المؤتمر الصحفي للصوصاع حول اشتباكات بنغازي..تناقضات وتساؤلات
في 14 أكتوبر 2023، أعلن رئيس النيابة العسكرية في شرق ليبيا ” فرج الصوصاع “، عن تعرّض العميد ” المهدي البرغثي ” لـ” إصابات خطيرة وبليغة “، إضافة إلى مقتل تسعة عناصر من أنصاره ، وإصابة ثمانية آخرين ، وإلقاء القبض عليهم خلال الاشتباكات مع الأجهزة الأمنية والعسكرية في مدينة بنغازي.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده المدعي العسكري ، برفقة وزير الداخلية بحكومة الشرق “عصام أبوزريبة”، ورئيس جهاز الأمن الداخلي ” أسامــة الدرسي”، ورئيس جهاز البحث الجنائي ” صلاح اهويدي”.
وذكر الصوصاع في المؤتمر الصحفي أن البرغثي تسلل خلسةً عبر مسارب صحراوية إلى داخل مدينة بنغازي برتل مسلح بأسلحة خفيفة ومتوسطة وبصحبته ” أربعين إرهابياً “، مضيفاً ” عندما وصلت دورية من الشرطة العسكرية لتطلب من البرغثي تسليم نفسه رفض التسليم ، وتعامل مع الدورية بالسلاح “.
فيما أشار الصوصاع إلى أن الدورية طلبت الدعم من الأجهزة الأمنية والعسكرية للقبض على البرغثي ، أفاد بأن اشتباكات دارت مع من وصفها بـ” خلية السلماني الإرهابية بقيادة المهدي البرغثي “، أسفرت عن مقتل تسعة عناصر من أنصاره وإصابة ثمانية آخرين، بالإضافة إلى مقتل 8 من قوات حفتر.
وأضاف أن البرغثي دخل إلى بنغازي وبصحبته ” عناصر من تنظيم شورى بنغازي ، وأنصار الشريعة الفارين من بنغازي الذين ارتكبوا جرائم إرهابية في المدينة ، لزعزعة استقرار المدينة بمساندة خلايا إرهابية نائمة “، على حد وصفه.
وفي ضوء هذا المؤتمر الصحفي وما جاء به من تصريحات، يجب الإشارة إلى التالي:
- بث الإعلام الموالي للقيادة العامة ، في 10 أكتوبر الماضي، فيديو أفرج عنه الأمن الداخلي في بنغازي وسمح بنشره، يُظهر لحظة القبض على البرغثي مساء 6 أكتوبر الماضي ، بعد الانتهاء من مداهمة بيته ، ويظهر فيه
وهو بصحة جيدة ولم يتعرّض لما وصفه الصوصاع بـ” إصابات خطيرة وبليغة “، باستثناء بعض السب والإهانات اللفظية.
وبالتالي هو لم يصب أثناء الاشتباكات ، فهل أصيب بالفعل ولكن أثناء التحقيقات ؟ أم أنه قُتل وبالتالي هذا التصريح تمهيد للإعلان عن ذلك ، أو تمهيد لإغتياله في الأيام المقبلة؟
- هل ما حدث في بنغازي كان محاولة انقلاب قبلية أو عسكرية ؟ هذا في ضوء طريقة المبالغة والتضخيم التي تحدث بها الصوصاع عن البرغثي ورفقائه ، فيما يخص الطريقة التي دخلوا بها وحجم الأسلحة التي معهم وانتماءاتهم ، فضلاً عن الإصابات والقتلى من الطرفين.
هذا بالإضافة لما صرح به ” فرج إقعيم ” وكيل وزارة الداخلية في المنطقة الشرقية ، عن وجود تحركات وتنسيقات واجتماعات تحدث في عدة مدن كالبريقة والمرج والبيضاء واجدابيا وبنغازي، وعن وجود من يتلقون أمولاً من أناس خارج ليبيا في مصر وتركيا وتونس ، وأن كل هذا ، كما يدعي اقعيم ، بهدف زعزعة استقرار المنطقة الشرقية.
وهذا يفرض تساؤل آخر، هل هذه الاجتماعات والاتصالات مع الخارج لها علاقة بالبرغثي وتحركاته ؟ وهل يمكن أن تكون ضمن ترتيبات محاولة انقلاب يخطط لها البرغثي في المنطقة الشرقية؟
- وإذا كان الأمر محاولة انقلابية ، فما رد الأجهزة الأمنية وحكومة الشرق التابعة لها على الوثائق التي نشرها الحقوقي ” ناصر الهواري “، وأعاد نشرها المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية ، في تقرير بتاريخ 11 أكتوبر الماضي ، والتي تتبث أن العمدة ” عبدالسلام عبدالعاطي البرغثي ” بصفته المنسق الاجتماعي للقوات المسلحة عن مدينة بنغازي وضواحيها ورئيس لجنة الصلح لمكون قبائل الجبارنة ، ممهورة بثلاثة أختام وتوقيعاتها، وكذلك توقيعات لعدد 19 من أعيان المنطقة الشرقية ، وجه في هذه الوثيقة خطاباً للمنسق العام للقيادة العامة للقوات المسلحة للشؤون الاجتماعية، ينقل فيه رغبة المهدي البرغثي في المصالحة والعودة إلى مدينة ، وفتح صفحة جديدة مع القيادة العامة.
هذه الوثائق تتناقض مع ما يثار حول دخول البرغثي خلسةً وبأجندة تخريبية رفقة ” إرهابيين “، أو رغبته في عمل انقلاب ، إذ أنه وفقا لهذه الوثائق ، فإنه دخل بتنسيق بين القيادة العامة وشيوخ القبائل.
وكيف لشخص يقوم بعمل انقلاب وفي نفس الوقت يدخل المدينة علناً رفقة زوجته وأبناءه ، ثم يتوجه مباشرةً لمنزله لينصب بعدها خيمة ، ويستقبل فيها الضيوف والمرحبين به ؟ وكيف يتم اتهام رفاق البرغثي بأنهم خلية إرهابية وجميعهم عسكريون سابقون؟
- هذه أول اشتباكات عسكرية تحدث في المنطقة الشرقية ضد المنظومة العسكرية والأمنية التابعة لحفتر، والذي يروج لنفسه على أنه وبخلاف المنطقة الغربية ، قد حقق حالة من الاستقرار والأمن عبر فرض سيطرته العسكرية على هذه المنطقة ، فهل تعد هذه الاشتباكات نذير بمزيد من الاشتباكات والفوضى في المنطقة الشرقية ، ودلالة على تراجع قبضة السلطة الأمنية والعسكرية في البلاد كأحد تداعيات كارثة الإعصار؟
- استمراراً للتناقضات والتساؤلات التي تفرضها تصريحات المسؤولين في بنغازي حول هذه الاشتباكات، جاء الفيديو المتعلق باعترافات من تدعي الأجهزة الأمنية أنهم ضمن ” خلية السلماني”.
فـأحد المتهمين والذي قُدم على أساس أنه دكتور مرافق للبرغثي ، من مواليد 2002، يعني أن عمره 21 سنة ، فكيف لشاب في هذا العمر يعمل طبيباَ ، وأعمار الأطباء عند التخرج تتراوح ما بين 25 و26 سنة ، وفي نفس الفيديو أيضا، يقول متهم آخر أنه انضم لتنظيم شورى بنغازي في 2015، وفي نفس الوقت يقول أنه خرج من بنغازي في 2015،!! أليست هذه التناقضات كافية للشعب الليبي بالتفكير قليلا في هذه الأحداث من منظور آخر غير المنظور الذي تفرضه السلطات الأمنية.؟؟
من يتحمل مسؤولية ما حدث ؟؟
أخيراً ، هناك طرفيـــن يتحملوا مسؤلية هذه الأحداث وما تبعها من تداعيات:
- أولاً، الأجهزة الأمنية ممثلة في وزارة الداخلية ، وبالتالي حكومة ” أسامة حماد ” التي تتبع لها الوزارة ، والنيابة العسكرية وبالتالي القيادة العامة بقيادة المشير ” حفتر” التي تتبع لها النيابة ، فهم الأطراف التي حضرت المؤتمر الصحفي ، وأعلنوا خلاله عن تصريحات متضاربة بخصوص ” المهدي البرغثي” ، وهو وزير دفاع سابق وقائد الكتيبة 204 دبابات السابق وأحد رجال عملية الكرامة منذ بدايتها ، وبالتالي هم مسؤولون عن كشف الحقيقة دون لبس أو تحايل أمام الرأي العام الليبي.
- ثانياً، شيوخ وعمد القبائل البراغثة و العواقير ، الذين توسطوا لدى القيادة العامة لدخول البرغثي عبر ضمانات وتفاهمات مسبقة ، فلم يدخل البرغثي إلا بتنسيق كامل مع القيادة العامة عبر شيوخ القبائل في المنطقة الشرقية كما تثبت المستندات المنشورة.
الخلاصة :
المطلوب من الأجهزة الأمنية ، والقيادة العامة الإعلان صراحة عن مصير العميد ” المهدي البرغثي” ورفقاءه الذين قبض عليهم معه ، وتحديد ملبسات الحادثة ، وما حدث قبل وبعد دخول البرغثي ، وتحديد المسؤوليات الجنائية والقانونية والعرفية ، لان هذه الرواية هي من تحدد مستقبل المصالحة الوطنية ، التي دعت إليها القيادة العامة قبل عدة اشهر، وذلك بتواصلها مع بعض قيادات مهجري المنطقة الشرقية ، وحثهم علي العودة الآمنة لمدنهم وبيوتهم وطيء صفحة الماضي ، كما اعلن في حينه.