تساؤلات حول طبيعة ودلالة زيارة حكومة “حماد” لدولة مصر والضغط على “الدبيبة” وفك العزلة الاقليمية؟
أبعــــــــاد الموقـــــــف
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية
لاقت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان الليبي، أسامة حماد إلى دولة مصر ردود فعل محلية خاصة بعد استقباله رسميا من قبل رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي ما فهم سياسيا أنه دعم واعتراف رسمي بهذه الحكومة التي لم يغادر رئيسها إلى أي مدينة حتى خارج الشرق الليبي ولم تتمتع يوما باعتراف دولي أو إقليمي أو عربي.
“طبيعة وفد الزيارة”
لمحاولة معرفة طبيعة الزيارة وأهدافها، يجب التركيز على معرفة طبيعة الوفد المشارك فيها والذي تكون من: رئيس الحكومة المكلفة، ” أسامة حماد ” ورئيس صندوق دعم وإعمار ليبيا، بلقاسم خليفة حفتر ورئيس لجنة الإعمار والاستقرار، حاتم العريبي، ولم يرافق حماد وزيرا واحدا من حكومته.
الملاحظ في طبيعة الوفد، يجد أن الزيارة يسيطر عليها جانب الإعمار والاقتصاد على حساب السياسة وأن المسيطر والمتصدر هو ملف الإعمار وبصورة أدق ” بلقاسم حفتر ” والذي يعد المتحكم الفعلي في خطى الحكومة ورئيسها.
وذكرت مصادر مصرية للمركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية أن ” بلقاسم حفتر ” هو المنسق الفعلي لزيارة حماد إلى القاهرة بالترتيب والتنسيق ودعم عضو مجلس إدارة شركة ” نيوم ” المصرية، إبراهيم العرجاني والمعروف بنفوذه القوي وعلاقاته المباشرة بالرئيس السيسي، وأن الزيارة كانت في الأساس لصندوق الإعمار ورئيسه، لكن الأخير اقترح أن يكون على رأس الوفد ” أسامة حماد ” لتحمل الزيارة صبغة رسمية وتأخذ زخما كبيرا وهو ما حدث.
ومن هذه المعلومات والقراءة وطبيعة الوفد واختصار الحديث كله عن مشروعات الإعمار وزيادة حصة الشركات المصرية يتضح أن ” البيزنس ” هو المسير والمسيطر في الزيارة على حساب أي دلالات سياسية أو اعتراف أو دعم لحماد، فالدعم هنا فقط لبلقاسم حفتر ومؤسسته السيادية ” صندوق إعمار ليبيا ” الذي وقع مؤخرا عدة اتفاقات مع رئيس مجلس إدارة شركة أبناء سيناء، وعضو مجلس إدارة شركة “نيوم” المصرية، إبراهيم العرجاني بخصوص إعادة الإعمار في شرق ليبيا، وسط تأكيدات من العرجاني أن “الشركات المصرية حققت إنجازا كبيرا في تنفيذ مشروعاتها في مدينة درنة، متعهدا بأن ” الليبيين سيرون الأوضاع بشكل مختلف تماما خلال 3 أشهر فقط “، مؤكدا أن شركته وقعت 6 مشروعات جديدة في درنة، وأنها ستعمل على إنجاز المتفق عليه في وقت قياسي “، كما وقع بلقاسم حفتر 3 عقود جديدة مع شركة ” المقاولون العرب “، المصرية لتضاف إلى المشروعات التي تنفذها الشركة في مدينة درنة والمناطق المتضررة من إعصار ” دانيال “، وتشمل العقود الجديدة تنفيذ كوبري وادي الحصين، ومشروع كوبري الخروبة، بينما المشروع الثالث هو طريق وادي الكوف السفلي”.
إذا الإجابة عن التساؤلات الخاصة بأهداف وطبيعة ونتائج الزيارة، يتضح مما ذكرناه سالفا من بعد اقتصادي واستثماري، ومحاولة مصرية للتواجد ومضاعفة حصتها في ملف مشروعات إعادة الإعمار في شرق ليبيا وأن الأمر لن يكتفي بالتنسيق الاستثماري والاقتصادي بل سيتم التنسيق مع العرجاني في الملف الأمني خاصة في المنافذ البرية بين البلدين ” امساعد والسلوم ” لسيطرة ونفوذ العرجاني على هذه المناطق.
“رد قوي نتيجته ضعف”
حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة تفاجأت من الخطوة والزيارة وسارعت وزارة خارجيتها بعد ساعات من الزيارة لإصدار بيان وصفت فيه الخطوة المصرية بـ” الخروج عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والحرب “، معتبرة أنها تتنافى ” والدور المصري والعربي والإقليمي المنتظر في دعم وحدة ليبيا واستقرارها “، ولم تكتف بالرفض المكتوب بل فعلت ذلك وصعدت خطواتها وطالبت مسؤولين في السفارة المصرية بطرابلس مغادرة الأراضي الليبية بشكل فوري، وهذا موقف قوي ظاهريا لكنه يؤكد ضعف الحكومة في طرابلس في التعاطي مع المشهد وأنها لن تتحمل متابعة هذا التصعيد وإلغاء الاتفاقات مثلا مع الدولة المصرية، وكان الأجدر التواصل مع القاهرة لتبين أهداف الخطوة وطبيعة الزيارة مع التذكير والتلويح بملف الاعمار والعقود المشتركة بين الطرفين، لربما كان هذا تصرف أضعف لكنه سيؤدي إلى قوة وربما تتراجع حتى القاهرة عن استكمال مشروع الاعتراف وفك العزلة الإقليمية عن حكومة حماد.
وعليــه
فإن الزيارة لا ترتقي أن تكون اعترافا مصريا رسميا بحكومة حماد، وأن الهدف والعنوان الأبرز هو الاستثمار والسيطرة المعمارية من أجل ضخ عملة أجنبية في الاقتصاد المصري، الذي اضطر لتعويم العملة المحلية عدة مرات ، وأن وجود حماد في العلمين هو رمزية وفقط لكن الزيارة وتنسيقها وبطلها هو ” بلقاسم حفتر ” وصندوقه السيادي بدعم إماراتي عبر العرجاني وبرضا تركي عبر الصمت وزيادة الانفتاح شرقا، وربما تتفرع أهداف أخرى أقل أهمية ومنها التضييق على الدبيبة وإجباره على التماهي مع حكومة جديدة، لكن القاهرة لن تستفيد أي شيء سياسيا من الاعتراف بحكومة حماد بعد أكثر من سنتين من منحها الثقة.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)