، هذا القرار وما أثاره من جدالات في الشارع الليبي تجعله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يسمى بـ الأمن الفكري للدولة الليبية، والذي يتطلب ضرورة حمايته وصيانته من أي عواصف أو تغييرات تؤثر عليه سلباً، خصوصاً في عصر الانفتاح والعولمة الحالي.
رؤيـــــة نقديــــة للقـــــــرار
بعد صدور الكتاب، ومطالبة جهات متعددة بالتوسع في نشر واعتماده كمنهج تعليمي، حدث جدل كبير متعلق بمؤلف الكتاب ومادته وقيمته والجدوى من نشره وتداوله، خصوصاً في ظل الرؤية النقدية التي يتبناها الكثيرون تجاه الكتاب وما يحتويه من مواد جدلية.
وعن هوية مؤلف الكتاب فهو المهندس صلاح العبيدي، والذي يتحدث البعض عن عدم وجود سيرة علمية له، ولم يرصد له أية كتب أخرى تتحدث عن الشريعة أو في أصول الفقه والعقيدة أو التربية الدينية.
بمعنى أنه لا يعرف أنه صاحب اختصاص، بل ذهب البعض للحديث عن أنه لم يعرف عنه أنه ألف كتابا واحدا في مجال الهندسة، في محاولة للتشكيك في أهليته العلمية من الأصل. ومن جوانب النقد أيضا، التساؤل حول كيفية اعتماد حكومة أسامة حماد لهذا الكتيّب، وهي التي تؤكد دوما أن مسائل الدين من الأساس لا تصدر إلا عن ذوي اختصاص شرعي، فما بالك بمنهج دراسي إلزامي؟
ومن جهة أخرى أكد مدير مركز المناهج التعليمية في حكومة الوحدة الوطنية سيف النصر عبد السلام، أن كتاب ” الكنوز الأثرية ” الذي تقرر تدريسه بالمنطقة الشرقية ” غامض ولا نعلم ما إذا كان وُضع لخدمة أهداف طائفة معينة وهذا ما نرفضه “، ومضيفاً بأن مركز المناهج التابع للوزارة هو الجهة الوحيدة المختصة بإعداد المناهج، وذلك في تصريحات لقناة ليبيا الأحرار.
وأوضح عبد السلام أن تعديل وتطوير المناهج يتم بالتعاون مع مصلحة التفتيش التربوي، وأن تقرير “الكنوز الأثرية” كمادة دراسية يربك العملية التعليمية ويمثل خطرا على التعليم في ليبيا، لأنه يحتوي مسائل مختلفة عما يدرسه الطلاب.
وتسائل سيف النصر عن الكتاب الذي أقره أسامة حماد، هل هو كتاب واحد، أم منهج إلزامي من الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي؟ وأضاف ” لدينا لجان وخبراء وقنوات رسمية مختصة بالتعديل وفق الملاحظات التي يبديها التوجيه، وهذا لم يحدث بشأن مادة التربية الإسلامية المقررة “.
ويرى منتقدو القرار بأنه جاء مباشرةً بعد تعليق دار الإفتاء على نشر وتوزيع كتاب ” الكنوز الأثرية “، وما رأته الدار في هذا الكتاب من أنه ” إِدخالَ مَواد ذات مُحتَوًى يَشُوبُها الشَّكُّ وَمُخالَفَة لِلقِيَمِ الدِّينِيَّةِ المُتَوارَثَةِ، ويُشَكِّلُ تَهديدًا خَطيرًا، لَيسَ فَقط عَلى الثَّقافَةِ وَالمُورُوثِ، بَل أَيضًا عَلى الأَجيالِ القادِمَةِ الَّتِي تَعتَمِدُ عَلى قِيَمٍ واضِحَةٍ وَمَعرِفَةٍ نَقِيَّةٍ “، لذلك اعتبروا أن هذا القرار كارِثي وصادر من حكومة موازِية. واعتبر المعارضون للقرار بأنه متأثر بمذهب الإمام ” أحمد ابن حنبل ” وهو أحد المذاهب الأربعة الرئيسة في الفقه الإسلامي، لكنه ليس مناسباً للبيئة الليبية.
ومن الناحية الإدارية، رأوا في القرار العديد من التجاوزات الإدارية للعملية التعليمية، حيث أن أي تغيير أو تعديل في المناهج التعليمية يمر عبر قنواته الرسمية المتمثلة في إدارة المناهج الدراسية، وهي بدورها تحيل ما يصلها من مقترحات إلى لجان مختصة في إعداد المناهج وورش عمل فنية تعمل على الغوص في المتعلقات الدقيقة لنتائج اعتماد وتنفيذ المقترح، ومدى موافقتها مع الثوابت والموروث الثقافي والديني للمجتمع الليبي.
لذلك، جاءت الدعوات سريعة ومباشرة من جهات متعددة بضرورة مراجعة القرارِ والعمل على حذفه أو تعديله بِما يتناسب مع عقيدة الليبيين وثوابتهم. وطالبت تلك الجهات من حكومة الوحدة الوطنية والجِهات المعنية الوقوف بحزم ضد أي محاولة تمس بالمبادئ والمنطلقات الليبية الأصيلة، التي تحول دون شق النسيج الاجتماعي الليبي المتجانس.
خلاصـــــة القـــــول:
إذا كانت الدولة هي من ترعى هذا التغيير الفكري في المنهج التعليمي بما يتعارض مع المذهب المالكي الذي اعتاد عليه الشعب الليبي، وبما قد يجعله مهدداً للأمن الفكري والمجتمعي، فإن مقاومته شعبياً صعبة في ظل استناد الدولة لمؤسساتها من أجل ترسيخ هذه الأفكار الجديدة، وبالتالي ستكون ارتداداته كبيرة ومتعدية إلى أجيال أخرى قادمة. مما يحتم على الدولة التنبه إلى عمل مؤسساتها، ووضع حد لهذا التوجهات العبثية.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا) ↓