تقارير وتقديرات

انعكاسات التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل والصحراء على الأمن القومي الليبي

قـــرآءة تفصيليـــة
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية

التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل بعد 2011
الناظر إلى واقع المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، يلاحظ أن ليبيا بعد الإطاحة بنظام القذافي في 2011 وحتى عام 2024، أصبحت مسرحًا لتنافس جيوسياسي متزايد بين القوى الإقليمية والدولية، مما ينذر بتوابع كبيرة ومؤثرة على الأمن القومي الليبي.
فقد شهدت ليبيا تدخلات متنافسة من قبل دول مثل مصر والإمارات وتركيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا وغيرها، مما أثر على استقرار البلاد وأسهم في استمرار حالة الانقسام السياسي وتوظيف الصراع المسلح في ذلك. وتصاعد تأثير ظاهرة الهجرة غير الشرعية بسبب استغلال شبكات التهريب المحلية وفي دول الجوار الفوضى الأمنية لتسهيل عبور آلاف المهاجرين عبر ليبيا إلى أوروبا، وما تشكله هذه الظاهرة من قلق كبير على الإتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، فإن الحضور الروسي اللافت في المشهد الأمني والعسكري الليبي، من خلال تمركزه في المنطقة الشرقية والجنوبية التي تقع تحت نفوذ المشير حفتر، عبر السيطرة على عدد من القواعد العسكرية الهامة، بات يشكل قلق حقيقي لدول جنوب أوروبا وحلف الناتو.
وعلى الجانب الآخر، هناك الانتشار العسكري التركي في المنطقة الغربية عبر تمركزها في قاعدة الوطية، لتكون ظهيراً مهماً للناتو في شمال أفريقيا. ولذلك، فإن الساحة الليبية باتت تختلط فيها الأوراق بأثر واضح من الديناميات السياسية والأمنية المحلية والإقليمية والدولية التي تسعى إلى استغلال الحالة الليبية؛ لإفراز واقع يخدم مصالحها.
لقد امتدت تأثيرات ثورات الربيع العربي التي طالت ليبيا لدول الساحل والصحراء، حيث تلقفت تنظيمات وتشكيلات مسلحة حالة الفراغ الأمني والعسكري واستفادت من حالة الفوضى وانتشار تجارة السلاح والسيولة الاجتماعية التي تربط مكونات دول الصحراء ببعضها البعض، حيث يتجلى الامتداد الاجتماعي كنظام حاكم ونافذ في تلك المجتمعات التي تغيب عنها سلطة الدولة المركزية.
كما أن التحولات التي تتشكل في بعض دول الساحل تنعكس بشكل واضح على الأمن القومي الليبي، من ناحية الارتدادات الأمنية والسياسية والاجتماعية، وخصوصاً من الدول المحاذية للدولة الليبية، كالسودان والنيجر وتشاد. بالإضافة إلى ما تعنيه معادلة التغيير في مالي على مستوى مناطق شمال الدولة التي تعاني من استمرار عدم الاستقرار، ونشاط مستمر لفصائل وجماعات مسلحة دأبت على استغلال مساحات الصحراء الواسعة بين دول الجزائر وليبيا والنيجر ومالي، لتفعيل نشاطاتها في التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة.
ودائماً ما يؤكد المختصون بقضايا المنطقة، أن نقطة الضعف بالنسبة لمنطقة الساحل هي الحدود غير المؤمنة؛ لأن دول الساحل ضعيفة ليس لديها جيوش قوية ولا تملك الإمكانيات حتى تستثمر في تقوية جيوشها وتحديثها، وبالتالي فإن إحدى إشكاليات الدول المتاخمة لهذه الدول هي كيفية تأمين ما بعد الحدود أو ما يسمى بحدود الأمن القومي أو العمق الاستراتيجي.

وفي ظل هذه المعطيات المحلية والإقليمية والدولية التي بدأت تبرز على الساحة منذ 2011، شرع البعض في طرح سيناريو التقسيم للدولة الليبية كخيار ممكن.

وتتحدث النظريات السياسية عن عوامل خمسة لحدوث الانفصال، أولها: وجود أقليات دينية أو عرقية أو مذهبية أو لغوية أو قبلية، مع اعتقادها بتعرضها إلى حالات من التمييز، ووجود واقع وطبيعة جغرافية تتمركز فيها الأقلية وتخدم فيها مصالحها، مع وجود المقومات الاقتصادية المناسبة من حيث الموارد والثروة وتقع تحت حيز نفوذها، وأخيراً عامل التدخل الخارجي (راعي إقليمي أو دولي).

إن كل هذه العوامل تجعل من خيارات التقسيم أو الانفصال سيناريو محتملاً، بما يشكل تهديداً وجودياً للأمن القومي الليبي، وإن كان غير مرجح حتى الآن، لكن محددات الامن القومي للدول تدفع لأخذ الاحتياط تجاه أي مخطط بغض النظر عن مدى واقعية حدوثه.

التحولات الجيوسياسية الأخيرة في منطقة الساحل
منذ 2011 وحتى الآن، شهدت دول الساحل والصحراء تحولات عميقة أثرت على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، كان أهمها وفي قمتها الإطاحة بنظام القذافي، والذي على إثره تسارعت العديد من التحولات في باقي دول المنطقة، وهو ما يمكن تبيانه على النحو التالي:

  • تصاعد نشاط حركة أزواد في مالي
  • سلسلة الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر
  • تشاد ومقتل إدريس ديبي
  • السودان والحرب الأهلية
  • تأسيس الاتحاد الكونفدرالي (AEC)

الخلاصة

خلاصة القول، رتبت التغيرات الجيوسياسية في منطقة الساحل والصحراء على ليبيا تحديات أمنية كبيرة، قد تقود لمزيد من عرقلة استقرار البلاد وتقدمها. ويتطلب معالجة هذه التحديات جهودًا سياسية وأمنية وتنموية، يتداخل فيها المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وقبل كل شيء إيجاد حل حاسم ونهائي لحالة الانقسام السياسي المخيمة على الدولة الليبية منذ 2014، لتكون مقدمة لتبني استراتيجية موحدة، تحشد خلفها السلطات كل الجهود لمواجهة التحديات الجيوسياسية والجيو أمنية في المنطقة التي ربما تعصف بالدولة الليبية ومستقبلها.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

زر الذهاب إلى الأعلى